"عبد الرحمن" طفل في السابعة من عمره، لا يكتب الواجب إلا بعد شجار قد يستمر ساعتين أو أكثر مع والدته.
وتقول والدته "بالرغم من الجهد الذي أبذله مع "عبد الرحمن" من أجل حل واجباته المدرسية إلا أنه يحاول الهرب بشتى الطرق، كالتمارض، والإبطاء، والتحايل، ولفت الانتباه إلى أمور جانبية.
وأضافت أن ابنها يتفنن في ضياع الوقت بأن يبري القلم مرة كل كلمتين، أو يشطب الجملة ويعيد كتابتها مرة أخرى، أو أن يذهب إلى دورة المياه كل ربع ساعة، أو أن يخلق الأعذار بأن يطلب الأكل أكثر من مرة.
وأكدت أنه في كل مرة، يبدأ "عبد الرحمن" بالبكاء لأن الوقت ضاع وأنه تعب من الكتابة، الأمر الذي يدفعها لحل واجبه نيابةً عنه خوفاً من أن يتعرض ابنها للعقاب في اليوم التالي، لافتةً إلى أنها تكون سعيدة يوم الجمعة؛ لأنه لا يكون عليه واجب.
تنظيم إعطاء الواجبات

الدكتور صادق فروانة رئيس قسم المناهج وطرق التدريس في الجامعة الإسلامية في غزة قال لــ "بصائر": "إن الواجب المدرسي يعطى بالأساس للطالب لأن الوقت المسموح لدراسة المادة أو تعلمها في المدرسة غير كافٍ"، مضيفاً أن الواجب يُعرض الطلاب للخبرات التعليمية وطبيعة المحتوى لمدة أطول.
وأضاف أنه يوجد مبالغة كبيرة في إعطاء كمية الواجب، "فالطالب في اليوم لديه 5-6 حصص ويكون الواجب عبارة عن عملية نسخ بشكل آلي، مما يؤدي إلى الملل والضجر بدلاً من التعلم".
وأشار فروانة إلى أنه يجب على المدرسين، والمدرسة ككل تنظيم إعطاء الواجب، "بمعنى لا يقوم كل المدرسين بنفس اليوم إعطاء الواجبات الكبيرة بدون معيار، وبدون مقياس، بل التركيز على النوعية وتوزيع الواجبات بين المدرسين بعمل جدول للواجبات".
وأوضح أن الطالب في النهاية يريد أن يتفادى العقاب، سواء كان عقاب بدني جبار، أو عقاب معنوي جارح جدًا يحطم النفس، بالإضافة إلى أن الأهل الذين لا يريدون أن ينال ابنهم العقاب يضطرون أن يكتبوا الواجب بالنيابة عن طفلهم بسبب الكم الكبير من الواجبات.
أسباب التكاسل
وحول الأسباب التي تدفع الطفل للتكاسل عن حل واجباته المدرسية، أكد فروانة أن الكم الكبير للواجب واعطائه من دون تقنين، بالإضافة إلى مغريات الحياة حول الطفل، عبر وجود (التابلت والكمبيوتر والتلفزيون)"، مبيناً أن المغريات كثيرة وجذابة وحيوية بالنسبة للطالب أكثر من عمل الواجب، على حد تعبيره.
وأردف قائلاً: "شعور الطفل بأن هذه الواجبات دون جدوى وبلا فائدة يجعله يتكاسل في حلها، بالإضافة إلى اقتران الواجبات المدرسية بنوع من عقاب الطفل الذي يتبعه المعلم أحياناً".
كيف يمكن للأم تحفيز طفلها؟
بإمكاننا عبر التطور التكنولوجي أن نجعل القيام بعمل الواجب، أمراً ممتعاً ومحبباً لدى الطفل
وقال: "على الأم أن تقوم بالأشياء التي يحبها طفلها، بمعنى لو كان الواجب على التابلت أو الكمبيوتر فسيكون حل الواجب مغرٍ أكثر للطفل، ويفترض أن تفكر المدارس حالياً في حل الواجب بالطريقة الجديدة لا بالطريقة التقليدية القائمة على النسخ والكتابة".
وتابع "بإمكاننا عبر التطور التكنولوجي أن نجعل القيام بعمل الواجب، أمراً ممتعاً ومحبباً لدى الطفل"، مضيفاً أنه يجب على الأم في البيت أن تستخدم أسلوب الثواب أكثر من العقاب.
وشدد د. فروانة على ضرورة إعطاء معززات أو درجات لمن يحل الواجبات البيتية، وعدم اعتبارها لإضاعة الوقت، بحيث تكون المعززات من قبل المعلم والأسرة أيضاً.
