“الإسلاموفوبيا” في أوروبا..خطورة التنامي والدور المطلوب في التعامل معها

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » “الإسلاموفوبيا” في أوروبا..خطورة التنامي والدور المطلوب في التعامل معها
0web_image_1421013819_580

مع أحداث التفجيرات التي ضربت في الآونة الأخيرة كلاًّ من فرنسا وبلجيكا، تجدّد الحديثُ عن عودة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، وكيف استغلت المنظمات المتطرّفة وبعضُ رجال السياسة تلك الأحداث لزيادة وتيرة العداء للمسلمين والتخويف من الإسلام، ويتطوّر الأمر ليصبح سلوكياتٍ يومية مجحفة في حقّ الإسلام كدين وشريعة، وفي حقّ المسلمين وهم المواطنون في تلك البلاد.
في هذا التقرير، (بصائر) تبحث وترصد وتناقش مع ثلة من الباحثين والناشطين في أكثر من بلد أوروبي أبرز مظاهر الإسلاموفوبيا في أوروبا، وهل هناك فعلاً خوفٌ من استفحال هذه الظاهرة وانعكاسها سلباً على مستقبل المسلمين في أوروبا، وكيف تواجه النخبة المثقفة من المسلمين هذه الظاهرة؟ وهل المساجد والمراكز الإسلامية في أوربا تؤدي دورها المطلوب في توعية المواطنين المسلمين والجالية المسلمة للتعامل مع تلك الظاهرة ؟

الظاهرة قديمة وتتجدّد

يرى الأستاذ جمال الدين بن عمر الإمام والمسؤول في مسجد فيان بمدينة ليون بفرنسا في حديثه لـ(بصائر) أنَّ ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا عموماً وفي فرنسا خصوصاً شهدت تصاعداً خطيراً منذ بداية الألفية الثالثة، ولاسيّما منذ اختلال التوازن في المشرق العربي وبداية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وما نتج عن ذلك من تشريد ووضع شعب تحت وطأة الطائفية وتشريد لشعب بأكمله وظهور جماعات مختلفة كردّ فعل لهذا الاحتلال ومحاولة تسويق لتصرّفات بعضها على أساس أنَّ هذا هو الإسلام وهذه سلوكات المسلمين.

أ.بن عمر: "هذه الظاهرة ستؤثر سلباً على العمل الإسلامي وعلى الأجيال القادمة من تنامي الغلو كرد فعل،وتعطيل الكثير من المشاريع الحضارية للمسلمين كالوقف والجامعات والمدارس".

ويشير بن عمر إلى أنَّه "ومع بروز الأزمة الاقتصادية أصبح الحل الأمثل للطبقة السياسية التخويف بهذا البُعبع لإلهاء المجتمعات عن المطالبة بحقوقها؛ كما فعل مؤخراً "فالس" الوزير الأوَّل الفرنسي عندما وجَّه أنظار ناخبه عند الاحتدام الحديث عن الرئاسيات والإخفاقات المتعدّدة في الجانب الاقتصادي تحدّث عن الحجاب ومحاولة منعه في الجامعات رغم المخالفة الدستورية لذلك".

بينما يرى معاذ بوشريف الخطيب والناشط في المجال الجمعوي والتربوي في كلّ من بلجيكا وهولندا أنَّ "الإسلاموفوبيا" ظاهرة أخذت طريقها إلى المجتمعات الأوروبية بشكل يتفاوت من مجتمع لآخر ويرتفع منسوبها وينخفض كلّما اقتربت الانتخابات أو حدثت حادثة سواء داخل أوروبا أو خارجها نسب فعلها لأشخاص أو تنظيمات تحسب إسلامية. ويضيف بالقول:"غير أنَّ الظاهرة ليست بذلك الحجم الذي قد تصوّره وسائل الإعلام".

بدوره، قال الدكتور علاء الدين آل رشي مدير قسم الدراسات والأبحاث في المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا، لـ(بصائر): "إنَّ التصعيد في ظاهرة (الإسلاموفوبيا) موجود، ولكنَّه حالات فردية أو في بلاد متوترة ولظروف وقتية وترتيبات آنية".
ويشدّد د. آل رشي على أنَّ أوروبا بين مد وجزر، والقانون يغلب في النهاية، ولو بعد حين. وأنَّ أوربا لا تخضع لمزاج وإن كان ثمَّة مفاصل رخوة قانونية في بعض البلاد، فالحل بالمواجهة القانونية وليس بالشغب والتشكي، على حدّ وصفه.

