مهارة الحوار التربوي.. هل فكرت بأهميتها؟!

الرئيسية » بصائر تربوية » مهارة الحوار التربوي.. هل فكرت بأهميتها؟!
الحوار الأسري13

ينطوي أولادنا اليوم على غربة فكرية عصيبة نتيجةً لكمية الضخّ التكنولوجي الذي زادت سرعته بصورة مخيفة في الآونة الأخيرة، حيث تعمل هذه الوسائل على تبادل وتناقل الأفكار والاتجاهات التي أشعرت الجيل بحالة من عدم التوازن المعرفي، الأمر الذي يحتَّم على الأرباب الاهتمام المضاعف بأبنائهم وتنمية مهارات التواصل الفكري واللفظي والعاطفي لديهم وذلك عن طريق الحوار. وتعد مهارة الحوار التربوي من أهم المهارات التي لا بد وأن يدرب الأبوين أنفسهما عليها، لأن فشلهما يعني فشلاً تربوياً ذريعاً.

وقد أولى القرآن الكريم الحوار التربوي أهمية بالغة، وجعله وسيلة لتوجيه الناس وإرشادهم، فالحوار في القرآن الكريم يمتاز بالسهولة ويبتعد عن التضمينات المعقدة، إذ يتضمن ضروباً من الأساليب التي تناسب عقول وأحوال المخاطبين، وقد نسجت بلين الجانب وإحالة الجدل إلى حوار إيجابي يسعى إلى تحقيق الهدف بأكمل الألفاظ وأرق الطرق، وهذا ما نجده مثلاً في قصة يعقوب مع ولده يوسف في أمر الرؤيا، وكما حدث في قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل في أمر ذبحه.

"يعد الحوار في الإسلام ذا بعد وظيفي تواصلي وتربوي، كما أن له بعدا غائيا مقاصديا"

واستخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب الحوار في تعامله مع القضايا والملمات التي حدثت أثناء بناء الأمة الإسلامية، وحتى في دعوته، وتربيته وتعليمه لأصحابه رضي الله عنهم، وقد تميز هذا الحوار النبوي الفذّ بالقوة، وحسن الخطاب، والصبر، والتمثل بآداب الحوار.

ويعد الحوار في الإسلام ذا بعد وظيفي تواصلي وتربوي، كما أن له بعدا غائيا مقاصديا؛ يتمثل في كون الحوار الذي يدعو إليه القرآن الكريم غايته قديما وحديثا إحلال السلام بين البشر، وليس بالضرورة أن يكون السلام على مستوى عالمي، بل قد يكون حتى على مستوى الأسر، ذلك أن خلق أجواء هانئة مفعمة بالأمن والاستقرار والتواصل اللفظي بين أفراد الأسرة أمراً هاماً دعت إليه الشريعة، لما في ذلك من عظيم الأثر على تقدم الأفراد، وانسجامًا مع ذلك فالحوار يقوم على منهجيَّة قرآنيَّة، واضحة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

وهذه المنهجيَّة التي تبدأ بالحكمة الجامعة للخير، يمكن أن تكون بالكلمة، ويمكن أن تُعْطَى بالمثال والنموذج، ويمكن أن نُسِرَّ بها للآخرين، ونقنعَهم بها؛ بأساليبَ مختلفةٍ، كلُّها تدخل في نطاق الحكمة.

"يعد تقصير الوالدين مع أبناءهم في عملية الحوار أحد أهم أسباب الضعف اللغوي والفكري لدى الجيل، ذلك لمنع الأبنية اللغوية من تطوير ذاتها وحكرها في قفص النقصان والاستخفاف"

ويعد تقصير الوالدين مع أبنائهم في عملية الحوار أحد أهم أسباب الضعف اللغوي والفكري لدى الجيل، ذلك لمنع الأبنية اللغوية من تطوير ذاتها وحكرها في قفص النقصان والاستخفاف. فالحوار التربوي ليس هدفه إقناع أبنائنا بوجهة نظرنا، وإنما هدفه الأساسي أن نوسع مدارك أفكارهم، ونكشف لهم عما غاب عن أذهانهم أو أن نكشف لهم بطرق منمقة بعض الأمور التي لا يعلمونها، وفي المقابل يمكن لنا أن نرى ما لم نكن نراه من الأمور، هذا إن خرجنا من بوتقة التنظير والاستخفاف بذات أبنائنا وعقولهم.

