صورة الزوجة الصامدة أمام استشهاد الرفيق، ليست وليدة هذا الجيل، بل هي امتداد لقصص كثيرة مثلت المرأة فيها دور البطولة، زوجة الأسير التي كافحت حتى خرج زوجها بعد قضاء المؤبد، وأم الجريح الذي عانى الشلل بين يديها إثر "رصاصة" كلفتها خدمته والقيام عليه إلى أن أسلمت روحاً ما قبلت المهانة، وشقيقة المفقود التي ما انفكت تسأل كل قادم من الأفق إن كان يعلم عن "ربحي" أي خبر حتى لو كان ما تخشاه، المرأة التي باعت القش لتطعم أبناءها، وعكفت على صناعة الخبز ليقوى عود الأحفاد، ووقفت في وجه الصلف الصهيوني بكلماتها التي لا تعرف الهوادة "روح الله يكسر إيديك" الظلم ما بدوم "ومن أرضنا رح تطلعوا".
هل تستأثر المرأة الفلسطينية بسر وصفتها تجاه مقاومة الاحتلال؟ حتى خرجت لنا بصور فريدة؟ كيف توارثت هذه القيمة مع كل ما فيها من وجع؟ ولماذا؟
تقول الصحفية "فيحاء شلش" وهي زوجة الأسير الصحفي محمد القيق بأن الظروف التي فرضها الاحتلال على المرأة صنعت عطاءها اللامحدود، ومنحتها القدرة على تحمل الضغوطات بل والتمرد على الواقع المؤلم، المرأة الفلسطينية بدأت رحلة الوعي تجاه ما يحاك ضد شعبها من مظالم ومكائد، وآثرت أن تكون هي المخلص للأزمات من خلال التربية الصحيحة للأجيال، وغرس حب الوطن والتضحية في نفوس الأطفال، بل وكانت سباقة لإثبات هذه القيم بشتى الوسائل، وقدمت الرجل "أغلى ما تملك" في سبيل الله.
وأكدت شلش خلال حديثها الخاص لـ"بصائر" بأن الاحتلال يدرك أهمية دور المرأة في مقاومة حربه التي يشنها على كل ما هو فلسطيني، ويعلم أن المرأة إذا صلحت صلح المجتمع برمته، ولذلك سعى ولا يزال لوأد دورها الريادي ومحاربتها بكل الوسائل، بدءاً من تلك المرابطة في المسجد الأقصى ومحاولات انتزاع دورها القيادي في الحفاظ على قدسية المسجد عربياً وإسلامياً، وكما نرى ففي كل حملاته التهويدية الوحشية تأخذ المرأة نصيبها دون مراعاة أية حقوق لها أو احترام لشخصها.
وأضافت شلش: الصمود سمة مكتسبة في الواقع المعاش، فحين نرى المنازل تهدم والأطفال يقتلون والنساء تسحل في المسجد الأقصى وكيان بأكمله يحارب شعباً مقهوراً أعزلا، يصبح الصمود واجباً وفريضة، ويصبح جزءاً من منظومة التحدي للبقاء، وبالطبع فإن المرأة هي المكون الأساسي من هذا الشعب ولا تبتعد بدورها عن أي مكون آخر لذلك وجب أن تتحلى بسلاح الصمود لمواجهة ما يحيط بها من ظلم ممنهج.
شلش: حين نرى المنازل تهدم والأطفال يقتلون والنساء تسحل في الأقصى وكيان بأكمله يحارب شعباً مقهوراً أعزلا، يصبح الصمود واجباً وفريضة
وفي حديثها عن تجربتها في التعريف بقضية زوجها الذي خاض إضراباً فريداً عن الطعام دام ما يقارب 100 يوم تضيف شلش: خلال التجربة التي لم أكن أتوقع أن أخوضها يوماً علمت أن المرأة تستطيع فعل الكثير بصوتها، بعلمها، بتصميمها على تحقيق الهدف، بإيمانها القوي بالله أولاً ثم بعدالة القضية التي تحارب من أجلها، وعلى كل إمرأة أن تبحث بداخلها عن الإبداع لتجده، ولتنميه في الطريق الصائب، أهمس لكل زوجة أن تكون هي السند لزوجها إذا تكالبت عليه الظروف فهو كما أنت يمر أحيانا بظروف قاسية حتى لو لم تكن الاعتقال؛ ربما على صعيد عمله أو علاقاته، أنت من يستطيع أن يكون عالمه حين تنقطع به السبل وحين تضيق الدنيا أمامه وأنت من يجب أن يكون الظهر الحامي له وهذه المهمة ليست رجولية أبدا ولا تحتاج لقوة جسدية بل تحتاج إلى تصميم وعزم على تطبيق سنة الرسول عليه السلام حين أوصى النساء أن يكن سندا لأزواجهن والرجال كذلك، أنت أيتها المرأة مهما كان مكانك في العائلة والمجتمع؛ نواة هذا الواقع فكوني نواة خير وأداة لتغييره إلى الأجمل متسلحة برضا الله تعالى والتوكل عليه.
فيحاء شلش: المرأة الفلسطينية هي جوهر منظومة الصمود وهي أساس متين للانطلاق إلى مسيرة التحرير
وختمت شلش حديثها لـ"بصائر" بالقول: المرأة الفلسطينية هي جوهر منظومة الصمود وهي أساس متين للانطلاق إلى مسيرة التحرير؛ وأنا شخصيا أتعلم من هذا الصمود الأسطوري الذي تمتعت به كل امرأة فلسطينية منذ احتلال فلسطين ولا أجد رسالة لها سوى تقدير دورها وحثها على البقاء قوية معطاءة.
بهية النتشة؛ زوجة الأسير ماهر الهشلمون والمحكوم بمؤبد وخمسين عاماً على خلفية تنفيذه لعملية بطولية أدت لمقتل مستوطنة وإصابة اثنين آخرين؛ أشارت خلال حديثها لـ"بصائر" بأن كل خطوة يخطوها الإنسان في حياته هي نتيجة لقرارات، وخواطر المرء عادة هو من يملك أن يعززها أو يرميها في مهب الريح.
وأضافت النتشة بأن الخيار الذي وجدت المرأة الفلسطينية نفسها أمامه هو إما أن تنهار وتتقوقع أمام معضلة الاحتلال، أو أن تخلق من المحنة منحة ومن المصيبة قصة إلهام للآلاف.. بل للملايين".
وأشارت النتشة إلى أن الجلوس في ظلمة المحنة تدفع بالإنسان للتفكير بسوداوية وحياة الإحباط جراء التفكير وحالة العجز التي يحياها، والحل أمامه يكون بإيقاد شعلة تضيء دربه ودرب من يعانون حوله من نفس الألم.
وتضيف النتشة: "وبعد أن يصبح دعم القضية قراراً في النفس، يعززها الجسد بكل ما يقوي الفكرة وينميها ويدعمها، من تأهيل وتعلم وبذل وعطاء، وفي قصص السابقين والتفكر في الكون العظيم وخالقه دعم لهذا الجانب في النفس، وكذلك في الدروس الدينية والتربوية.
وتقول: ابتلاؤنا في هذه الدنيا هو مجيئ يهودي حاقد ظالم على بلادنا، ابتلاؤنا هو اغتصاب الوطن، وعلينا أن ندفعه بالسعي لإعلاء كلمة رب عظيم، فعندما يكون هذا هدف المرأة ستراها مرفوعة الرأس قوية العزيمة صلبة المبادئ وقوية الإرادة كما تراها الآن، ونهاية صبرها هو عنان السماء؟
وتختم النتشة حديثها بالقول: "تذكروا.. كلما كان هدف الإنسان السامي الذي بسببه نخوض نحن حقول الامتحان مع الله، فنحن في الصف الذي لا يقهر، ونحن مع من لا ينسى أحداً، ونحن مع من له جنود السماوات والأرض، فكيف نخاف أو نعجز؟ وتذكروا أيضاً "أن الدنيا دار مفر لا دار مقر ومنزل ترح لا منزل فرح ودار التواء لا دار استواء فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء".