الاستشارة:
أنا متزوج منذ أكثر من 25 سنة ولله الحمد، وعندي من الصبيان والبنات، ولله الحمد، ونعيش حياة أسرية هادئة مليئة بالحب والتفاهم، لكنني لاحظت سلوكاً غريباً من زوجتي، والمتمثل في معاملتها القاسية إلى حد بعيد مع ابنتنا ذات 16 ربيعاً، في بعض المواقف تكون زوجتي خاطئة في تعاملها مع البنت، وعندما أقف مع رأي البنت وتوجّهها يزداد غضبها، وأشعر أنَّ زوجتي تغار من موقفي هذا، وأتساءل، هذا السلوك طبيعي وكيف الحل، وهل من نصيحة لزوجتي في كيفية التعامل الأمثل مع ابنتنا، وكيف أتصرف حيال هذا الموقف؟
الرّد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله ربّ العالمين على نعمة الصحة والعافية، وعلى نعمة الزوجة والأبناء، جعلهم الله قرَّة عين لك.
أيّها الأب الحنون، إنَّ الأمَّ لا تقل حناناً عن الأب، بل إنها وعاء الحنان كله، وهذا أمر فطري عندها.
أمَّا أنك تلاحظ منها أسلوباً معيناً، به نوع من القسوة مع ابنتها؛ فلأنَّ البنت ذات 16 ربيعاً تمرّ بفترة حرجة وهي مرحلة المراهقة، حيث تظهر عندها بوادر العناد، وإبراز الرأي، ومخالفة الرأي الأخر، واتباع سياسة الحوار المضاد؛ ممَّا أوقع لا محالة الأمّ في صدام تلحظه أنت كأب، وترى أن الأم تمارس سياسة التسلط عند محاولتها إقناع الابنة برأي أو عمل ما..
وممَّا لا يجب أن نتغافل عنه أنَّ الآباء عموماً لا يلاحظون مجمل تصرفات أبنائهم لغيابهم عن البيت، عكس الأم التي تكرس حياتها لأبنائها، فتعيش ويعيشون معها جميع لحظات اليوم العادي.
وبالتالي، فإنَّها تكون ملمة بسلوكياتهم البسيطة، مما يجعلها تثني على السلوك الصحيح، وتحاول تعديل وتصحيح السلوك غير الصائب.. فالذي تراه من زوجتك لا محالة ينصب في إطار تصحيح السلوكيات غير الصائبة عند ابنتكما، مما قد تكون الأم قد تعاملت معه بطريقة قاسية.. وهو أمر وارد عند تكرر الخطأ نفسه، أو عند مقابلة التصحيح بالعناد والتعنت عند المراهقين.. ولجوء البنات بالخصوص وهو أمر فطري إلى آبائهن محاولين استمالتهن إليهن وإلى جانبهن ضد الأم التي تحاول جاهدة بكل ما أمكنها من وسائل تربوية أن تربي ابنتها بالطريقة السليمة..
ولتعلم أيها الأب الحنون أن المراهق يمر بتغيرات نوعية تنقله من عالم الطفولة إلى عالم النضج والشباب، فنسمع كثيرا من الأمهات يصرحن بأن "ابنتها كانت دوما مبتسمة، والآن يتقلب مزاجها بين ساعة وأخرى".. "لقد أصبحت تعاندني وتجادلني في كل أمر هذه الأيام".. "لقد كانت لطيفة ودودة، والآن أصبحت تغضب وتصرخ لأقل سبب".
نحتاج في هذه المرحلة تعاملاً نوعياً مع المراهق تبعا للتغيرات والتبدلات السريعة.. ومثالها على سبيل التمثيل لا الحصر،:
- الانتقال من مرحلة الطفولة إلى عالم النضج: يحتاج إلى تعلّم قواعد جديدة للتعامل مع السلوك، فالابنة لم تصبح طفلة بل صارت شابة.. فقد كانت القرارات من أمها، أمَّا الآن فهي تريد أن تقرر بنفسها ما يحلو لها.
- أسلوب المخاطبة لم يعد الأسلوب القديم، فأنت الآن تتحدَّث مع شابة لا مع بنت صغيرة ذات جدائل وفستان بياقة، بل لابدَّ من مجاراة مرحلة الانتقال من عالم الطفولة والماضي إلى التطلع للمستقبل وتحمّل مسؤولية عالم الكبار.
- القدرة على التفكير عند الابنة أصبحت تقارب الناضجين، وبشكل فجائي صارت إنسانا مثاليا ينتقد ما حوله، وعليه لابد من فهم هذا التحول والانتقال وضبط آليات التخاطب معها كإنسان بالغ، وعملية الحوار هنا مفيدة جداً.
والله أعلم.