وترجع أهمية الحوار التربوي إلى ما يلي:
1- إثراء المحبة بين الوالد وولده: خاصةً إذا تحلى هذا الحوار بحلة الود والإحسان وغلف بعبارات المحبة والرّقة كما حصل هنا في قول موسى عليه السلام مع أخيه هارون {قالَ يَا ابْنَ أُمَّ..} [طه:94].

2- توفير المستشار الأمين لدى الأبناء: إذ يتمكن الأبناء من بناء علاقات قوية مع ذويهم تؤهلهم لطرح أي تساؤل قد يمر بخاطرهم.

3- غرس المفاهيم الصحيحة وحسن تقييم الأمور: وخير مثال على ذلك قصة يوسف مع أبيه يعقوب.. {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:6].

فقد علمه أن إخوته لا يبغضونه ولكن الشيطان هو الذي سيوعز لهم بأذيته. وعلمه أن الله هو الذي يجتبي ويمن ويعلم ويفرج الكربات. وقد بقيت هذه النصائح الغالية مع يوسف طوال فترة محنته وبعد أن نجاه الله تعالى واسمع إليه بعد أن نصره الله وجمع شمل الأسرة يقول ذاكرا فضل ربه عليه:
{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو" ثم اسمعه يقول: "من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}.

وأعجب من ذلك كله بقاء صفات الله التي ذكرها يعقوب في مخيلة يوسف حتى يذكرها هو أيضا في آخر كلامه فيقول: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].

"الحوار يُنعش فيمن نربيهم الشهية لطرح الأسئلة، حيث إنه بطبيعته يتضمن ما لا يحصى من الأسئلة"

إننا من خلال الحوار نكتشف القواسم المشتركة بيننا وبين أبنائنا، فهو يتطلب تصميم قواعد جديدة واكتشاف أرضيات لم نعهدها، فالحوار بالنسبة إلى الكبار أشبه باللعب بالنسبة إلى الصغار، فلو أنك أعطيت مجموعة من الأطفال دراجة –مثلاً- ليلعبوا عليها فإنك ستجد أنهم خلال دقائق توصلوا إلى بلورة قاعدة لتداولها والاستمتاع بها، وهكذا نحن الكبار فإننا في حوارنا المتواصل مع أسرنا وأطفالنا نستطيع بلورة العديد من المبادئ والأدبيات والرمزيات التي تجمع بيننا، وتقربنا من بعضنا البعض.

إن الحوار يُنعش في أبنائنا الشهية لطرح الأسئلة، حيث إنه بطبيعته يتضمن ما لا يحصى من الأسئلة. كما أن المحاور يستفهم من محاوره عن بعض الغوامض، ويطلب منه الدليل على بعض ما يورده من أقوال وآراء ومسائل، كما أنه كذلك يعترض من خلال الأسئلة على بعض ما يقوله محاوره، وهذا كله يمرن الأطفال والناشئة والشباب والكبار على أن يصرحوا بما في أنفسهم، وأن يسألوا عن الأشياء غير المنطقية وغير المستساغة مما يرون ويسمعون. والحقيقة أن كثيراً من ينابيع الحكمة تتفجر، وكثيراً من شرارات الإبداع والابتكار تنقدح وتتوهج من خلال الأسئلة التي يطرحها النابهون والسائرون في درب النجاح.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية، مختصة بالتربية و مهتمة بالشأن الفلسطيني.

شاهد أيضاً

لا تنظيم بلا التزام: كيف نحمي صفنا من الداخل؟

لا يمكن لأي مؤسسة أو شركة أو حتى جمعية صغيرة أن تحقق النجاح والاستمرارية ما …