كيف أخطأت الحكومة الفرنسية بحق شعبها؟؟

الرئيسية » بصائر الفكر » كيف أخطأت الحكومة الفرنسية بحق شعبها؟؟
تفجيرات باريس

ما حدث في فرنسا مؤخراً عمل إرهابي مدان، يتنافى مع أحكام الشريعة والقيم الإنسانية. فهو استباحة لدماء الأبرياء – وإن كانوا مخالفين لنا في الدين- وإزهاق للأرواح دون وجه حق، أو سبب موجب له.

وبغض النظر عمن يقف وراء هذه الأحداث والمستفيد منها، فأنا شخصياً موقن أن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن يقوم بها مجموعة عشوائية من الناس، وإنما تحتاج إلى خطط دقيقة، ومعرفة بتفاصيل الوضع الأمني، وهذا كله لا يتم إلا بجهود أجهزة استخباراتية منظمة، تخطط وتختار الأماكن، ثم ينفذها أناس إما ينتمون لهذه الأجهزة، أو يسيطر عليهم التهور والحمية انتقاماً لبعض الممارسات التي تقوم بها الحكومة الفرنسية، أو الجهل وعدم الوضوح في الرؤية، وأحياناً السذاجة وقلة الفهم والعلم باستهداف غير المسلمين أينما كانوا!!

"الساحة الدولية اليوم باتت مثل لعبة الشطرنج، يضحي اللاعب بشيء من جنوده لكسب شيء أكبر، والسياسة أكثر دهاء ومكراً، بل تنزل إلى مستويات متدنية لتحقيق مطالبها"

والحقيقة الواضحة أن الساحة الدولية اليوم باتت مثل لعبة الشطرنج، يضحي اللاعب بشيء من جنوده لكسب شيء أكبر، والسياسة أكثر دهاء ومكراً، بل تنزل إلى مستويات متدنية لتحقيق مطالبها. معتمدة على المبدأ الميكافللي: "لا علاقة بين السياسة والأخلاق".

ولقد اعتدنا كثيراً على بعض الأنظمة التي تقوم بقتل مواطنيها، أو مواطنين لدولة ثانية، لتبرر عدوانها، وسياساتها القمعية، ومصادرتها للحريات، أو لتقحم دولة أخرى كنوع من رد الفعل، بحيث يكون هذا التدخل ضاراً بتلك الدولة، ومغيراً الأوضاع لما هو أسوأ وأكثر فتكاً بالحقوق والحريات المتعارف عليها دولياً. وهذه كلها ضمن السياسة المكافيللية التي يسير عليها الكثير من قادة الدول في وقتنا الحالي، وأبرزها: "في كافة أعمال البشر وخاصة الأمراء، الغاية تبرر الوسيلة".

الإرهاب والمضمون الواحد

لا شك أن الإرهاب الذي حدث في فرنسا، هو نفس الإرهاب الذي يمارس يومياً في سوريا وفلسطين والعراق واليمن ومصر وغيرها، لكن الإرهاب لم يمس دول العالم الثالث هذه المرة – رغم أنه متجدد الحدوث- المليئة بالصراعات والفوضى وانتهاك الحقوق والحريات – بحسب تعبيرهم- بل استهدف تلك الدول التي تفخر بالسلام والديمقراطية والرخاء الاقتصادي والرفاهية.

إن الإرهاب هو الإرهاب، بغض النظر عن فاعله ووسائله، سواء كان بالصاروخ أو بالرصاص، أو بالقنابل، أو بالبراميل المتفجرة، أو حتى بالاعتقال وإزهاق الأرواح في السجون والمعتقلات.

إن العالم عموماً، والعالم العربي خصوصاً، يعيش حالة من الانفصام الفكري والنفسي، إذ يبكي على سقوط الضحايا المدنيين في باريس، بينما يسكت أو يشارك في سفك دماء إخوة الدم والدين واللغة والتاريخ.

"الإرهاب هو الإرهاب، بغض النظر عن فاعله ووسائله، سواء كان بالصاروخ أو بالرصاص، أو بالبراميل المتفجرة، أو حتى بالاعتقال وإزهاق الأرواح في السجون"

وليست قضية شارلي إيبدو ببعيدة عنا، حينما اصطف الكثير من الدبلوماسيين العرب منددين بقتل بضعة أفراد استهزؤوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في حين لم يكن لهم أي دور تجاه الشهداء الفلسطينيين أو المسجد الأقصى، أو حتى وقف الدم السوري الذي يسيل منذ سنوات، وغير ذلك.

أخطاء الحكومة الفرنسية

لست أبرر أي هجمات على المدنيين الفرنسين، وأؤكد مرة أخرى على أن هذا فعل إجرامي محرم، لكن بلا شك أن مواقف الحكومة الفرنسية تشجع المتهورين، وأصحاب الفكر المنحرف والسذج من المسلمين على استهداف شعوبها، وإن كان هذا غير مبرر لما يأتي:

1- الدفاع عن الإساءة للأديان، بزعم حماية حرية التعبير، فبعد ما حدث في شارلي إيبدو لم تتوقف الإساءة، بل استمرت الجريدة بالإساءة للإسلام وخصوصاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، دون أن تتخذ أي تصرف يكبح جماح تطرف هذه الصحيفة حماية من ردة الفعل العنيفة المنددة بهذا الأمر.

2- حالات الاعتداء المتزايدة على المسلمين في فرنسا، فعلى سبيل المثال أصدر مرصد الإسلاموفوبيا في فرنسا في مطلع تموز/ يوليو الماضي تقريراً عن ازدياد حالات الاعتداء على المسلمين مقارنة بالعام الماضي، حيث سجلت في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 (274) حالة اعتداء، في حين كانت (72) في نفس الفترة من العام المنصرم، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من المسلمين لا يخبرون الشرطة عن حالات الاعتداء، وكل هذا على مسمع ومرأى الحكومة الفرنسية، دون أن تتخذ أي تصرف حيال ذلك. ومما يشجع على زيادة حالات الاعتداء هو الصورة غير الصحيحة للإسلام التي تنشرها وسائل الإعلام، وتعززها بعض التصرفات والتصريحات الصادرة عن السياسيين، ويكفي أن أحد مراكز الاستطلاع في فرنسا وهو معهد أودوكسا أشار في حزيران/ يونيو الماضي إلى أن 63% من الفرنسيين يعرفون الإسلام بشكل سيء، في حين أن 16% منهم يعرفونه بشكل أسوأ!

"مما يشجع على زيادة حالات الاعتداء على المسلمين في فرنسا هو الصورة غير الصحيحة للإسلام التي تنشرها وسائل الإعلام، وتعززها بعض التصرفات والتصريحات الصادرة عن السياسيين"

3- محاربة الحركات الإسلامية التي تتسم بالنظرة الشمولية، والخطاب الواعي، الذي يعزز قيم الحرية والتعايش والتداول السلمي للسلطة، ويحارب العنف وسفك الدماء، فتغيب صوتها في أوروبا وغيرها، وتتهمها بالضلوع خلف الكثير من الأحداث، تماماً كما عبر عنه رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس حيث اتهم جماعة الإخوان المسلمين بتغذية العنف، علماً أنها لم تدع يوماً لممارسة العنف، أو تشجع عليه. هذا بالإضافة إلى منع العلماء الحقيقيين من توجيه الخطاب الديني الصحيح للمجتمع المسلم في أوروبا، مما يفتح المجال لأصحاب الفكر الهدام، والمتطرفين لتصدر المشهد وتوجيه الناس.

4- التغاضي عن الأحداث الجارية في الدول العربية والإسلامية، تماماً كما يحدث في سورياً ومصر وفلسطين وغيرها، ودعم الأنظمة القمعية سراً أو علانية أو السكوت عن تصرفاتها، أو التدخل العسكري في بعض البلدان، أو دعم الانقلاب على خيارات الشعوب وإراداتها، مما يعطي الفرصة لبعض المتطرفين للقيام بأي فعل معادٍ لها.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • أوروبا
  • فرنسا
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

    شاهد أيضاً

    التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

    تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …