إتلاف الطعام .. هدر للنعمة وقلة إنسانية

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » إتلاف الطعام .. هدر للنعمة وقلة إنسانية
o-FOOD-WASTE31

ما إن يبدأ الحديث عن منخفض جوي مرتقب حتى يبدأ الناس بالتهافت على المتاجر والمخابز والشراء غير المحسوب للأطعمة دون تقدير أو حساب، يعود الأب محملاً بأضعاف حاجة المنزل من الخبز، وتدخل الأم بعشرات أكياس الخضراوات والمواد التموينية التي تتكدس في رفوف المطبخ دون استخدام إلى أن تنتهي صلاحيتها ويكون مصيرها سلال القمامة.

وكثيراً ما تطهو "ست البيت" من الأطعمة ما لذ وطاب، وبكميات غير محسوبة، فالزوج يوصيها دائما بأن يزيد الطعام ولا ينقص، ويزيد الطعام ويودع في البراد ليومين وثلاثة وأسبوع، ثم يذهب في طريقه لمكب النفايات.

نذير شؤم..

العودات: التجرؤ على إتلاف الطعام أصبح مشكلة ظاهرة، وآفة منتشرة، قد تكون نذير شؤم في أيام لا يحسب لها المترفون حساباً.

يفتتح الشيخ معاذ العودات إمام وخطيب جامع اليرموك حديثه لـ"بصائر" بالإشارة إلى أن التجرؤ على إتلاف الطعام أصبح مشكلة ظاهرة، وآفة منتشرة، قد تكون نذير شؤم في أيام لا يحسب لها المترفون حساباً، ويغفل عنها حتى متوسطو الحال، فقد تكون هذه الأطعمة المتلفة أطباقاً مشتهاة لدى الكثيرين، مؤكداً على أنّ التهاون في هذا الأمر قد يجرّ غضب الرّب إلى العبد، قال تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81]، ومعنى لا تطغوا: أي تأخذوه بغير حاجة، فتستعملوه في غير طاعته وتبطروا النعمة.

ويضيف العودات بأن التبذير في نعمة الطعام لهو من مجاوزة الحدّ الذي يدخل في هذه الآية، ويكفي أنّ الله جعل المبذرين إخواناً للشياطين، وموجهاً حديثه إلى من يتهاونون في إلقاء فضلات طعامهم -والتي تكون في الغالب أكثر بكثير مما دخل بطونهم- إلى إعادة النظر في تقديرهم لما يأكلون، فإنّ الحرص على القليل من الطعام سنّة فعلها أشرف الخلق، فجاء عنه كما في صحيح مسلم من حديث جابر أنّه بأبي وأمّي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان".

ويستطرد العودات فيضيف: لو تأمّلت الحديث لوجدت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بحفظ اللقمة الواحدة، وليس هذا فحسب؛ بل إن أصاب اللقمةَ شيءٌ من أذى فلا يدعها للشيطان، وإنّما يخلّصها من الأذى ويذكر اسم الله ثمّ يأكلها.

ستر من النار..

ويشير العودات في حديثه لـ"بصائر" فيقول: وكم من قليل في عين العبد من لقمة لو أكرمها على أنّها نعمة لكانت ثقيلة في الميزان، بل لربما كانت تلك اللقمة الملقاة في أكياس النفايات ستراً من النار لو حفظها العبد، إذ قال الذي لا ينطق عن الهوى: "ما منكم من أحدٍ إلَّا وسيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بين اللهِ وبينه تُرجمانٌ، ثمَّ ينظُرُ فلا يرَى شيئًا قُدَّامَه، ثمَّ ينظُرُ بين يدَيْه فتستقبلُه النَّارُ، فمن استطاع منكم أن يتَّقيَ النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ" (البخاري)، فتأمّل هذا السياق الذي جاء فيه من الترهيب ما فيه، حتى يفهم العبد أنّ اتّقاء النار قد يكون بما لا يقيم له وزنا، فشقّ تمرة قد يتقي العبد فيها من نار السموم.

ويضيف العودات: فهم السلف رضوان الله عليهم ذاك المغزى، إذ روي عن سعد بن أبي وقّاص أنّه تصدّق بتمرتين فقبض السائل يده، فقال للسائل: ويقبل الله منا مثاقيل الذر، وفي التمرتين مثاقيل ذر كثيرة".

وأصدق من هذا الأثر ما كان من حال امرأة فقيرة جاءت مع ابنتيها إلى أمّنا عائشة رضي الله عنها، إذ قالت الصّدّيقة بنت الصدّيق: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار".

فيا لله كيف ترى تمرة تُدخل جنّة أو تعتق من نار، فكم من أطنان الطعام مهدورة في الأعوام بين بلدان المسلمين، والفقراء بين ظهرانيهم في جوعهم نائمون؟ فكيف لامرئ أن يستكبر على النعمة وهو يرى حال إخواننا في مضايا، الذين يبكون لجوع أطفالهم، وتبكي النساء لصراخ أبنائهنّ، وليس يسدّ جوعهم كسرة خبز أو فضلة طعام، فرّج الله عنهم وعن المسلمين.

مسؤولية ربّة المنزل في حفظ النعمة:

ويختم العودات حديثه لـ"بصائر" بكلمة موجهة لربات البيوت حيث إنهن الأقدر على إدارة هذا الجانب في المنزل، وقد أشار لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "...والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيّتها..." (البخاري)، وهنا تكون مسؤوليتها أن تقدّر ما يتناسب مع حاجة أسرتها من طعام، فلا تطهوَ كمية أكثر من الحاجة، وإن زاد فضل طعام في بعض الأحوال؛ فعليها أن تضعه في أطباق كرتونية بشكل ترغبه النفس وتشتهيه، ثم ترسل به إلى بيت فقير، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "... ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له..." قال راوي الحديث –أبو سعيد- فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل، بمعنى أنّ الصحابة رأوْا أنّه لا حقّ لهم فيما زاد عن حاجتهم!

لا تنخدعوا بالعروض!

سميرة الكيلاني: الانخداع بالعروض وعدم حفظ الطعام بشكل جيد يؤدي للكثير من الخسارة
الكيلاني: الانخداع بالعروض وعدم حفظ الطعام بشكل جيد يؤدي للكثير من الخسارة

الباحثة في الاقتصاد المنزلي سميرة الكيلاني أشارت خلال حديثها لـ"بصائر" بأن من الأهمية بمكان أن تقوم ربة البيت بتدوين قائمة بما يحتاجه المنزل وتفقد ما لديها قبل الذهاب إلى السوق لتتفادى شراء ما لا يلزم أو الاستزادة من شيئ متوفر لديها.

وتحذر الكيلاني السيدات من الانخداع بإعلانات العروض، حيث كثيراً ما تندفع ربة البيت وتشتري كميات زائدة عن حاجتها للاستفادة من السعر المنخفض، وغالباً ما تكون العروض على البضائع التي ستنتهي صلاحيتها قريباً، مؤكدة على أن العروض مفيدة واقتصادية فقط للعائلات الكبيرة التي تستهلك وتحتاج إلى الشراء بالجملة، أما العائلات الصغيرة فيجب أن يكون لديها مخططاً جيداً قبل الذهاب إلى السوق.

وتضيف الكيلاني: ربة البيت الذكية والمدبرة تبحث دائماً عن طرق لإعادة تدوير الأطعمة، ويمكنها الاستفادة من الكثير من مواقع الطبخ التي تملأ الانترنت وتقوم باستخدام الأكل البائت لطبخ طبق متجدد، فمثلاً يمكن إعادة طبخ الأرز الأبيض في اليوم التالي بإضافة الجزر والبازيلاء له، وبذلك يمكنها الحصول على طبق مختلف بمكونات موجودة.

وأكدت الكيلاني بأن من الأهمية بمكان تخزين الطعام بشكل صحيح يحفظه من التلف، فمثلاً يمكن حفظ الحبوب في مكان جاف لمنع إصابتها بالسوس، وكذلك يجب حفظ السكر بإناء محكم الإغلاق للحفاظ عليه من النمل، مشيرة إلى أن الإهمال وعدم المتابعة يتسببان كثيراً في فقدان الكثير من الطعام وإتلافها.

وختمت الكيلاني حديثها بتوصية السيدات بطهي كمية تناسب عدد أفراد العائلة دون زيادة لما يسهم ذلك في الحفاظ على الطعام من الإتلاف بعد ذلك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …