أبي أريد هاتفا ذكيًّا!!

الرئيسية » بصائر تربوية » أبي أريد هاتفا ذكيًّا!!
children-phones5

إنه عصر التقنية! ومن الصعب التحكم في هذا التدفق الهائل للأجهزة التكنولوجية التي تجتاح عالمنا، إن التكنولوجيا تجعل الحياة سهلة ولكننا كثيراً ما ندفع ثمن ذلك غالياً إذا ما تركناها تتسلل بعمق إلى حيواتنا وحيوات أطفالنا.

"أبي أريد هاتفاً ذكياً" أصبح هذا المطلب أمراً ملحاً بالنسبة لأغلب أطفالنا اليوم إذا لم نقل كلهم! فالطفل هو ابن جيله بالدرجة الأولى، فنسبة 72% من الأطفال في العالم حتى سن الثامنة يستخدمون هاتفاً أو لوحاً ذكياً، و50% من الأطفال يستخدمون التطبيقات. مع هذه الإحصائيات يطفو على السطح ذلك الجدل الذي لم يحسم بعد بشأن امتلاك واستخدام الأجهزة الذكية بالنسبة للأطفال بين مؤيد ومعارض..

وتقع الأسرة العربية بدورها في حيرة من أمرها بين السماح للطفل بمواكبة تطورات عصره وبين مخاوف أن تجرفه تلك التطورات المتلاحقة والمتسارعة فتسرقه من طفولته وتؤثر على نموه السليم خصوصاً مع الدراسات الدائمة التي تشير كل مرة إلى مخاطر أكيدة على الطفل جراء الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، ويقف الأبوان في حالة ذعر من تأثر تلك الأجهزة على طفلهم تجعلهما في تردد دائم بين اقتناء أو عدم اقتناء جهاز ذكي له.

"يجب على الأبوين أن يقوما بالرد على أسئلة الطفل بدل تسليم عقله للتكنولوجيا لتقوم بذلك نيابة عنهما"

كل المؤشرات تؤكد أن الطفل معرض للكثير من التأثيرات إذا كان يستخدم الأجهزة الذكية وبالذات إذا استخدمها بشكل مبالغ فيه لذلك يشدد الخبراء على الآباء بضرورة التفكير قبل السماح لأطفالهم بامتلاك أو استخدام واحد. يقول الخبراء أن حصول الطفل على هاتف ذكي يغير علاقته بوالديه ومن حوله، فقضاؤه الكثير من الوقت وهو منكب على استخدام التطبيقات والألعاب والإنترنت يعرضه أكثر للعزلة والانطواء، فهو في مرحلة النمو وبحاجة إلى رعاية وإشباع عاطفي ومن الخطير أن نترك الأجهزة الذكية تتولى ذلك، لذا يجب على الأبوين أن يقوما بالرد على أسئلة الطفل بدل تسليم عقله للتكنولوجيا لتقوم بذلك نيابة عنهما!

وتؤكد بعض الدراسات الغربية أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية يحدّ من قدرات الطفل الإبداعية ويؤثر على قدرته على التخيّل، كما أن وجود تلك الأجهزة في غرفته تتسبب له في قلة النوم عندما يقضي الطفل ساعات طويلة من الليل وهو منشغل بجهازه بدل الخلود إلى النوم مما يؤثر على راحة دماغه.

ووفقاً لباحثين فإن استخدام تلك الأجهزة يحد أيضاً من قدرة الطفل على التعلم وهو ضار في تنميته الاجتماعية، وأكثر من ذلك أنه يسبب الإدمان للطفل بالإضافة للتأثير السلبي على صحته النفسية؛ لأن كثرة استخدامه لها تعرضه للاكتئاب ولفقدان الشهية. كما أنها تتسبب أيضا في مشاكل في سلوك الطفل بسبب ألعاب العنف ومواقع الدردشة التي يرتادها، إضافة إلى مشاكل السمنة غير المباشرة بسبب جلوسه الطويل بلا حركة، ومشكلات التركيز والتشتت التي تصيبه. كما وأكدت دراسة ألمانية أن استخدام الطفل للأجهزة الذكية بشكل مفرط يؤدي إلى ارتفاع نسبة التوتر لديه.