رسالة للمعلمين
ووجه د. فروانة رسالة للمعلمين الذين يعطون كميات هائلة من الواجبات للأطفال خصوصًا في السنين الدراسية الأولى لهم، قائلاً: "القضية ليست في كمية الواجبات بل في كيفيتها، لأن الكم الكبير من الواجب ليس دليلاً على أن المدرس قوي أو حريص على الأطفال، بل بالعكس ممكن أن يعبر على أن المدرس يجهل طبيعة المرحلة وطبيعة النمو للطفل".
أهمية المراحل الأولى

ومن جهته، أكد د. وليد شبير أستاذ الاجتماع في الجامعة الاسلامية بغزة، على ضرورة مساعدة الأهالي لأبنائهم في حل الواجبات المدرسية، ومتابعتهم ومعرفة مستوى تحصيلهم الدراسي، خاصةً إذا كانوا في المرحلة الدراسية الأولى، على حد تعبيره.
وأضاف أنه لابد من الوقوف بجانب هؤلاء الأبناء جميعًا للأخذ بيدهم، "لأن مرحلة رياض الأطفال ومن ثم مرحلة الصف الأول والثاني والثالث، هي الأهم في تأسيس الأبناء وتشجيعهم".
واستدرك شبير قائلاً: "لكن ليس معنى ذلك أن يقوم الوالدان بحل واجبات أبنائهم بالنيابة عنهم، بل يساعدونهم ويوجهونهم في كيفية حل هذه الواجبات ويحفزوا دافع التفكير عندهم"، مشدداً على أن حل الواجب نيابةً عن الأطفال يجعلهم لا يستفيدون شيئاً ويؤثر سلباً عليهم.
وأوضح لــ"بصائر" أنه بعد المراحل الأولى لابد أن يعتمد الطفل على نفسه، ويبقى دور الأهل التوجيه فقط بالإضافة إلى المتابعة، دون تعويدهم على الاتكال والكسل وتنفيذ الواجبات بالنيابة عنهم، بحسب شبير.
الأثر السلبي
ونوه إلى أنه إذا كان الوالدان يهمهما حل الواجبات دون أن يستفيد الابن، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك بآثار سلبية، مبيناً أن الابن لا يفهم ماذا يكتب، ويتأخر دراسيًا، مما يسبب الفشل الدراسي في المستقبل، ويصبح الطفل اتكالياً حتى في حياته العامة.
أسباب أخرى للتكاسل
وذكر د.شبير أن هناك أسباباً كثيرة وراء تكاسل الطفل عن حل واجباته، "أولها قد لا يحب هذه المادة العلمية، فلابد من الأم والأب معرفة لماذا لا يقبل على هذه المادة؟".
وأضاف "كذلك انشغال الطفل مع أصدقائه خارج البيت، واللعب في الشارع والحارة والأزقة، وكلنا يعرف تأثير الأصدقاء خارج البيت، وخاصةً على الطفل الصغير، ولذلك لابد من متابعة الابن داخل البيت وخارجه".
وقال شبير: "قد يكون كره الطالب للمدرس نتيجة تعامله بقسوة معه، يجعله يكره حل واجباته، أو وجود بعض المشكلات في داخل الفصل الدراسي".
أهمية تشجيع الأطفال
على الأم أن تراجع لابنها مواده الدراسية كل يوم، حتى إن لم يكن عليه واجبات، وعليها أن تساعده في التحضير لكل المواد الدراسية لليوم التالي
وأكد د. شبير أنه يجب على الأم تشجيع طفلها بما يحب ويرغب سواء عن طريق بعض الهدايا أو العطايا أو الرحلات في نهاية الأسبوع، مبيناً أنه لا بد من تحبيب الطفل في القيام بأداء واجباته المدرسية.
وشدد على ضرورة أن تختار الأم مكاناً مريحاً لحل واجبات طفلها، وتضع كل أدواته حوله؛ حتى لا يتحجج بأنه سيذهب لإحضار بعضها فيضيع وقته ويتشتت انتباهه، وقد يذهب ولا يعود.
وتابع "يجب أيضاً على الأم أن لا تطلب من طفلها حل الواجبات إطلاقاً قبل أن يتناول طعام الغداء، وأن لا تغضب إن كانت أولى أولويات برنامج طفلها بعد عودته من المدرسة هي اللعب، فهو بحاجة للتنفيس عن نفسه بعد الحبس في الفصل لساعات"، على حد وصفه.
وقال: "على الأم أن تراجع لابنها مواده الدراسية كل يوم، حتى إن لم يكن عليه واجبات، وعليها أن تساعده في التحضير لكل المواد الدراسية لليوم التالي، فهذا يعتبر طريقًا نموذجياً في تأسيس الأطفال خاصة في المراحل الأولى"، لافتاً إلى أن الطفل إذا نمى وتعلم من المرحلة الأولى يستطيع أن يعتمد على نفسه طول مراحل الدراسة.