إنَّ التربية الإسلامية عند الإمام الشهيد حسن البنا ليست مقصورة على جانب واحد من جوانب الشخصية، فقد انسجم مفهموها مع المنهج الإسلامي في التربية، الذي لا يفصل بين مكونات الطبيعة الإنسانية ويربي في الإنسان جميع جوانبه بطريقة متكاملة ومتوازنة، يقول الشيخ محمد الحامد: "لم يرَ المسلمون مثل حسن البنا منذ مئات السنين، في مجموع الصفات التي تحلى بها، لا أنكر إرشاد المرشدين وعلم العالمين ومعرفة العارفين، وبلاغة الخطباء والكاتبين، وقيادة القائدين وحنكة السائسين، لا أنكر هذا كله عليهم، لكن هذا التجميع لهذه المتفرقات من الكمالات، قلّما ظفر به أحد كالإمام الشهيد رحمه الله. ووصفه الشيخ محمد الغزالي بقوله: "إنّه الرَّجل الفذّ صخرةً عاتية، انحسرت في سفحها أمواج المادية الطاغية، لقد عاد القرآن غضاً طرياً على لسانه وبدت وراثة النبوة، ظاهرة في شمائله".
ويؤكّد الدكتور يوسف القرضاوي أنَّ التربية في منهج الإخوان المسلمين "لا تضع كل اهتمامها في الناحية الروحية أو الخلقية التي يعنى بها المتصوفة والأخلاقيون، ولا تقصر كل جهودها على الناحية الفكرية التي يهتم بها الفلاسفة والعقليون، ولا تجعل أكبر همها في التدريب والجندية كما يصبغ المصلحون الاجتماعيون، إنها في الواقع تهتم بكل هذه الجوانب، وتحرص على كل هذه الألوان من التربية، ذلك أنَّها تربية للإنسان كل الإنسان، عقله وقلبه وروحه وبدنه، خلقه وسلوكه، كما أنها تعد هذا الإنسان للحياة بسرَّائها وضرّائها، سلمها وحربها وتعده لمواجهة المجتمع بخيره وشره، حلوه ومرّه".
ومن الكتب التي تجلّي المنهج التربوي (خصائصه ومميّزاته) في المدرسة التي أسّسها الإمام الشهيد حسن البنا، كتاب (التربية الإسلامية في مدرسة حسن البنا)، الذي ألفه الشيخ العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي وجاءت طبعته الثالثة بمناسبة مرور ثلاثين عاما على استشهاد الإمام حسن البنا.
التربية الإسلامية تعد الإنسان للحياة بسرَّائها وضرّائها، سلمها وحربها وتعده لمواجهة المجتمع بخيره وشره، حلوه ومرّه
ونعرضه على (بصائر) اليوم في ذكرى استشهاد الإمام البنا السابعة والستين، فإلى التفاصيل:
مع الكتاب
يقول الدكتور القرضاوي في مقدمة الكتاب: (وكان للتربية الإسلامية في فهم الإخوان وتطبيقهم خصائص بارزة، ومميّزات ظاهرة أهمها التأكيد على الرّبانية، والتكامل والشمول، والاعتدال والتوازن، الإيجابية والبناء،الأخوَّة والروح الجماعيَّة، التميّز والاستقلال).
ويتناول الدكتور القرضاوي في كتابه هذه الخصائص والمميّزات بالشرح والتفصيل، مبيّنا منهجه في ذلك بالقول: (ولست أحاول هنا الاستقصاء والإحاطة، وإنَّما أكتفي هنا بإبراز المعالم وإعطاء الملامح التي تكفي لإيضاح فكرة الجماعة عن التربية وجهودها في ممارستها).
ويؤكّد القرضاوي أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تمثل في الدرجة الأولى مدرسة نموذجية ناجحة للتربية الإسلامية الحقّة، ويعلّل ذلك بوجود جملة من العوامل:
جماعة الإخوان المسلمين تمثل في الدرجة الأولى مدرسة نموذجية ناجحة للتربية الإسلامية الحقّة
- إيمان لا يتزعزع بأنَّ التربية هي الوسيلة الفذّة لتغيير المجتمع وبناء الرجال وتحقيق الآمال.
- منهاج التربية محدّد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوّع الأساليب.
- جو جماعي إيجابي هيّأته الجماعة، من شأنه أن يعين كل أخ مسلم على أمن يحيا عن حياة إسلامية، عن طريق الإحياء والقدوة والمشاركة الوجدانية والعلمية.
- قائد مربٍّ بفطرته، وثقافته،وبخبرته، وهبه الله شحنة إيمانية نفسية غير معتادة، أثرت في قلوب من اتصلت به، وأفاض من قلبه على قلوب من حوله.
- عدد من المربين المخلصين الأقوياء الأمناء آمنوا بطريقة القائد، ونسجوا على منواله، أثروا في تلاميذهم، ثم أصبحوا هؤلاء أساتذة لمن بعدهم.
- وسائل مرنة متنوعة، بعضها فرادى، وبعضها جماعي، بعضها نظري، وبعضها جماعي، بعضها عقلي، وبعضها عاطفي.
وفي خاتمة الكتاب يقول د. القرضاوي: (إنَّ الإخوان المسلمين في مجموعهم كانوا الصفوة من أبناء هذه الأمّة، تحرّر عقول، وطهارة قلب، وزكاة نفس، واستقامة أخلاق، ونظافة سلوك، وحماساً لدين الله، وحبّاً لخير الناس، وغيرة على الإسلام، وعملاً على استعادة مجده، وتحكيم شرعه وسيادة أمّته).
منهاج التربية محدّد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوّع الأساليب
مع المؤلف
هو يوسف عبد الله القرضاوي.
ولد يوم 9 أيلول/ سبتمبر 1926م، في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر.
حفظ القرآن الكريم وجوّده وهو دون العاشرة، حصل الدكتور القرضاوي على الشهادة العالية من كلية أصول الدين (1953م)، وعلى إجازة التدريس (1954م)، وكان ترتيبه الأول في كليتيهما، وحصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى (1973م).
عمل الدكتور يوسف القرضاوي بعد تخرجه في مراقبة الشؤون الدينية بالأوقاف، وإدارة الثقافة الإسلامية بالأزهر، اشتغل بالدعوة، وشارك في الحركة الإسلامية، واعتقل عدَّة مرات، ثم أعير إلى قطر مديرًا لمعهدها الديني، فرئيسًا مؤسّسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكليتي التربية فعميدًا مؤسِّسًا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
للدكتور القرضاوي من يقارب من 200 كتاب، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك في الدراسات الإسلامية 1413هـ، وجائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي 1411هـ، وجائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا 1996م، وجائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه 1997م.
والدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو في عدة مجامع ومؤسسات علمية ودعوية وعربية وإسلامية وعالمية، منها: المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن، ومركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد، ومجلس أمناء الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد، ومنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم، ورئيس لهيئة الرقابة الشرعية في عدد من المصارف الإسلامية..
لمزيد من التفاصيل عن سيرة وحياة الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي: www.qaradawi.net
بطاقة الكتاب
العنوان: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا.
المؤلف: د. يوسف القرضاوي.
دار النشر: مكتبة وهبة – القاهرة.
الطبعة الثالثة :1992 بمناسبة مرور 30 عاماً على استشهاد الإمام البنا.
عدد الصفحات: 105 صفحات.
رابط تحميل الكتاب