أبو حصيرة لـ”بصائر”: سَلِمت أيادي الأسرى التي طعنت المحتل وستخرجون قريباً

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » أبو حصيرة لـ”بصائر”: سَلِمت أيادي الأسرى التي طعنت المحتل وستخرجون قريباً
محمد أبو حصيرة

قليلون هم من يشغلون تفكيرهم بما يجري خلف الأبواب الموصدة، والقضبان الباردة في سجون "عسقلان والسبع ونفحة وأخواتها الأربعة عشر.."، لكن الصبر والثبات.. صفتان ملازمتان للأسرى البواسل في سجون الاحتلال الصهيوني الجائرة.

فتسعة عشر عاماً كاملاً عاشها الأسير المحرر محمد أبو حصيرة داخل معتقلات الاحتلال الصهيوني، انفصل خلالها عن أهله وأحبابه، وطفلته الوحيدة آنذاك، والتي لم تكن قد أكملت عامها الأول بعد، لكنه كان على يقينٍ دائم أنه عائد ذات يوم، حتى تم الإفراج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011م، ليجد طفلته التي تركها خلفه ولم تذق طعم الأبوة، قد تزوجت وأصبحت أماً لطفلين.

فما هي أبرز ألوان المعاناة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الصهيوني؟ وما هي الطرق التي يبتدعها الأسرى الفلسطينيون للتغلب على سجانيهم؟ وما هو واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى والمعتقلين؟

موقع "بصائر"، استضاف الأسير المحرر "محمد أبو حصيرة" في حوارٍ خاص، ليجيب عن الأسئلة السابقة، ويروي لنا رحلة الأسر في سجون الاحتلال الصهيوني، ومعاناة أسرانا الأبطال خلف القضبان، وإليكم نص الحوار:

بصائر: بداية لو تُحدثنا عن أبرز ألوان المعاناة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الصهيوني؟

"أبو حصيرة: أوضاع الأسرى لا تطاق، حيث منع الزيارات والعزل الانفرادي والأحكام الإدارية، وتواصل التفتيشات العارية، وسوء الطعام كماً ونوعاً، واقتحامات الغرف ليلاً والنقل الجماعي"

أبو حصيرة: يعاني الإنسان في كل مكانٍ سواء في السجن أو خارجه، لكن المعاناة داخل السجن تختلف عن خارجه، فالأسير يعاني منذ أن يفتح عينيه إلى أن ينام، يعاني الأمرين من التعذيب المضاعف: النفسي والجسدي.

ولا يتمتع الأسير الفلسطيني بحقوق سياسية أو ثقافية أو اجتماعية حقيقية، بل يبقى يعاني من سوء العيش والتعذيب المتواصل، وقلة الطعام والشراب، والحرمان من النوم الطبيعي، بسبب إجراءات العد ثلاث مرات أو أكثر يومياً في ساعات الصباح الباكر والظهر والمساء، والحرمان من اللباس المدني، حيث يجبر الأسرى على ارتداء اللباس الصهيوني الموحد للسجون (الأزرق) أو (البني) ولا يسمح لهم بارتداء الحذاء برباط أو بقاء الحزام الجلدي على البنطال.

فأوضاع الأسرى لا تطاق، حيث منع الزيارات والعزل الانفرادي والأحكام الإدارية، وتواصل التفتيشات العارية، وسوء الطعام كماً ونوعاً، واقتحامات الغرف ليلاً والنقل الجماعي، وأما أماكن الاعتقال فهي تفتقر للحد الأدنى من شروط الحياة الآدمية، وسياسة الاستهتار الطبي، خاصة لذوي الأمراض المزمنة ولمن يحتاجون لعمليات في السجون كمرضى السرطان والقلب وغير ذلك، دون أدنى اهتمام.

وأصعب شيء على الأسير أنه يفقد أهله، وتكون معاناته في أن أهله في جهة وهو في جهة أخرى، وهذا أكثر ما يعذبه.

كما يتعرض بعض الأسرى المضربين عن الطعام لــ "التغذية القسرية" والتي تتمثل في إرغام الأسير المضرب عن الطعام على تناول الطعام والسوائل، حيث يتم ربطه بكرسي، أو يمسك به بالقوة سجانون، ويتم تثبيت رأسه لمنعه من التحرك، ثم يقوم شخص آخر بإدخال أنبوب بلاستيك “بربيش” عن طريق الأنف حتى يصل إلى المعدة، ثم يضخ سائل لزج إلى المعدة مما يشكل خطورة حقيقية على حياة الأسرى.
كما أن رؤية الأسير لعدوه يوميًا من بين ألوان المعاناة التي يتعرض لها الأسير، والتي يصعب حصرها.

بصائر: لو تحدثنا عن أهمية العمل على فك أسرهم؟

أبو حصيرة: وردت جملة من الآيات الدالة على قيام المؤمنين بحق بعضهم البعض، منها- ‌قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾، (سورة النساء: 75).

فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالجهاد؛ من أجل غاية عظمى، ألا وهي تخليص الضعفاء من أيدي الكفرة والطغاة، فأولئك المستضعفون يعانون أشد المحن، والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في: المال والأرض والنفس والعرض؛ لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني الذي تتبعه: كرامة النفس والعرض وحق المال والأرض، لذلك يستنكر القعود عن الاستجابة لتلك الصرخات.

بصائر: كيف يستطيع الأسير التغلب على مشاعر الحزن في أسره؟ وما الذي يعينه على ذلك؟

أبو حصيرة: بالتأكيد عن طريق الاستعانة بالله عز وجل، فالإنسان المؤمن يؤمن بالله ويرضى بقضائه وقدره، ويجب على الأسير الاتصال بالله مباشرًة دون اللجوء لأحد غيره، ويترك الحِمل على الله، فعندما كنت أشعر بالضيق كنت أردد "يا رب أنا تارك الحمل عليك، يا رب أنت أعلم بحالي فأخرجني مما أنا فيه"، فالإنسان بقوته وايمانه وعزيمته واتصاله بالله يكون أقوى من أي شيء، لكن إذا كان الإنسان متوكلاً على غير ذلك فسيكون إنسان ضعيف جدًا ولا يساوي شيء.

كما أن للأهل دور كبير في التخفيف من معاناة الأسير، عندما يشعرونه بأن كل شيء بخير، وعلى ما يرام، ويدعمونه معنوياً.

بصائر: هل يتعرض الأسير بعد الافراج عنه لأي مضايقات؟ أم أن المعاناة تنتهي بعد خروجه من الأسر؟

"أبو حصيرة: يعاني الأسير حتى بعد خروجه من الأسر، حيث يجد كل شيء غريباً عما كان يتصوره، خاصةً في التعامل مع الناس الذين لم يكن يتعامل معهم سابقاً"

أبو حصيرة: عندما دخلت السجن كان عمري 22 عاماً، وخرجت وعمري 41 عامًا، فترة كبيرة من الحياة عشتها في السجن، فعندما يخرج الأسير يتفاجأ بأشياء كثيرة، فالمعاناة مثلاً كانت عندما يتم التعامل مع الناس الذين لم أكن أتعامل معهم سابقاً، وليسوا الناس الذين تركتهم وتعاملت معهم، حتى تصرفات الناس تختلف تماماً عما كانت بالسجن، فعندما يكون الأسير داخل أسره ثم يخرج ويذهب إلى مكانٍ آخر يجد كل شيء غريب عما كان يتصوره.

بصائر: كيف يتعامل المحتل الصهيوني مع الأسرى المرضى والأطفال والنساء؟ وهم فئات ضعيفة لا تقوى على أساليب التعذيب؟

أبو حصيرة: عندما يكون داخل السجن شابَ مريض، فنصبح جميعنا مرضى، وأذكر عندما كنت بالسجن كان هناك شاب مريض، وعندما كان يتألم كنا جميعا نتألم عليه، وكنت أغطي رأسي بـ"الحرام" وأجلس أبكي عليه، فعلاج الصهاينة المحتلين لم يكن غايته شفاء الأسير، بل فقط يعالجه لكي يبقى على قيد الحياة ليعذبه، وأعرف شاباً سُجن وخَرج وهو يعاني من الألم في مفاصل رجليه وظهره.

وأول ما يعاني الأسير يأخذوه إلى العيادة، ويقوم الدكتور بفحصه، وبعد ذلك عندما تطلب أي جهة منهم أن يذهب إلى الدكتور فيقولون أنهم أخذوه والدكتور رآه، ثم يؤجل ساعتين أو ثلاثة وبعدها يعطوه المسكنات.

بصائر: ما هي أبرز المواقف التي حدثت معك داخل الأسر، ولازالت خالدة في ذاكرتك؟

أبو حصيرة: المواقف كثيرة - أذكر أننا كنا في القسم، وكان للقسم باب أمني ثم باب السجان، وفي أحد الأيام وفي ساعاتٍ متأخرة من الليل، كان أحد السجانين يتجول بين الغرف فكان يدخل دقيقة فقط ويخرج، فدخل على القسم وأغلق الباب خلفه، وعندما انتهى وجاء ليخرج، لم يجد المفتاح معه، وصار يصرخ على السجانين، ولم يرد عليه أحد، ثم قال: "إذا ما فتحتوا الباب أنا شايف حالي راح أموت حالاً"، وهذا فقط لمجرد أن حبس دقيقة في الداخل، فهم جبناء جداً ونفسهم ضعيف، ولا يقويهم إلا سلاحهم.

بصائر: ما هي الطرق التي يبتدعها الأسرى الفلسطينيون للتغلب على السجانين وإيصال الرسالة بأن الأسر ليس نهاية الطريق؟

"أبو حصيرة: قام بعض الأسرى وخاصة أصحاب المؤبدات بتحدي السجانين بــ (النطف المهربة) وهي وسيلة جديدة للتغلب على قيود السجان وتحقيق الرغبة في إنجاب الأطفال"

أبو حصيرة: الأسير داخل السجن يعاني معاناة شديدة جداً، والصهاينة يحبون أن يشاهدونا ونحن نتألم، لكن كنا نحاول دائماً أن لا نريهم أننا نتألم، بل كنا نشعرهم بأننا نضحك وأن لا شيء يؤثر علينا، رغم مرارة الأسر.

في وقت الأكل كنا نلعب ونضحك، وعندما يأتي السجان نظهر له بأننا سعداء، ومجرد أن يشعر الأسير بأي مشكلة، نصبح كلنا يد واحدة لنخفف عنه، وكل شخص في السجن له قوة تميزه عن غيره، إلا أن الإنسان تمر عليه بعض الأوقات يكون فيها ضعيفاً جدًا، حيث كنت أتخيل نفسي كقرص الفلافل الذي يتم تقليبه في الزيت على النار، لكن في الآخر كنت أقول يا رب أعني واحفظني ونجني مما أنا فيه لأنه لا مفر لنا غير الله.

كما قام بعض الأسرى وخاصة أصحاب المؤبدات بتحدي السجانين بــ "النطف المهربة" وهي وسيلة جديدة للتغلب على قيود السجان وتحقيق الرغبة في إنجاب الأطفال، حيث إن أولى الولادات لأطفال النطف المهربة سجلت منتصف عام 2012م، إذ أنجبت زوجة الأسير عمار الزبن المحكوم عليه بالسجن المؤبد 27 مرة، طفلها الأول "مهند".

بصائر: كيف تصف شعورك لحظة الإفراج عنك ومقابلة ذويك؟

أبو حصيرة: لحظة الإفراج تاريخية ورائعة جداً، فكان الأسير يحسب نفسه مع الأموات ثم يأتي له الفرج، فيبدأ القلب ينبض والحياة ترجع له، وأتذكر نفسي عندما كنت أقول "هل سيأتي يوم وأخرج لأعيش خارج السجن؟ هل سأرى الشمس تدور؟ معقول أصير أمشي لحالي وبطريق مستقيم؟ -لأننا كنا في السجن نمشي بشكل دائري-، معقول نشوف الشتاء وهو يتساقط؟ معقول نشوف الأبواب مفتوحة؟ فالأمل والحياة يأتي للأسير عندما يبلغوه بالإفراج عنه.

في آخر أسبوع عندما أخرجونا من السجن، وأخبرونا بأننا سوف نعود إلى منازلنا، لم ننم أبداً، فمن كثرة النعاس كنا ننام خمس دقائق، ثم نصحو خوفاً من أن يذهبوا ويتركونا، فكنت أبقي عيناي مفتوحتان، خوفاً من أن يبقوني في السجن، أيضاً كنا نخشى أن لا تتم الصفقة وأن يمكروا اليهود لأن هذا طبعهم.

وأجمل جملة سمعتها في حياتي، عندما قالو لنا أننا انتهينا من الحاجز الصهيوني، وأصبحنا في الحاجز المصري، فكانت فرحةُ لا توصف، وخاصةً عندما دخلنا إلى الأراضي الفلسطينية، ومنظر الناس كان رهيب جداً، وكان من أروع المناظر التي شاهدتها على الاطلاق.

وفي أول أيام خروجي من السجن، كنت أخاف عندما أستيقظ من النوم أن أجد نفسي رجعت إلى السجن وبقيت لمدة شهر أو أكثر وأنا على هذا الحال، وكنت أنظر إلى الدنيا وأُحدث نفسي: معقول أنا روحت وطلعت من السجن!

بصائر: ما هو المطلوب من العرب والمسلمين تجاه الأسرى الفلسطينيين؟ وما هو واجب الأمة الشرعي تجاه الأسرى والمعتقلين؟

"أبو حصيرة: إن تخليص الأسرى واجب على الأمة بالوسائل المتاحة؛ لذا لا يجوز إهمال أمرهم، أو التخلي عن إيجاد سبل لتخليصهم، سواء أكان ذلك بمفاداتهم بالمال، أم مبادلتهم بأسرى أم بحرب خاطفة، أم بأي وسيلة أخرى"

أبو حصيرة: إن تخليص الأسرى واجب على الأمة بالوسائل المتاحة؛ لذا لا يجوز إهمال أمرهم، أو التخلي عن إيجاد سبل لتخليصهم، سواء أكان ذلك بمفاداتهم بالمال، أم مبادلتهم بأسرى أم بحرب خاطفة، أم بأي وسيلة أخرى.

كما أن تخليص الأسرى من أيدي المحتل الغاصب، واجب على المسلمين جميعهم، وبعبارة أخرى، هو فرض كفاية وقد ذكر ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكفاية"، فإن تم عن طريق الأسير نفسه؛ سقط الإثم عن جميع المسلمين، وكذلك إن حصل الفكاك عن طريق فصائل المقاومة أو السلطة أو بعض المسلمين؛ سقط الإثم عن باقي المسلمين، وإن لم يحصل؛ بقي المسلمون جميعهم مطالبون بهذا الواجب: الديني والوطني والأخلاقي، ونسأل الله أن يهدي العرب جميعاً، حتى ينصرنا وينصرهم.

ورسالتي للعرب أن أهل فلسطين قاموا بواجبهم تجاه قضيتهم ولكن على الأمة أن تقوم بواجبها ولا يجوز لها أن تتخلى عن قضيتها الأساسية رغم انشغالاتها بقضاياها الداخلية، فالبوصلة هي بيت المقدس، وكل المؤامرات التي تدور على الأمة وعلى ربيعها العربي وشبابها ومسلميها تهدف لمساعدة هذا العدو والقضاء على المقاومة، انصروا المقاومة في فلسطين تنتصروا في بلادكم وتتحررون من الظلم والظالمين.

بصائر: ما هي رسالتك وخاصة للأسرى الذين اعتقلوا خلال الايام القليلة الماضية في الضفة الغربية بعد قيامهم بعمليات طعن لجنود الاحتلال؟

أبو حصيرة: نسأل الله أن ينصرهم ويثبتهم ويعينهم ويعين أمهاتهم ونسائهم وأهلهم لأنهم عندما اعتقلوا أُسرت قلوب ذويهم معهم، فنسأل الله أن يفرج عنهم ويحميهم من اليهود، وأقول للأسرى أنفسهم طالما اتصالكم بالله عز وجل فأنتم ستبقون أقوياء، واجعلوا أملكم بالله كبير، وكونوا على ثقة بأن فصائل المقاومة ستكون الظهر الحامي لكم ولن تترككم، وستخرجون قريباً بإذن الله، وسَلِمت أياديكم التي طعنت وقتلت أولئك الصهاينة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …