قصة وعبرة: تحطيم الدعاة.. أسلوب يتقنه بعض المسؤولين

الرئيسية » بصائر تربوية » قصة وعبرة: تحطيم الدعاة.. أسلوب يتقنه بعض المسؤولين
الفشل11

يقول أحد الدعاة: "مرت علينا سنة شديدة، ذقنا فيها ألواناً من التعب والشقاء والفشل، لم يكن يمر علينا يوم في عملنا الدعوي إلا بمصيبة أو مشكلة، أصيب جميع العاملين معي بالإحباط، كأننا في سفينة في وسط عاصفة هوجاء، حتى منّ الله علينا بتغيير مسؤول العمل المتسبب بأغلب مصائبنا ومشاكلنا.

استبشر الجميع خيراً فقد بدا المسؤول الجديد ذا خبرة ودراية بالعمل، وعاملنا معاملة أخوية راقية، فتعاهد العاملون على التعاون معه وإنجاحه في قيادته للعمل بشتى الوسائل والطرق، وفي أول اجتماعته وعدنا المسؤول الجديد بوعود وتطوير للعمل دفعت الجميع للعمل بكل همة ونشاط، أنا على مستواي الشخصي سيطر العمل على كياني، وأصبح همِّي ليلاً ونهاراً، وبدأ النجاح في العمل وبدأت الإنجازات تظهر على أرض الواقع؛ حتى استقرت الأمور وسار العمل بشكل رائع.

ولو أن قصتي انتهت هنا لكانت نهاية سعيدة، ولكن لها تطورات أخرى، فلما شعر المسؤول باستقرار العمل انقلب رأساً على عقب، كان في مقدمة العمل معنا يشاركنا في تفاصيله وهمومه فأصبح آخرنا مشاركة به، وأسلوبه اللين الجميل أصبح فظاً غليظاً، ولم يعد يعجبه أي عمل نقوم به فهو يحتاج لمزيد من العمل والإتقان، ووعوده الوردية لنا كأنها كانت إبر تخدير فلم ينفذ منها شيء.

"الوعود الوردية للعاملين البعيدة المنال، لها دور كبير في إحباط العاملين ودفعهم لترك الأعمال، والإداري الحصيف تكون وعوده واقعية لا أحلاماً وهمية"

وبدأت الأمور تعود لسابق عهدها، كل يوم كان يمر تقل حماستي للعمل من غير قصد مني أو فرح بذلك، وبعد مرور شهرين كاملين فقدت كل حماستي ورغبتي في العمل، أنا أعمل الآن في أدنى مستوى لي، لا أعلم ما الذي ألمّ بي، ساعدوني من فضلكم فأنا على أبواب ترك عملي الدعوي"، انتهى كلامه.

هي رسالة وقصة من داعية تحتاج لإجابة ولا شك أن فيها فائدة وعبرة، والذكي من اتعظ من غيره وتجنب خطأه ووفر الوقت والجهد، وأما العبرة من قصته ألخصها في النقاط التالية:

أولاً: في هذه القصة يظهر لنا جلياً أهمية الإدارة الناجحة التي تخرج الطاقات وتزيد حماس العاملين، وهي مرتكز أساسي في نجاح أي عمل دعوي أو تربوي.

ثانياً: الوعود الوردية للعاملين البعيدة المنال، لها دور كبير في إحباط العاملين ودفعهم لترك الأعمال، والإداري الحصيف يبتعد عنها وتكون وعوده واقعية لا أحلاماً وهمية.

ثالثاً: مشاركة القائد للأعمال مع أفراده، لها دور كبير في دفع العاملين للعمل بهمة ونشاط، إضافة لما يضفيه ذلك من تواضع وقرب من أرض الواقع؛ تجعل الأحكام والقرارات أكثر دقة وواقعية.

"ضغط القيادات العليا بشكل كبير على الإداريين والقيادات الصغرى، يعطي نتائج سلبية، من أبرزها البحث عن إنجاز مهما كانت الطريقة وإن كانت آنيَّة أو وهمية، حتى لو أدت لإفشال العمل على المدى البعيد"

رابعاً: ضغط القيادات العليا بشكل كبير على الإداريين والقيادات الصغرى للأعمال، يعطي نتائج سلبية، من أبرزها البحث عن إنجاز مهما كانت الطريقة أو الوسيلة وإن كانت آنيَّة أو وهمية، حتى لو أدت لإفشال العمل على المدى البعيد.

خامساً: الأسلوب اللين البعيد عن الفظاظة بين المدير وأفراد العمل هو الأسلوب الواجب اتباعه، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العمل والهدف والغاية منه، فعن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه". (رواه أحمد).

سادساً: الانسجام بين العاملين في أي عمل دعوي أو تربوي يأتي بثمار عظيمة، وإنجازات كبيرة، فهو يولد طاقات هائلة تدفع الجميع للعمل بروح الفريق الواحد، كأنهم كتلة واحدة متماسكة.

ختاماّ.. أما صاحبنا فلقصته نهاية جميلة، فقد اختير مديراً جديداً للعمل الدعوي الذي يعمل به، بسبب همته ونشاطه وقدرته، وتعلم صاحبنا من تجربة الآخرين وهو الآن مدير كبير صاحب إنجازات يشهد لها، فقد تفادى كل التجاوزات والسلبيات التي كانت من المدراء السابقين، فهو لين هين صاحب خلق عظيم، يعمل بروح الفريق، وأصبح ماهراً في إثارة دافعية أفراده للعمل بكل همة وتفاني.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
تربوي وإداري بخبرة تزيد عن خمسة عشر عاماً، حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة اليرموك في الأردن، مدرس علوم اسلامية وشرعية، بالإضافة للعمل في عدد من المراكز والهيئات التربوية والدعوية المتنوعة، مدرس علوم قرآن وخبرة في تدريس التلاوة والتجويد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …