في الذكرى الخامسة للربيع العربي.. أي واقع للحركة الإسلامية؟

الرئيسية » بصائر الفكر » في الذكرى الخامسة للربيع العربي.. أي واقع للحركة الإسلامية؟
egypt6

مرَّت بنا في الآونة الأخيرة الذكرى الخامسة لثورات الربيع العربي، وهي ليست بالذكرى التي تمر في يوم واحد؛ حيث إنها من أطول الأحداث التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية، عبر تاريخها المعاصر.

فالثورة ليست حدثاً وقع في يوم، مثل غالبية أحداث ومواقف أمتنا؛ حيث تمتد أحداثها اليومية، وفق بعض الباحثين والمؤرخين، منذ السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر من العام 2010م، عندما قام بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي، بحرق نفسه على قارعة الطريق بسبب إهانته من جانب شرطة بلاده، وحتى مقتل العقيد الليبي معمر القذافي على تراب ليبيا، في العشرين من تشرين أول/ أكتوبر 2011م، عندما بدأت الثورات الشعبية العربية في أخذ منحىً آخراً، والدخول في مرحلة رد فعل القوى المعارِضة لها، في الداخل والخارج؛ إقليميًّا ودوليًّا.

منذ أيام قليلة، مرت الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة التونسية، والثورة المصرية، والتي يحل بعد أيام قليلة ذكرى أحد أهم أيامها، وهو تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن الحكم، استجابة لهدير الجماهير الحاشدة التي تجمعت بالملايين في كل ميادين مصر، مؤذنة بانتهاء عصر وبداية عصر آخر في مصر.

ولئن مرت الذكرى الخامسة ليوم اندلاع الثورة في مصر، الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير هادئة؛ إلا أنها كانت عاصفة في تونس؛ حيث اندلعت احتجاجات جديدة في القصرين، مماثلة لتلك التي اندلعت في سيدي بوزيد، في كانون الأول/ ديسمبر 2010م، وامتدت بدورها إلى مختلف أرجاء البلاد؛ حيث هددت النظام الحاكم الهش، حاليًا، في تونس.

ما بين هدوء الميادين في القاهرة، والعصف الذي وقع في تونس، وعلى وقع مفاوضات "جنيف- 3" المتعثرة بين المعارضة والنظام السوريين، واتفاق الصخيرات الذي تم إجهاضه في ليبيا، واستمرار الحرب المدمرة في اليمن؛ نقف أمام أحد أهم مقولات المرحلة وتساؤلاتها، وهو: أين تقف الحركة الإسلامية الصحوية، وفي القلب منها الإخوان المسلمون، من كل هذه التطورات؟!

الثورات العربية حوربت بكل ما أوتي خصومها من أسلحة ناعمة، وخشنة، وحتى بالحديد والنار، لأسباب عدة من أهمها منع المشروع الحضاري الإسلامي من الانطلاق

يرتبط بما سبق عددًا من القضايا المهمة ذات الصلة بهذا التساؤل المحوري، مثل: وماذا فعلت الحركة لكي تحافظ على زخم الثورات والشرعيات الجديدة التي أفرزتها، بعد أن كانت الحركة الإسلامية الصحوية على رأس القوى الطليعية للثورات؟!، وماذا فعلت للتصدي لقوى الشر التي خرجت لأجل إجهاض إرادة الشعوب العربية؟!

بداية، لابد من التأكيد على عدد من الأمور المهمة التي ينبغي أن تكون ضمن مدركاتنا كصفٍّ إسلامي خلال هذه المرحلة؛ حتى لا تختل لدينا المفاهيم، وترتبك بؤرة التركيز والنظر.

الأمر الأول هو أن الثورات العربية قد حوربت بكل ما أوتي خصومها من أسلحة ناعمة، وخشنة، وحتى بالحديد والنار، لأسباب عدة من أهمها منع المشروع الحضاري الإسلامي من الانطلاق، مع ما يعنيه ذلك من نتائج، أخطرها هو إعادة توحيد صف الأمة، ورفع الغبار عن جوهر الإسلام الحضاري الأصيل.

فكان القتل والمصادرات والتهجير والنفي، وكان "داعش" لتشويه الصورة، وكان وكان وكان، مما تبناه خصوم الأمة في الداخل والخارج، وذلك من أجل نقض ما جرى بالكامل، حتى على المستوى المفاهيمي، أي نزع صفة الشرعية والإصلاحية عما جرى من أحداث واحتجاجات وصلت إلى مستوى الثورات البيضاء، وهي حدث نادر في تاريخ البشرية بأسره.

الأمر الثاني، هو أن الحركة الإسلامية قد تحملت أعباء تفوق طاقتها خلال السنوات الماضية، وهذا وإن عبَّر عن الإخلاص للفكرة والتفاني في العمل؛ إلا أنه في النهاية ينبئ عن خطأ كبير، وهو أن الحركة قد تحملت وحدها معظم الأعباء، ودفعت كل الأثمان في فِعْل ومجال كان يعني "المجموع الشعبي" أو "الكل"، في البلدان التي شهدت هذه الثورات.

ومن المعروف أن تحميل النفس أو الكيان ما يفوق طاقته، يخالف قانونًا مهمًّا من قوانين الخلق الإلهي؛ حيث لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولو فعل الإنسان ما بوسعه؛ لرُفِعت عنه المسؤولية وتبعاتها، ولأعذر نفسه أمام الله تعالى، أما تجاوز حاجز الوسع؛ فقد يقود إلى عواقب وخيمة، كما جرى بين ظهرانينا في السنوات الخمس الأخيرة.