ويوضح الأستاذ بن عمر أنَّ هناك منظمات من عمق المجتمعات الأوروبية تحالفت مع اليمين المتطرّف تتعذّى ممَّا يقدّم لها من مادة إعلامية دسمة خالية من روح الأمانة والبحث العلمي المعروف لدى الإنسان الأوروبي، لأنَّ الأمر يتعلق بالإسلام بالترويج وتعميق التخويف من الإسلام، ومحاصرة كل تجليّات التديّن وخلق أوهام فكرية حاجزة بين الأوروبي وحقيقة الإسلام.

مظاهر الإسلاموفوبيا

وعند سؤال (بصائر) عن أبرز مظاهر الإسلاموفوبيا في أوروبا، قال الناشط معاذ بوشريف: "إنَّه لا يمكن تعميم انتشار مظاهر الإسلاموفوبيا، فقد تقلّ في بعض المجتمعات الأوروبية، وربما تنعدم في بعضها".
ويضيف: " مثلاً : مهاجمة المسلمين خاصة المرأة لفظيًا أو بالاعتداء البدني، فبعض الإحصائيات تشير إلى تنامي هذا النوع من الاعتداءات بعد الأحداث التي عرفتها أوروبا مؤخراً".

وقال الأستاذ بن عمر: "من مظاهر انتشار هذه الظاهرة تنامي المشاعر السلبية اتجاه الإسلام والمسلمين، وقد تصل إلى نظرة ازدرائية في الأماكن العمومية وفي الشوارع ممَّا يخلق حالة قلق لدى المسلم الأوروبي وعدم قدرته على الاندماج الإيجابي في هذه المجتمعات ويبقى في دائرة الاتهام دائماً".

ويضيف بالقول: "وعدم شعوره بالأمان حتّى في أماكن العبادات المساجد والمراكز بسبب ظاهرة حرق الكثير والاعتداء عليها أمام تغافل الحكومات في كثير من المواقف أو اعتبار الأمر تصرّفً فردياً. بالإضافة إلى التضييق على المسلمين في إقامة بعض شعائرهم كالذبح والحجاب؛ من خلال سنّ تشريعات وقوانين تعيق ممارسة المسلمين لشعائرهم".

ومن مظاهر "الإسلاموفوبيا"، حسب الناشط معاذ بوشريف، الاعتداءات على المساجد من خلال كتابات على جدرانها أو تدنيسها، وهذا محدود للغاية، غير أنَّ لدى المسلمين تخوّف في أن يتنامى ويأخذ أشكالاً أخطر، خاصة وأنه بعد أحداث باريس وبروكسل ظهرت أصوات بعض المتطرّفين تنادي باستهداف المساجد.

خطورة التنامي

د. آل رشي: "ليس لديَّ مخاوف من نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا؛ بل عندي ألم من واقعنا العربي والإسلامي في المهجر الأوربي والغربي".

يقول د. علاء الدين آل رشي في حديثه لـ(بصائر): "ليس لديَّ مخاوف من نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا؛ بل عندي ألم من واقعنا العربي والإسلامي في المهجر الأوربي والغربي.

ويضيف: "نحن بلا منهجية تستثمر حالة الانفتاح؛ نحن بلا أي ثقافة مناعية تحتوي وتهضم وتتخير وتنتقي... نحن في ضياع ...البعض منغلق والبعض محترق ولا نملك ثقافة ووعياً ذاتياً إلاّ نادراً، ويكاد يكون منعدم التأثير".

ويوضح د. آل رشي أنَّ "الطرق الصَّحيح هو في حيازة الوعي الكامل للمسلمين، والخروج إلى الحياة برشد ومسؤولية في بلاد تحترم القانون".

ويرى الأستاذ بن عمر أنَّ الإقبال على الإسلام من الأوروبيين، جعل من الحاقدين والمتطرّفين أن يقوموا بافتعال حاجز يمنع الأوروبيين من الوصول إلى حقيقة الإسلام، من خلال اختزاله في تصرّفات طائشة لا تمثل هذا الدين في شيء ممَّا يجعل الأوروبي يخاف ولا يقترب لذلك الكيس الأسود غير المعروف.
وحسب بن عمر، فإنَّ هذه الظاهرة ستؤثر سلباً على العمل الإسلامي وعلى الأجيال القادمة من تنامي الغلو كرد فعل، وتعطيل الكثير من المشاريع الحضارية للمسلمين كالوقف والجامعات والمدارس، إنْ لم نتدارك الأمر.

من جهته، يوضح الناشط بوشريف أنَّ إشاعة بعض أنصاف المثقفين والسياسيين المنتمين لليمين فكرة شيطنة المسلمين وجعلهم مصدراً لكافة المشاكل التي تواجه المجتمعات الأوروبية، يتخذون من خلال ترويجهم لهذا الفكر المسلمين شماعة يعلقون عليها فشلهم في إيجاد برامج تستجيب لطموحات الشعوب الأوروبية.

الدور المطلوب

يقول الأستاذ جمال الدين بن عمر في حديثه لـ(بصائر): "أمام هذه الصورة النمطية السلبية للإسلام والمسلمين يبرز دور النخب المثقفة في تفكيك هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية من خلال:

1.عرض صورة الإسلام بنظرته الجمالية للحياة والكون واقتحام المجالات الإعلامية الصانعة للرأي العام الأوروبي.

2. تقديم دراسات علمية في التخصّصات النفسية والاجتماعية عن المشروع والحضارة الإسلامية.

3. إزالة الضبابية من خلال إشاعة القيم الإسلامية في الأوساط المثقفة الغربية للقابلية المتوفرة عندها.

4.اعتبار الأمر من الفروض العينية وعدم الاكتفاء بدور المتفرج وكان الأمر لا يعني الجميع.

من جهته، يرى د. علاء الدين آل رشي أنَّ "النخبة المثقفة في الغالب دون المستوى وأثرها غير فاعل نظراً لعوامل عدّة ذاتية وغيرية؛ حيث إنَّ الجاليات العربية والإسلامية ليست معنية في الغالب بالشأن الثقافي الذي يرتقي بدورها وذوقها".

ويضيف: "عموماً المسلمين والجاليات تحتاج إلى جهود جبارة وهذا شبه مفقود وللأسف؛ حيث يميلون إلى التدين وليس إلى المشاركة في الشأن العام كما أنّهم لم يستطيعوا تكوين لوبيات ثقافية واجتماعية واقتصادية".

الناشط معاذ بوشريف: "غياب دور الطبقة المثقفة المسلمة قد ساهم في تنامي هذه الظاهرة ونجاح من يروّجون لها".

ويشير الناشط معاذ بوشريف إلى أنَّ غياب دور الطبقة المثقفة المسلمة قد ساهم في تنامي هذه الظاهرة ونجاح من يروّجون لها، وهم مع قلتهم – أي النخبة المثقفة - نظراً لمجموعة من العوامل على رأسها أنَّ الهجرة لأوروبا انطلقت عمالية ولم تكن هجرة أدمغة ولا تعليم كما هو الحال بقارات أخرى، ممَّا أنتج أزمة فكرية وثقافية في قيادة وتأطير المسلمين داخل أوروبا، وفي مواجهة التحديات التي تعترض سبيل اندماجهم.

وهل للمسلمين الأوروبيين والجالية المسلمة من دور، قال الأستاذ بن عمر: "دور الجالية ككل هو العمل على الخروج من دائرة الانعزال والخوف من الذوبان إلى دائرة الاندماج الإيجابي".

ويضيف: "احتضان معتنقي الإسلام الجدد من أبناء أوروبا وإبعادهم من بؤر التطرّف والغلو وغرس فيهم قيم الايجابية؛ لأنَّهم أقرب إلى الإنسان الأوروبي من الجالية وتموقعهم سياسياً وثقافياً واجتماعياً ومالياً لتحسين الصورة النمطية للمسلم وإزالة الجهل المقصود المركب عن الإسلام".

وعن دور المساجد والمراكز الإسلامية، يوضح د. آل رشي أنَّها تقوم بدور وتشكر عليه، وهو ضروري، ولكنَّه غير كافٍ. ويؤكّد على ضرورة تطوير الخطاب الديني ودراسة فقه الأولويات مع تأكيد على قراءة الإسلام في أوسع الرؤى والاجتهادات، وأنَّ الزمن زمن إنشاء تحالفات مع المؤسسات المدنية داخل المجتمع.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …