من أسباب فشل بعض الثورات العربية خلال الربيع العربي أن هناك شرائح واسعة من هذه المجتمعات ما زالت فكرة التغيير في واقعها أمر غائب أو ربما غير موجود وليس أدل على ذلك أنها جاءت ثورات عفوية وكردة فعل على ممارسات قمعية أثرت على لقمة العيش، وجاءت دون تخطيط بل وأمسى الكثيرون نادمون على فكرة الثورة أو التغيير ولعنوا لحظة الثورة واستسلموا للأمر الواقع بعجره وبجره وأصبح حالهم كحال بني إسرائيل مع موسى عليه السلام
(أوذينا من قبل جئتنا ومن بعد ما جئتنا)، (سورة الأعراف - الآية 129).
وتبرز أعراض المرض مع الدعاة والمصلحين من خلال الردة عن الثورة، والبعد عن مساءلة الحكام والحكومات تحت حجة الخوف من البطش وأنه (لا يصلح العطار ما أفسده الدهر)، فحجم الفساد كبير وأداة التغيير بلا نصل -إن وجدت-.
ومن أعراض المرض أيضا سيطرة شبح القادم الأسوء للتغيير ومما يدعم فكرة الانبطاح وترك الأمور بدون إصلاح هي فكرة (ودع الخلق للخالق)، و(للبيت رب يحميه)، وهذه الأفكار للأسف يروجونها رجالات السلطان ومشيخة الحاكم، وكما قال عبدالله بن مبارك: وهل أفسد الدين إلا الملوك.. وأحبار سوء ورهبانها، وكل هذه العبارات الانهزامية أدت إلى أن تتجمع السلطة والثروة في يد ثلة صغيرة أستبدت الحكم فأصبح لدينا مجتمع مجزأ ومفوض لا يعي حقوقه ولا يدرك قيمة الحرية ولا رسالته في هذا الكون.
وفي هذا الصدد لا أريد أن أناقش أمور سياسية بقدر نقاش أن المشكلة أصبحت في الأساس مشكلة تربوية وفكرية تتعلق بأفراد المجتمع، وإذا كانت أفكار المجتمع بهذا القدر من السذاجة وهذا المستوى فلا تلوم السلطة.. وعليه يجب أن نغير في ثقافة ونمط تفكير المجتمع لينشأ عندنا مجتمع واع يؤدي رسالته للأمم الأخرى، مصلح لغيره صالح في نفسه..
وأضع بين أيديكم بعض الأفكار والحلول التي من شأنها أن تعلي قيمة الفرد وقيم الحرية وقيمة المحاسبة ونهج المفاهيم عند الحاكم والحكومة والدولة.. وغيرها
أولا.. ترسيخ مبدأ العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو عقد وكالة بين الإثنين، وأنه ليس لأحد أن يستعبد الآخر، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
فالحرية شيء أصيل في حياة البشر فمتى أخلت الحكومات بعقد الوكالة.. تزال، لأنها تقوم على رعاية الناس وأقواتهم وصحتهم وخدمتهم وتيسير أمور حياتهم.. فليست السلطة تسلط وإذعان وإذا فُقد هذا المفهوم لدى الناس.. أصبحوا عبيدا. (من كتاب حرية الانسان وتجريد الطغيان) حاكم المطيري.
ثانيا.. لا بد من تصحيح بعض المفاهيم التي تخص السياسة الشرعية وإحياء بعض المفاهيم الغائبة، مثل:
- الشورى في الحكم وغيره باطل.
- المظاهرات ليست خروجا على الحاكم.. الخروج يكون بالسيف والقتال وليس بالمظاهرات.
- الحاكم هو الذي تمت بيعته برضا من الأمة.
- الحكام والحاكم المغالب رأي مرجوح وظهر في ظروف معينه.. وحتى أن صح بيعة المتغلب فيشترط فيها تطبيق الدين.
- فوبيا الدولة الدينية لا تنطبق على الدولة الإسلامية.. فالدولة الإسلامية هي مدنية لأنها لا تضيق بالمخالف في العقيدة بل تجعله جزء من الرعية، ويصرف عليه من بيت المال، ولا يكره على ترك دينه.. أما الجزية فحالها حال أي ضريبة تدفع لقاء خدمة الحماية والرعاية.
ثالثا.. الحاكم يخضع لجهاز المحاسبة والحسبة ومجلس أهل الحل والعقد.
رابعا.. يجب بذل الوسع واستنفاد الجهد من خلال القنوات الإعلامية لإيصال هذه المبادئ من خلال القنوات الخاصة والمجلة والمقالة والندوة والحزب والجماعة والخطبة والحوار والاتصال الفكري ليتشكل فيضان الحق الذي يكسرالباطل.
خامسا.. إن هذا الطريق لابد أن يكون فيه تضحيات فهذه سنة الله (أحسب الناس أن يتركو أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون)، (سورة العنكبوت - الآية 2)، والناظر في التاريخ يعرف أن التغيير في المجتمعات سبقه إهراق دم، كذلك كانت الثورة الفرنسية والبلشفية والصينية، وكانت تضحيات الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك تهديد فرعون للسحرة.. والتاريخ مليئ، وكل ذلك نابع من مبدأ أن الله لا يغيرما بقوم حتى يغييروا ما بأنفسهم.
سادسا.. الوصول أو المحاولة للوصول الى أماكن صنع القرار، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال ابن مسعود، مثل الوصول إلى البلديات، وكم من قرار سياسي غيّر أمم وشعوب مثل التجربة التركية، والوصول إلى القوة الاقتصادية لتسيطر على القرار السياسي، مثل الحركة الصهيونية طبعا الجانب العملي لا الأخلاقي، والوصول إلى البرلمانات، والوصول إلى المؤسسات الأكاديمية وخاصة الجامعات بمدرسيها وإداراتها ومنهجها وأنديتها وطلابها.
وأخيرا.. العمل الجاد الدؤوب بهذه الوسائل وغيرها وما يتفرع عنها، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم، وقال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، (سورة التوبة – الآية 105).