حالة الالتفاف الشعبي المشهودة حول حركة حماس التي تعيش اليوم أوج شبابها، باتت لافتة للانتباه؛ فالعالم الذي شهد ولادة عشرات الحركات المنادية بالتحرر وحقوق الشعوب خلال قرنه الأخير شهد أيضاً سقوط وتآكل كثير منها إما بسبب انحراف البوصلة والانقسامات والاقتتالات الداخلية أو الوقوع في فخ الفساد والعمالة، وبعضها لا يزال قائماً بالاسم لكنه فقد البوصلة والوجهة وأصبح مجرد صورة يحملها مسمار حائط.
تُرى كيف حافظت حركة حماس على الالتفاف الجماهيري حولها طيلة 28 عاماً؟ وما الذي قدمته حركة حماس للقضية الفلسطينية؟
تفعيل دور الشباب:
"لا تستهن بضعفاء الجسد؛ فهم أقوياء الإرادة" ولا أدل من ذلك سوى جهود الشيخ أحمد ياسين الذي بدأ ينشر الخير وحيداً بقدراته البسيطة وهو القعيد والعاجز عن التنقل"
"لا تستهن بضعفاء الجسد؛ فهم أقوياء الإرادة" ولا أدل من ذلك سوى جهود الشيخ أحمد ياسين الذي بدأ ينشر الخير وحيداً بقدراته البسيطة وهو القعيد والعاجز عن التنقل؛ لكن صوته الصادح بعد صلوات المساجد داعياً لله تعالى كان نافذاً لقلوب مستمعيه، وتفقده ضعفاء الوطن المكلوم ووضع زكاة الغني في يد الفقير رسخت مبدأ التكافل في مجتمعه الضيق الذي أخذ بالامتداد حتى تآلف الناس حوله وأحبوا قيمه ومبادئه.
ركز الشيخ أحمد ياسين على فئة الشباب التي كانت في زمانه تعاني من التهميش والإقصاء؛ فباشر التخطيط للفعاليات والندوات الشبابية وأشركهم في العمل الخيري والتطوعي ووجه لهم الخطاب الإسلامي في حلق المساجد وحتى في القاعات التعليمية التي شغلها حتى أسس خلية نشطة يمكن الاعتماد عليها في تدشين العمل المقاوم، وهو ما استمرت عليه الحركة حتى وقتنا الحالي، حيث الشباب لهم اهتمام بالغ من قبل الحركة، فهم عمادها وأساس قوتها ونشاطها.
تأجيج الانتفاضة الأولى:
في زمن كانت فيه العمليات الفدائية ضئيلة وغير منظمة، وحالة اليأس قد بلغت من الناس مبلغها بعد احتلال الصهاينة لكامل الأرض الفلسطينية وتخلي الجار والصديق عن حماية شعب أعزل يخضع لسياسات التجهيل والقمع ويحيا تحت خط الحرمان؛ قام أحد المستوطنين بدهس مركبة فلسطينية متوقفة أمام محطة وقود في جباليا، الأمر الذي أدى لوفاة أربعة وإصابة آخرين.
من المعتاد أن يقوم الصهاينة بالاعتداء على العرب؛ لكن ما لم يكن معتاداً هو أن تخرج الجماهير المشيعة لمواجهة جيش مدجج بالسلاح على أطراف المدينة، وتلقي الحجارة معلنة انتفاضة هي الأولى من نوعها منذ عام 1967م، حاول الصهاينة إخمادها بالرصاص الحي؛ فجاء الرد ببيان حماس الأول تعلن عن "انتفاضة المساجد" وتتحدث عن فلسطين "من النهر إلى البحر" وتصرح علناً بأن نهاية الاحتلال أصبحت وشيكة. لهجة قوية زعزعت الشعور بالسيطرة لدى السياسي الصهيوني الذي استرسل بسياسات القمع ضد المتظاهرين العزل، الأمر الذي بدأ يلفت انتباه وكالات الإعلام العالمية وأصبحت القضية محط الأنظار عقب التغاضي عنها لعقود طويلة.
الكفاح المسلح والتصنيع المحلي:
"لم يكن الهدف من تشكيل كتائب القسام هو فقط تنفيذ العمليات الاستشهادية، بل كان من أبرز مهامها هو تصنيع العتاد العسكري وتطويره لتلبية متطلبات المعركة العسكرية مع الاحتلال"
لم يكن الهدف من تشكيل كتائب الشهيد عز الدين القسام وهو الذراع العسكري لحركة حماس هو فقط تنفيذ العمليات الاستشهادية، بل كان من أبرز مهامها هو تصنيع العتاد العسكري وتطويره لتلبية متطلبات المعركة العسكرية مع الاحتلال، ولهذا كانت النواة الأولى للكتائب تتكون من أفراد يمتلكون خلفيات أكاديمية في التصنيع وتركيب المتفجرات؛ أو في التخطيط وحسن الإدارة والتضحية، ومن أبرزهم الشهيد المهندس يحيى عياش، وعماد عقل، وصلاح شحادة، ومحمود المبحوح، وآخرين.
ومع انطلاق الانتفاضة الأولى قدم الجناح المسلح للحركة القنابل اليدوية والأحزمة المتفجرة المصنعة محلياً كأداة عسكرية مقاومة، واستمر نشاط التصنيع في الامتداد حتى تمكن القسام اليوم من تصنيع بندقية قنص وصواريخ طويلة المدى ضربت عمق الاحتلال الصهيوني الذي بات يعتبر حركة حماس نداً عسكرياً له بالرغم مما يمتلكه من عتاد عسكري بمواصفات عالمية.
النجاح في مجال التصنيع الذي حققته حماس منح الشعب الفلسطيني الأمل في القدرة على المواجهة ودفع المجتمع بالالتفاف حول المقاومة التي لا تقبل لشعبها الإهانة والركوع ودفع بفصائل أخرى من حملة شعار الكفاح المسلح ضد الصهاينة بخوض تجربة التصنيع وتحقيق نجاحات في المجال والوقوف في صف حماس ضد الاعتداءات الصهيونية الغاشمة.
انتفاضة الأقصى:
في عام 2000م، اندلعت انتفاضة الأقصى عقب تدنيس المجرم شارون للمسجد الأقصى المبارك، واندفع أبناء حماس بعملياتهم البطولية والنوعية المسلحة ليدكوا مستوطنات الصهاينة في عموم الأراضي الفلسطينية وبالتحديد في قطاع غزة، حيث لم يذق المستوطنون هناك لذة النوم طيلة خمس سنوات هي عمر الانتفاضة، الأمر الذي دفع بهم للفرار من غزة التي لم يبتلعها البحر كما كان يتمنى رابين، وقد أثمرت الانتفاضة الثانية دحر المحتلين الصهاينة من غزة وتحريرها، وانتخاب الشعب الفلسطيني لحركة المقاومة الإسلامية- حماس للمجلس التشريعي عام 2006م، حيث حازت في الانتخابات التشريعية على 76 مقعداً من مجمل المقاعد البالغ 132.
"استطاعت حماس عقب عقدين ونيف من الكفاح إسقاط شعار طالما تغنى به الصهاينة بأن لديهم جيشاً لا يقهر"
صفقات تبادل الأسرى:
إيمان حماس بمبدأ "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" يدفعها دائماً للتعامل مع الكيان الصهيوني بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع الشعب الفلسطيني؛ مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني ترددوا على المعتقلات الصهيونية وذاقوا فيها التنكيل والعذاب، منهم من أفرج عنه وآخرون حكموا بالمؤبدات، بعضهم أفرج عنه بعد انتهاء محكوميته وآخرون قضوا نحبهم ولا يزال رفاتهم خلف القضبان. فكان رد حركة حماس هو أسر جنود صهاينة ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين من ذوي المحكومات العالية، وقد نجحت حماس في الإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني عام 2011م.
لم يشهد الشعب الفلسطيني صفقة تبادل بشروطه بهذا الحجم قبل تلك التي أجرتها حماس؛ واليوم تتجه الأنظار لصفقة جديدة تحققها الحركة للإفراج عن آخرين؛ لقد أثبتت بالفعل أن كلمة المقاومة هي العليا وكلمة العدو الصهيوني تتمرغ بالتراب.
نغزوهم ولا يغزونا:
استطاعت حركة المقاومة الإسلامية عقب عقدين ونيف من الكفاح إسقاط شعار طالما تغنى به الصهاينة الذين يعتبرون أن لديهم "جيشاً لا يقهر" كون حماس أيضاً باتت تمتلك جيشاً مدججاً قهر الاحتلال في ثلاث معارك ضارية على أرض غزة ولم يفلح الصهاينة في إعادة احتلال غزة مرة أخرى.