الهداية إلى القول الطيّب .. قصّة حياة

الرئيسية » خواطر تربوية » الهداية إلى القول الطيّب .. قصّة حياة
images

هي في الأرض كشجرة طيّبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السَّماء، وعندما تصعدُ إلى السَّماء تفتح لها الأبواب، وهي بين الناس كالصدقة التي تشهد لصاحبها، وتفتح لها مغاليق القلوب لتتأثر بها، منبعها القلب ووسيلتها اللّسان، هي التي تسرّ السامعين، وتألف لها القلوب وتطمئن، هي التي تفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشرّ، هي كالدواء والبلسم والغذاء، إنَّها الكلمة الطيّبة من امتلكها حاز مفاتيح قلوب الناس، تلك الكلمة الطيّبة نسمة وهدية ربانية من حظي بها فقد أوتي خيراً كثيراً، قال الله سبحانه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}، [الحج:24].

ذكر المفسرون معنيين تحتملهما هذه الآية الكريمة:

المعنى الأوّل: أنَّ الله يرشدهم إلى أقوال، أي يُلهمهم أقوالاً حسنة يقولونها بينهم، وقد ذُكر بعضها في قوله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهمّ وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}، [يونس : 10].

والمعنى الثاني: أنّهم يُرشدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيّبة. وهو معنى قوله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}، [الرعد: 24].

"هي التي تفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشرّ، هي كالدواء والبلسم والغذاء،  إنَّها الكلمة الطيّبة من امتلكها حاز مفاتيح قلوب الناس"

وذكر الإمام السعدي في تفسيره أنَّ الحمد هو سبب الفوز بهذه الهداية، حيث قال: (وفي ذكر {الحميد} هنا، ليبيّن أنّهم نالوا الهداية بحمد ربّهم ومنّته عليهم، ولهذا يقولون في الجنّة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}).

امتلاك القول الطيّب للداعية هدية من الله سبحانه، يستخلصه لها ويوفقه إليها، وهي وسيلة للداعية في عمله وسعيه بالخير والفلاح للناس قال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}، [البقرة: 83]. وقال سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}، [الإسراء:53]. وذلك لخطورة الكلمة وعمق تأثيرها في الناس، لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ((إنَّ الرّجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))، (أخرجه الترمذي).

ويسعى الداعية إلى امتلاك القول الطيّب وأساليبه وحسن استعماله وتوظيفه، ولا يفتر في طلب الهداية إليه من المولى سبحانه، فالهداية إلى القول الطيّب جزء من حياة الداعية، بل تمثل قصة حياته ومَعينها الذي لا ينضب وسرّ حيويتها وعنفوانها، لكنها لا تنال بالأماني والأحلام، وإنّما بالسعي والطلب، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، [التغابن: 11]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. [العنكبوت: 69]، وقال عزّ وجل: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، [آل عمران: 101].

"امتلاك القول الطيّب للداعية هدية من الله سبحانه، يستخلصه لها ويوفقه إليها، وهي وسيلة للداعية في عمله وسعيه بالخير والفلاح للناس"

وفي نصيحة النبيّ عليه الصلاة والسّلام لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ((يا عليُّ، سَلِ اللَّه الهُدى وَالسَّدَادَ، وَاذكر بالهُدى هِدَايَتَكَ الطَّريق، وَبِالسَّدَاد تَسديدَكَ السَّهم)) .

يقول الله تبارك وتعالى: {فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، [البقرة: 213]. وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتتح صلاته إذا قام من الليل: ((اللهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطرَ السّموات والأرض عالمَ الغيب والشهادة أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهمّ اهدني لِمَا اختلفَ فيه من الحقّ، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))، [رواه مسلم].

قصة الهداية إلى القول الطيّب لا تفارق الداعية في الدنيا بالطلب والسعي، وفي الآخرة حياة.. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ * فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }، [الزمر: 74].

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …