التعود بمعناه البسيط هو نوع من استمرار الإنسان في عمل معيّن، لكن الخلاف فيه يتوقف على إدراك الشخص لما يفعله، حين يعوّد نفسه إرادياً على شيء ما بغرض تحسين أدائه، أو تغيير وضعه أو الارتقاء بنفسه، أما العادات غير الإرادية تحتاج من الشخص أن يعيد النظر فيها ليدرك أبعادها ونتائجها، يمكن أن تكون العادة مؤذية إلا إذا كانت تساعد الإنسان على تحقيق نجاح يستحقه ، مع أنها ليست بريئة تماماً من الاتهامات؛ فهي على الأقل تجعل الإنسان رهين نمط واحد قد لا يستطيع كسره لاحقاً، فيقع فريسة لعيوب التعوّد وإن كان إيجابياً.
كذلك فإن الحكم على اعتياد الإنسان ممارسة شيء ما يتفاوت ويختلف حسب جنسه، فالرجل يمكنه العيش في حلقة من الروتين مغلقة تماماً، يدور فيها بانتظام وبذات الإيقاع والتدرج، ويعتاد الأمر ويتكيّف معه بدون أن يطلب الخروج عن الدائرة أبداً، بينما المرأة لا يمكن أن تعتاد بسهولة ولا يمكن أن تتكيف مع الروتين، ولكن هذا الحكم ليس مطلقاً بالتأكيد.
مما لا شك فيه أن للعادة قوة كبيرة؛ لأنها جزء لا يتجزأ منا، وهي تسيطر علينا؛ لأننا أصلها
ومما لا شك فيه أن للعادة قوة كبيرة؛ لأنها جزء لا يتجزأ منا، وهي تسيطر علينا؛ لأننا أصلها، ولكن حب الإنسان لنفسه يجعله ينبذ العادات خارج تفكيره وبالتالي يصبح إدراكه لها مبنياً على أساس كونها قوة شريرة استطاعت التغلّب عليه بطريقة ما. حسب ما يرى الخبراء.
التعوّد... هل هو فعلاً مشكلة؟
لأن العادات دعوة لأنواع معينة من النشاطات، كما أنها تسهم في تكوين الذات البشرية -وهي الإرادة بكل ما تحويه تلك الكلمة من معنى- لذلك فهي التي تكوّن الرغبات الفعالة لدينا، وتمدّنا بالقدرات العاملة، وتحكم أفكارنا. وعليه فإنه لا يمكن تكوين فكرة صحيحة بدون تكوين عادة صحيحة؛ لأن الرغبة لا تتخذ شكلاً محدداً إلا من خلال ارتباطها بفكرة ما، والفكرة بدورها لا تتخذ شكلاً واتساقاً إلا عندما ترتكز على عادة، فمثلاً لن يستطيع الشخص الوقوف معتدلاً إلّا إذا عرف معنى الوقفة المعتدلة وميزاتها.
قد يضطر الإنسان إلى تكوين عادات خاصة به إذا كان ذلك يخدم هدفه -وهذا وارد، أو إذا كان يعيش وحيداً في العالم– وهذا فرض مستحيل، وفي كلا الحالين لن يشكل التعود خطراً طالما كان مدروساً ومدركاً تمام الإدراك، الخطر الحقيقي يكمن في كون العادة غير إرادية يكتسبها الإنسان من الفراغ، أو العشوائية، أو يرثها من المجتمع، هنا تصبح العادة مشكلة حتى ولو كانت إيجابية؛ لأنها تساعد على إنجاز الأعمال بسرعة، وتساعد على التركيز، وتجلب الحظ، إلا أن التعود الروتيني يوصل للملل، كما أنه يحدد الخيال بل يميته غالباً، وقد تصل إلى درجة الوسواس.
هناك أمثلة كثيرة للتعود الإيجابي، والسلبي يقوم بتصنيفها تلقائياً الإنسان حسب المبدأ الذي تربى عليه، والزاوية التي ينظر للأمور من خلالها، والميل الداخلي لديه
تعوّد ألّا تتعوّد:
العادة رديف الإدمان، وصورته المهذبة ، يقول نجيب محفوظ: "قاتل الله العادة؛ فهي التي تقتل روح العجب والإعجاب فينا"، والذي يقول بسلبية الاعتياد يرتكز على هذا المبدأ ومثله على مبدأ "المرء أسير ما تعود عليه" وبالفعل فإن التعوّد سجن حقيقي إذا لم يكن مدركاً ومسيطراً عليه.هناك أمثلة كثيرة للتعود الإيجابي، والسلبي يقوم بتصنيفها تلقائياً الإنسان حسب المبدأ الذي تربى عليه، والزاوية التي ينظر للأمور من خلالها، والميل الداخلي لديه، ومن هذه الأمثلة: التسوق بسرف، القراءة، إدمان الكافين والنيكوتين، العفوية، تعاطي المخدرات، السهر، محادثة الأصدقاء، المشي، العزف على الآلات، الكلام الكثير، الصرف غير المشروط، الترتيب، النظافة، الرياضة، الغناء، الألم، الأكل العشوائي أو المنظم، قراءة الجرائد، الكسل، التفاؤل، الكتابة، تناول الأدوية، النوم، التفكير الإيجابي، البطالة، تربية الحيوانات، لعب القمار، والتعود على وجود الأشخاص كذلك يدخل في الإطار.
التجديد يجعلنا نستمتع بالمزايا، نختار الوقت والطرق المناسبة للانطلاق، ونجدد ثقتنا بأنفسنا وبقدراتنا
كل إنسان له الحق في رؤية الإيجابي إيجابياً والسلبي سلبياً حسب مبدئه وميله، إلا أن هناك ضابطاً عاماً عند الحديث عن التعوّد، حيث يصبح النظر إلى العادة محكوماً بالقدرة على التخلص منها، والاحتكام لمبدأ أن التغيير هو الأصل، وأن كسر الروتين يفتح أفقاً، وأن خرق النمط يضيف تجدداً، ولكن يجب التنبيه على نقطة أن كسر العادة يجب أن يكون مجدياً وإن كان يحتوي المخاطرة، وإلا فإن أمان التعود المدرك يكون أنسب.
وإن كان التعود بالمجمل يعني البقاء في مجال واحد – وذلك ممل بالطبع - فإن عكسه الأكثر جدوى هو الخروج عن المألوف، فالتجديد يجعلنا نستمتع بالمزايا، نختار الوقت والطرق المناسبة للانطلاق، ونجدد ثقتنا بأنفسنا وبقدراتنا، ومجمل القول بشأن التعوّد ما قاله المُربّي سلمان العودة: "خير العادات، ألا تعتاد شيئاً"
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- تم اقتباس بعض فقرات المقال – بتصرّف – من كتاب: الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني/ جون ديوي: من منشورات مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر: القاهرة، 1963م.