وفوق ذلك، فقد تحملت الحركة الإسلامية مسؤولية الفشل الذي تم تعمده إزاءها، وهو ما كان يستوجب عليها أن تعمل على خلق جبهة موحدة من الكل الثوري، أو على الأقل تنويع مكون الجبهة الثورية، بحيث يكون الجميع شركاء في المغانم والمغارم، وهو ما يعرف في النظم السياسية الحديثة بحكومات الوحدة الوطنية التي تتشكَّل في أوقات الأزمات؛ حتى تتحمل كل القوى السياسية، وكل مكونات الاجتماعية، مسؤولية القرارات والنتائج.

هذه الأمور يجب أن تكون في الخلفية عند تقييم أوضاع الحركة الإسلامية في الوقت الراهن، وخصوصًا الحركة الإسلامية الصحوية التي ترفع لواء الإسلام الحضاري، وهدف استعادة خيرية الأمة، وتوحيدها.

بخلاف الحركة الإسلامية الفلسطينية؛ تقف مجموعات الإسلام السياسي الصحوي إما أسيرة لأزماتها الداخلية، أو أسيرة لسياسات حذرة ورد الفعل

وفي صلب التقييم؛ سوف نجد أننا أمام بعض الظواهر السلبية التي يجب العمل على معالجتها، ومعالجة أسبابها، ومن بين هذه الظواهر وقوف الحركة الإسلامية عند مستوى الانقسامات ورد الفعل.

وهذا صحيح، فبخلاف الحركة الإسلامية الفلسطينية؛ تقف مجموعات الإسلام السياسي الصحوي إما أسيرة لأزماتها الداخلية، أو أسيرة لسياسات حذرة ورد الفعل.

وكان ذلك –على سبيل المثال– أحد أهم أوجه الانتقادات التي وُجِّهت إلى حركة النهضة الإسلامية التونسية ورئيسها، راشد الغنوشي؛ عندما لم يتم العمل على استغلال الفرصة التي لاحت لاستعادة أرضية الثورة في تونس، سواء فيما يتعلق بأزمة حزب "نداء تونس" الحاكم، وخصوصًا لجهة ما أدت إليه استقالات نواب "نداء تونس"، من توسيع الفارق لصالح حركة النهضة في البرلمان التونسي، وهو ما كان يخوله أن يعمل على طلب رئاسة الحكومة، باعتبار أن حكومة "نداء تونس" الحالية، والتي تشارك فيها النهضة بوزير واحد، قد صارت حكومة أقلية، خصوصًا إذا ما انسحب النهضة من الحكومة.

على ذات النسق نجد أن أزمة الإخوان المسلمين في مصر، بامتداداتهم في الخارج، تتسع ولا تضيق، وكان آخر مظاهرها استقالة 15 من أهم أعضاء المجلس الثوري المصري، والذي كان بمثابة الواجهة السياسية لأنصار الشرعية في العالم، وأحد أهم مخاضات مكتب الإخوان المصريين في الخارج.
الغريب أن الاستقالة أتت بعد أيام قليلة من طرح مبادرة لإصلاح ذات البين من جانب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وإعلان الأطراف المعنية بالأزمة عن قبولها.

وبقطع النظر عن أسباب الخلاف؛ إلا أنه لم يكن واجبًا مفاقمته في هذه المرحلة، خصوصًا في ظل حالة من الإحباط القائمة على مستوى الصف الإسلامي في الداخل المصري، بسبب ضعف فاعليات وأنشطة الذكرى الخامسة للثورة.

ذات المنطق ينطبق على العديد من التنظيمات والأحزاب المنضوية في إطار الحركة الإسلامية الصحوية، في العديد من بلدان الأزمات في عالمنا العربي، ولم تتقدم أيٍّ منها، إلا فيما ندر، لأخذ زمام المبادرة، مستسلمة لأزمات داخلية عدة، أو للضغوط التي تمارسها عليها الأنظمة والقوى الإقليمية والدولية الأخرى.

وحتى عندما تدخلت بشكل إيجابي في الحرب الحالية في اليمن، من خلال قيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، للمقاومة الشعبية ضد الحوثيين، كان ذلك استجابة لمطالب خارجية، السعودية تحديدًا، أكثر من كونه نتيجة لرؤية داخلية، ولذلك تعرض موقف الحزب للزعزعة في ظل تخطيط أطراف إقليمية لتجاوز الإخوان في المعادلة السياسية اليمنية بعد أن تضع الأزمة والحرب أوزارهما.

لن يمكن الحديث عن أي تقدم في مسيرة العمل الإسلامي، من دون حسم الخيارات والأزمات الداخلية للحركة الإسلامية، وبالتالي؛ فإن حديث الإصلاح والتغيير في مجتمعاتنا، مؤجل لحين تحقيق ذلك!

وانعكس ذلك كله بطبيعة الحال على قضية المسلمين الأولى، فلسطين وفي القلب منها القدس والأقصى؛ حيث خفت الدعم، حتى الشعبي منه، عن انتفاضة القدس الحالية، وتبقى حركة "حماس" تتحمل العبئ الأكبر للعمل النضالي، وحدها، أو بمشاركة بعض المجموع الإسلامي والوطني الفلسطيني.

في الإطار السابق؛ فإنه لن يمكن الحديث عن أي تقدم في مسيرة العمل الإسلامي، من دون حسم الخيارات والأزمات الداخلية للحركة الإسلامية، وبالتالي؛ فإن حديث الإصلاح والتغيير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مؤجل لحين تحقيق ذلك!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …