مما لا شك فيه أن التخطيط أمر مهم في مختلف المؤسسات والشركات وحتى الجماعات، وقد اهتم العمل الإسلامي بهذا الأمر منذ انطلاقته مستنداً بذلك إلى تأصيل شرعي ثابت، وحاجة بشرية ملحة في ظل التطورات الهائلة ومسارات العمل الإسلامي المختلفة، و في ظل المتغيرات والأحداث المتسارعة التي تعصف بالمنطقة والعالم.
ومن المتفق عليه أن العمل الإسلامي الدعوي لم يعد ينفعه الارتجال والعفوية والفوضوية، ولا يليق به القفزات غير المدروسة أو العمل بردات الفعل، بل لا بد له أن يرسم مساره بخطوط بيّنة، من خلال قراءة الواقع ومعطياته قراءة متأنية واضحة، يراجع فيها أولوياته وأهدافه ووسائله؛ من أجل تأثير فعال في واقع الناس وتنفيذ برامجه بدقة عالية وإنتاجية أكبر، بل إن من أهم الأخطاء في ساحة العمل الإسلامي هو غياب النهج والتخطيط عن معظم ميادين العمل أو كلّها.
ومن المعلوم أننا –العاملين في الحقل الدعوي- على هدى من الله ونور، نعرف طريقنا جيدًا، ونسير فيها على بصيرة وإدراك ومعرفة، لا نخبط ولا نتحسس، ولا نحدس فهو اليقين البصير المستنير {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف:108].
التخطيط يتطلب تحديد الأهداف، ومراعاة البيئة الداخلية والخارجية من خلال دراسة دقيقة للواقع، وتحديد الواجب المطلوب، ومن ثم ترتيب أولويات العمل للانطلاق نحو الهدف
وليس من الغريب أن ترد هذه الآية في سورة يوسف عليه السلام وهو صاحب التخطيط الاستراتيجي، وهذه الآية وأخريات دليل على تأصيل التخطيط، وهو بأمور الدعوة أليق وأكثر أهمية، ومن سيرة النبي عليه السلام كانت رحلة الهجرة خير دليل على التخطيط ومشروعيته وأهميته، والتخطيط يتطلب تحديد الأهداف، ومراعاة الظروف العامة والبيئة الداخلية والخارجية من خلال دراسة دقيقة للواقع، وتحديد الواجب المطلوب كما وكيفاً، ومن ثم ترتيب أولويات العمل للانطلاق نحو الهدف بوضوح وثقة وعزيمة قوية، ويأتي أيضا تحديد جوانب القوة والضعف والفرص والمخاطر.
الخطة تبقى جسداً بلا روح ما لم تجد العنصر الجاد صاحب النفس المنفتحة، والروح الطموحة، وذا قلب ثابت نقي، وعلى علم بالواقع ومتغيراته
وعلى طريق التخطيط الدعوي، لنا إشارات ووقفات:
- يجب أن لا يعتمد التخطيط على حجم الحشد وقوته بل لا بد من جعل الصلاح عاملا أساسياً فيه.
- الخطة تبقى جسداً بلا روح ما لم تجد العنصر الجاد صاحب النفس المنفتحة، والروح الطموحة، وذا قلب ثابت نقي، وعلى علم بالواقع ومتغيراته.
- تكمن أهمية التخطيط وضرورته في كونه يعمل على صناعة كتلة التغيير الحرجة من خلال تجميع الخطط المبعثرة والجهود الفردية وتحويلها إلى عمل جماعي بروح واحدة.
- الوصول إلى خطة ليس بنجاح، وإنما يتم ذلك بشرح الخطة وإسقاطها على أرض الواقع.
- على المؤسسات الدعوية أن تدرك ضرورة التربية التخطيطية منطلقة بذلك من محاضنها.
- لا بد للمؤسسات الدعوية اليوم أن تلتفت إلى مختلف التخصصات الدنيوية والحياتية، وأن تفرّغ نفراً من أبنائها لهذه المهمة.
على المؤسسات الدعوية أن تراجع خططها وأن تحرص على الموازنة بين التربوي والدعوي والسياسي، وأن تعلم أبناءها بخططها وأهدافها ليكونوا معها على طول المسار
وعلى المؤسسات الدعوية أن تراجع خططها اليوم وأن تحرص على الموازنة بين التربوي والدعوي والسياسي، وأن تعلم أبناءها وتصارحهم بخططها وأهدافها ليكونوا معها على طول المسار بثقة أكبر وبهمة أقوى، وعلينا أن نوقن بعد كل هذا أننا نعمد إلى البركة الإيمانية، نطلبها ونعمل بها، ونستحضرها خلال مسيرنا نحو الهدف، فالأرقام والإحصاء وقواعد البيانات لا تغني عن ذلك بشيء إذا فقدت هذه البركة. وكما قيل: خذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، كي لا نصير مجرد آلات ميكانيكة وحسب، فإن "رضا الله هو الذي يجعل قلوب الناس تهفو إلى الجماعة المتصدية للإصلاح وليست هي الإداريات والخطط والمناهج والإعلام والإغاثات، ولا بد أن يرجع الدعاة إلى هذه المعاني الإيمانية الأساسية، لئلا تكون المتاهة في الزحمة السياسية".