طوال فترة دراستي الجامعية خلال انتفاضة الأقصى فارقنا العشرات من الطلبة شهداء أو استشهاديين أو خلال المواجهات أو في اشتباكات مسلحة، وغالبية الشهداء احتجز الاحتلال جثامينهم، ومنهم من عاد بعد 12 عامًا ومنهم مَن لم تسلمه بعد.
وطوال تلك الفترة والدراسة مستمرة بعد إغلاق الجامعات وبعد افتتاحها؛ ولم يحتل موضوع استرداد الجثامين أي أهمية على المستوى الطلابي، والاجتماعي، والسياسي، فقد كان المجتمع بأسره منشغلاً بهموم أشد وطأة جعلت الأولويات ترتكز على التماسك والالتفاف حول خيار المقاومة وتعزيز صمود الناس.
كان استشهاد الطلبة بمثابة تصحيح بوصلة لكل طالب وطالبة، والنافذة التي نطل من خلالها على طريق المشروع الوطني ومسيرة التحرير، فلا جزع ولا استنكار ولا نكوص، وما كان هناك مَن يجرؤ على انتقاد إقدامهم، أو حتى النيل من توجهاتهم الفكرية، ولم يكن هناك مَن يطلب السلام ويستجديه.
الاستشهادي الذي رسم جغرافيا الوطن بجسده أمس؛ هو ذاته الذي يسطره اليوم بسكينه أو سيارته، ولكن المتغير هو أولوياتنا كمجتمع.
وخلال السنوات الأخيرة كلما احتدم الصراع وجدنا مَن يشغلنا بقضايا جانبية، ويبدو في انتفاضة القدس أن القضية الجانبية التي تنافس موضوع مواجهة الاحتلال هي استرداد جثامين الشهداء، والمقلق في هذا الموضوع أن يهبط سقف الشارع ويتحول مشروع النضال والمواجهة من ثورة لأجل القدس والأسرى والحرائر، ومن رفض الاستيطان والاحتلال؛ إلى المطالبة باسترداد الجثامين فقط.
يجب الحذر من تحول هدف الانتفاضة إلى مجرد المطالبة بجثامين الشهداء، وأن تُدرس خطوات الضغط على الاحتلال بما لا يجعلها على حساب القضايا الكبرى وبما يبقي كل الجهود في اتجاه واحد وهو القدس والخلاص من المحتل.