في تصريحات الإدارة الأمريكية والتي تعودنا عليها تجاه قضايانا العربية والإسلامية والصراع الدائر في شرقنا الأوسط وخصوصا الصراع العربي الصهيوني كانت ولازالت التصريحات المؤيدة والمدافعة والداعمة والحامية للكيان الصهيوني في صراعه ومنددة ومستنكرة لأي تحرك عربي يهدد أمن هذا الكيان الغاصب، والتصريحات الأمريكية لم ولن تتغير منذ وجود هذا الكيان في منطقتنا وقد كانت الإدارة الأمريكية من السباقين في الاعتراف به عام 1948م، ولم تخفي دعمها اللامحدود لهذا الكيان وعلى كافة الصعد والمجالات ماديا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا.
هذا الغطاء والاحتضان الأمريكي للكيان الصهيوني يعبر عن التحالف وإن لم يكن الترابط الوجودي لكلا الإدارتين الأمريكية والصهيونية وكان الكيان الغاصب يمثل الطفل المدلل للإدارة الأمريكية الأم.
وطالما تغنت الإدارة الأمريكية بأن من أهدافها في العالم حماية أمن هذا الكيان الغاصب وهو يمثل أولوية كبيرة في إدارتها وسياستها الخارجية، وأذكر هنا تصريحا لوزير الدفاع الأمريكي ويليام بيري الذي صرح وبكل وضوح أن القوة العسكرية الأمريكية لن تستخدم إلا في ثلاث حالات أولاها تعرض أمن الكيان الصهيوني للخطر، وثانيتها ضمان تدفق البترول من الشرق الأوسط، وثالثهما ضمان أمن كوريا الجنوبية...، وهذا التصريح وعلى شاكلته مع تجميل للمصطلحات والألفاظ بما يتناسب مع كل زمان ومكان، ومنذ وجود هذا الكيان ونحن نسمع لمثل هذه التصريحات من المسؤولين في الإدارة الأمريكية حتى يومنا هذا.
ومما يثير في وجدان كل عربي ومسلم حر هو ليس الاصطفاف الأمريكي الصهيوني والدعم الذي يقدم لبقاء هذا الكيان في منطقتنا فحسب بل هو تذرع الإدارة الأمريكية وتغنيها بمشروع السلام الأمريكي في العالم وهذا المشروع الأمريكي الذي ما نرى في الأفق له أي علامات تبشر بظهوره على مقاس السلام الأمريكي، بل كل ما يدور في عالمنا هي الحرب والعنف والدمار والإرهاب، فعن أي سلام يتحدث قادة الإدارة الأمريكية في ظل تعاظم الحروب واحتدامها وتقاسم العالم إلى تحالفات دولية كبيرة توشك على اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
وفي عودة إلى الوراء مذكرا من الذي حمل اللواء وطرق طبول الحرب أليست الإدارة الأمريكية؟ من الذي شن الحرب على أفغانستان والعراق ومن الذي يدعم أنظمة الاستبداد والإرهاب ومن الذي يوفر البيئة الخصبة لنمو الإرهاب ودعمه؟ ومن الذي يشارك في التآمر على الشعوب العربية والإسلامية وقتل إرادتها وحريتها؟، ومن الذي يدعم دولة الاحتلال الصهيوني في اغتصابها واحتلالها لأرض فلسطين؟ والذي يجد القارئ الكريم لكل هذه الاسئلة وغيرها وبلا مجال للشك أن الإجابة هي الإدارة الأمريكية.
ومما دعاني لكتابة هذا المقال هو توصيف وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للانتفاضة الفلسطينية "بالأعمال الإرهابية ودعى إلى وقف هذه الأعمال بحق "الإسرائيليين" وأنه سيبحث سبل التعاون في إنهاء هذه الأعمال".
وأيضا صورة تعاطي الإدارة الأمريكية مع جرائم الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين والذي يبين الشكل الحقيقي القبيح للوجه الأمريكي وأنه يمثل شريكاً في التغطية على هذه الجرائم، وأسوق للقارئ الكريم موقف الإدارة الأمريكية من حدث إحراق عائلة دوابشة من قبل المستوطنين والذي تحدثت به سفيرة الولايات المتحدة من تحميل جميع الأطراف المسؤولية عن العنف المتصاعد قائلة إن نقص الثقة بين الجانبين تزايد بسبب الصور التي يتم تداولها وتعزز الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت إنها تتفهم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مضيفة أن عليها بذل الجهود لعدم قتل المدنيين، مدعية أن الإدارة الأمريكية ترفض أيضا ممارسات المستوطنين الاستفزازية.
إن هذا التصريح الباهت البارد والذي فيه دفاع واضح عن الكيان من قبل سفيرة الأمم المتحدة أمام جريمة وبهذه الصورة من البشاعة والإجرام التي فاقت الإجرام النازي ليدلل على حجم الترابط والشراكة فيه.
ولا يقف الإجرام في السياسة الأمريكية في تحالفها مع الجانب الصهيوني فقط بل إن الإدارة الأمريكية شاركت وبشكل فعلي وعلى مدار حروبها بارتكاب أفظع وأبشع الجرائم بحق المدنيين العزل من حرب فيتنام والفلبيين والحرب العالمية الأولى والثانية وإلى العراق وأفغانستان وغيرها من الحروب. وهل يعتقد أحد أن دولة ارتكبت الجرائم يوما ولا زالت ترتكبه يمكن يوما أن تحمل مشروع سلام للعالم؟ إن المتتبع لكل هذه الجرائم والتي تديرها وتشارك فيها وتدعمها أو تقودها يمكن أن يحمل مشروعها أي سلام!.
إن من أراد الرجوع إلى الإحصاءات التي تبين وبشكل جلي واضح مدى كذب ادعاء الإدارة الأمريكية أنها تتبنى مشروع السلام في العالم، مشروع السلام الأمريكي هو مشروع مجبول بدماء الاطفال والنساء والأبرياء، وجماجم البشر وعذاباتهم واحتلال أراضيهم وسرقة خيراتهم ونهب ثرواتهم وسحق كرامتهم وقتل إنسانيتهم.
ولا شك أن القضية المسيطرة على قائمة الأحداث هي الحرب الدائرة في سوريا والعراق وما تشهده من صراع مستميت طال زمانه وقد حصد فيه الكثير من الأبرياء من السوريين والعراقيين وبسلاح دولي يقتل وقرار سياسي داعم وسماسرة حرب يتاجرون فيها والمحصلة صراع إرادات دولية على أراضينا العربية يتضح من خلالها الدور الأمريكي بأنه يحمل مشروع التهام لا سلام، بدعمها ومشاركتها أو بصمتها عن قتل الشعوب العربية والإسلامية، وما الذي نفهمه من صمتها عن جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في حربها على الشعب السوري بل وموافقتها على ذلك؟ وما الذي نفهمه من دورها في إبقاء الصراع ودعمه وتأجيجه ليستمر إلى زماننا هذا؟ وما الذي نفهمه من تراجع الموقف الأمريكي من رحيل الأسد عن السلطة؟
إن مشروع السلام الذي تحمله وتتغنى به أمريكا بدا واضحا للجميع هو السلام الأمريكي والصهيوني في العالم والذي يعني نشوب حروب في كل العالم يستنزف قوتها جميعا ليتسنى للرجل الأمريكي والصهيوني أن يعيش بسلام.
وإن المشروع الأمريكي للسلام ما هو إلا غطاء للوجه الحقيقي القبيح المجرم ليتسنى لهم تمرير سياسة التهام العالم وخيراته.
وفي فلسطين خاصة لم تر من مشروع السلام الأمريكي إلا دولة صهيونية محتلة ترتكب الجرائم صباح مساء وبغطاء من صاحبة مشروع السلام أمريكا.
وفي الحقيقة أن الأمن العربي والاسلامي هو الذي يتعرض للخطر لا الأمن الصهيوني والأمريكي جراء سياسة الولايات المتحده الأمريكية وربيبتها دولة الاحتلال الصهيوني، وأن استمرار السياسة الأمريكية في العالم يقودنا إلى فقدان الأمن والسلم العالميان وفعلا قد فقد هذا الأمن وهذا السلم.
ويبدو اليوم للقاصي والداني من هذه السياسة الأمريكية أن الأمن العربي والاسلامي لا يعني لأمريكا شيئا ولا يخطر على بالها أيضا وإن امريكا تنظر فقط بعين واحدة هي العين الأمريكية الصهيونية وهذه هي عدالتهم.