"في فصل الشتاء القارص يسبح وحيداً في البحر متجردا من ثيابه يدند بكلمات غير مفهومة" لو عرضت هذا السيناريو على أي إنسان بسيط لتسأله عن رأيه فيمن يفعل ذلك لقال لك إنه (مجنون)!! ذلك أن السلوك لا يعكس استقراراً نفسياً أو عقلياً.
هذا السيناريو بالضبط هو ما حدث مع الشاب الفلسطيني اسحاق حسان (28 عاما) الذي أعدمه الجيش المصري على حدود غزة بعد أن اجتاز الحدود من جهة البحر لعدة أمتار قليلة كما أظهر الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام.
لم يشفع لاسحاق سلوكه غير السوي ولم تشفع له صرخات رجال الأمن الفلسطيني الذين مارسوا أعلى مراتب ضبط النفس، وهم يصرخون على من يفترض أنه الجار والأخ والشقيق، فكانت الرصاصات القاتلة أسرع لجسد هذا المسكين الذي نزف دمه على شاطئ المتوسط ليلحق بآخرين من أبناء غزة سالت دمائهم وما تزال على يد الجيش الصهيوني.
المشاهد الصادمة التي شاهدها العالم والتي يصعب على أمواج البحر العاتية أن تمحوها من الذاكرة تطرح سؤالاً واحداً من هؤلاء الذين قتلوا إسحاق؟؟ وإلي أي أمة ينتسبون؟؟ وأي تغذية من الحقد والكراهية تلقاها هؤلاء الجنود حتى أصبحنا بالنسبة لهم العدو المفترض بينما لا يبعد عنهم العدو الحقيقي الذي احتل أرضهم يوماً وقتل أبنائهم إلا بضع كيلو مترات!! وماذا لو كان هذا الشاب صهيونيا أهكذا ستكون معاملته؟! كل هذه الأسئلة تجعل الإنسان حيران أمام هذا السلوك المشين من قبل الجيش المصري.
وحين نتحدث عن هذه الجريمة والتي انتهكت فيها كل الأعراف والقوانين الإنسانية وأقلها (الاستخدام مفرط للقوة، والقتل خارج قواعد القانون) إلا أن ما يؤلم أكثر أن هذه الجريمة تزامنت مع الذكرى الخامسة للثورة المصرية يومها انقطعت امدادات الطعام والشراب عن قوات الجيش المصري على الحدود وكاد الجوع يفتك به فما كان من قوات الأمن الوطني في غزة إلا أن سارعت لتقديم كل ما يلزم من مأكل ومشرب على مدار عشرة أيام انطلاقاً من فهمنا لمعاني الاخوة والدين التي تجمعنا والتي تناساها الجيش المصري وهو يرسل حمم الموت نحو الجسد الضعيف!! هكذا يكون جزاء الإحسان؟!
لكن هذه الجريمة تعكس حجم التحريض المتواصل من قبل النظام المصري وأدواته الإعلامية التي ما فتأت توهم غزة وأهلها وكأنهم (عدو يتربص بمصر) هذا العدو المصطنع لم تتوقف عداوته مع التحريض الإعلامي المتواصل بل سارع النظام لتشديد الحصار عليه فأغلق معبر رفح شريان غزة للعالم بشكل شبه دائم، وأغرق الحدود بماء البحر، وأطلق العنان لجيشه يقتل كل من يتجاوز ولو بالخطأ الحدود بين غزة ومصر، إجراءات لا تراها مع العدو الحقيقي للشعب المصري وهو الاحتلال الصهيوني.
بقي أن أشير أن هذه الجريمة على فداحتها ورغم الوجع الذي يسكن نفوسنا من طعنات متتالية نتلقاها من الأشقاء في مصر إلا أن ذلك لن يغير من حبنا لمصر وشعبها، وأن كل ما يحدث اليوم ما هو إلا أحداث عارضة سيسجلها التاريخ بمرارة وألم وسنتجاوزها بما نملك من رصيد أخوي يجمعنا مع شعب اختلطت دمائنا بدمائه يوما ونحن نقاتل عدونا المشترك الاحتلال الصهيوني، وسنلتحم معه ولا شك في معركة التحرير لنصلي معا في المسجد الأقصى المبارك.