بين مواكبة التطور والحماية من المخاطر

"يجب أن يتعلم الطفل قيمة الوقت ومهارات استخدامه فيما يفيد بدل إنفاقه في الألعاب الإلكترونية والتطبيقات المختلفة"

يصبح الوالدان في مفترق طرق بسبب تلك الدراسات الواقعية، فمن جهة تصبح مسألة استخدام الطفل للهاتف الذكي أمراً مصيرياً بالنسبة له؛ لأنه ابن الألفية الجديدة وابن التكنولوجيا، ومن جهة أخرى يريدان حمايته من كل تلك المخاطر ولكن بالتأكيد هناك فوائد عديدة للتكنولوجيا لا يمكن أن نفوّت على طفلنا الاستفادة منها ولكن كيف نوفّق بين الأمرين:

- التقنين: إذا كان لا بد للطفل أن يحصل الهاتف الذكي فيجب أن نراعي مبدئياً سنه قبل أن نضع الجهاز بين يديه إذ يجب أن ننتظر حتى يبلغ الطفل سن الـ 12 حتى نسمح له بامتلاك واحد، مع الاستخدام المحدود الذي لا يزيد عن ساعتين في اليوم. و يجب أن يتعلم الطفل قيمة الوقت ومهارات استخدامه فيما يفيد بدل إنفاقه في الألعاب الإلكترونية والتطبيقات، ومن المهم أن نعلمه طريقة استخدام الأجهزة الذكية بطريقة ذكية تمكنه من الاستفادة القصوى منها واستغلالها في تنمية مهاراته ومواهبه بدل إهدار وقته فيما لا ينفع.

"حرمان الطفل من الحب والرعاية وإهماله بسبب مشاغل الحياة ومتاعبها هو من أكبر الأسباب التي تجعله يشغل وقته في استخدام الأجهزة الذكية لملء ذلك الفراغ"

- المراقبة: يجب أن تكون هناك رقابة ذكية من طرف الوالدين على استخدام طفلهما للأجهزة الذكية، رقابة لطيفة لا تثقل كاهله ولا تجعله يشعر أنه في سجن أو محاط بالحراس. إن تربية الطفل منذ البداية على الاستخدام السليم والحكيم للتكنولوجيا توفر على الأبوين جهوداً كبيرة ومخاوف كثيرة.

- العلاقات الاجتماعية: حرمان الطفل من الحب والرعاية وإهماله بسبب مشاغل الحياة ومتاعبها هو من أكبر الأسباب التي تجعله يشغل وقته في استخدام الأجهزة الذكية لملء ذلك الفراغ الذي يخلفه غياب الأسرة، لذلك من واجب الأبوين أن يوفرا وقتاً كافياً للطفل للاستماع إلى مشاكله، والجلوس والحديث معه حول طموحاته ومواهبه وأحلامه، ومن المفيد أن نخصص وقتاً لنعلمه مهارات أساسية في حياته كممارسة الرياضة وتعلم المطالعة وغيرها، إضافة إلى تخصيص يوم أسبوعي للأسرة للخروج للنزهة، وتشجيعه أيضاً على الخروج للعب مع أصدقائه والاستمتاع بيومه.

من المهم جداً أن يشعر الطفل أنه كأقرانه، مواكب لتطورات بيئته المعاصرة، قادر على أن يستخدم كل ما تنتجه تكنولوجيا اليوم ولكن ذلك يجب أن يكون في حدود تسمح بأن يعيش طفولة حقيقية لينشأ تنشئة سليمة وسوية وذلك من خلال التوازن في استخدام التكنولوجيا الذكية فلا إفراط ولا تفريط.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة من الجزائر، مهتمة بشؤون التربية، والأدب والفكر، متخصّصة في التسويق بالمحتوى.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …