تعلن التواريخ أحداثنا الوطنية الكبرى وننطلق عبر الواقع الافتراضيّ مؤكدين عشوائيتنا في التعامل معها، وفي الإعلان عنها، تحت شعار: كل إنسان حر في أفكاره، وللأسف يمكن لتلك المساهمات الفردية العشوائية وغير المدروسة أن تخدم العدو أكثر مما تخدم قضيتنا وذكرياتنا الوطنية.
لقد اختلفت المعايير بالتأكيد وأصبح لأي "لوبي" شبابي إلكتروني – وإن كان افتراضياً – تأثير أقوى من التحرك على أرض الواقع؛ لأن حياة الناس اختلفت تماماً وكأنها انتقلت إلى الفضاء الإلكتروني بأكملها، بدون استثناء الأحداث الوطنية والسياسية والشؤون الخاصة، فالعالم الآن أمام جيل واع جداً صنع الوعي الإلكتروني لديه فضولًا لا يطفئه عرض الخطوط العريضة من شؤون بلاده التي يؤمن بأنها تخصه بالكامل، ولكن ذلك متوقف على تشكيل هذا اللوبي، ووجود لوبي يعني أن التخطيط موجود والعشوائية افتراض.
مع أن كل شيء أصبح متاحاً عبر الإنترنت، كما لو أننا في غرفة واحدة نتجاذب أطراف الأحاديث عن شؤوننا الخاصة، حتى أننا أصبحنا نعرف تواريخ الأيام الوطنية لكل الدول، وطقوسهم الاحتفالية وأغانيهم ورقصاتهم وعاداتهم... مع أننا كنا منذ وقت قريب لا نفهم العولمة، فجاءت وأرغمتنا على استيعابها حين هجمت علينا بسطوة التكنولوجيا.
اليوم يمكنك رفع صوتك والتفاعل بينما الأحداث ساخنة والإدلاء برأيك والتغيير فعلياً، فاصنع خطك واختر التكنيك المناسب لتنفيذها
قديمًا كنا ننتظر كل شيء عبر التلفاز أو الجريدة، فيصل إلينا بارداً حتى التفاعل معه مكتوب وخفيّ، أما اليوم فيمكنك رفع صوتك والتفاعل بينما الأحداث ساخنة والإدلاء برأيك والتغيير فعلياً، لذلك اصنع خطتك واختر التكنيك المناسب. فبنقرة واحدة يمكنك معرفة كل شيء عن أي شيء والسؤال بوضوح وتلقي إجابات أكثر تفصيلاً وأعمق وأجدى مما كنت تتوقع، تعددت مصادر الثقافة، وتعددت مشارب المعلومات والعادات، وهذا في الحقيقة يلائم الجيل الحاضر ويوفي نزقه وجموحه وبعض طموحه.
كأنه شكل جديد من أشكال التنويم المغناطيسي لكنه بوساطة التكنولوجيا، وإشغال الشباب والجيل القادم بملاحقة الإثارة التي تقدمها العوالم الافتراضية، وعليه فالتعامل مع الأحداث عبر هذه الثورة أصبح مفتوحاً ومتاحاً لدرجة الفلتان، مع أنه مراقبٌ بشدّة ولكن الجهة التي تراقب يسعدها أن يخرج الشباب العربي عن الطور وينطلقوا إلى أفق يصبحون فيه أكثر تخلياً عن مسؤولياتهم، وتمهّد لهم الطريق لتحصل على الصلاحيات الكاملة في المراقبة، ومن ثم تسرّب إليهم ما تريد فتسهل ما يخدم أهدافها وتعقّد ما يخدم الطرف المغيّب، فزيادة الاستسلام تعني زيادة الأفكار التي يمكن تمريرها وزيادة نقاط السيطرة المزروعة في العالم.
وقد أصبح – مع الأسف – التغيير مرتبطاً بأفكار وعقليات الجيل فقط، فالسيطرة ليست ممكنة في ظل حوسبة كل شيء، يبقى دور المربين والمهذبين والمرشدين مهماً ورئيساً لكنه يحتاج ذكاءً مركباً للوصول إلى الشباب ولكن بذات الطريقة التي يستخدمها مديرو تلك العوالم والمتحكمون بها. ومع التأكيد على أهمية الإعلام في فضح تصرفات العدو فإن من الأهم الاهتمام بالتصرفات الذاتية والتنمية الشخصية للفرد بالذات في البلاد المحتلة والتي تدور فيها الأحداث السياسية المختلفة.
يقف خبراء الإعلام في صف التعبئة الإيجابية للجيل وعدم الانجرار الأعمى خلف ما يقذفه المغرضون من أفكار يراد بها شغل العقل العربي.
بمعنى أن فضح تصرفات العدو -فحسب- سيجلب المزيد من المناوشات والتراشق والمشاكل بينما التركيز على تنمية الذات سيوصل الإنسان إلى حلول أكثر جدوى وأهمية في تعمير البلدان المتضررة والوصول بها إلى براري الأمان.
يحضرني قول الله تعالى: "ليعمروها" وقد فضل سبحانه العمران على الحرب في أكثر من مكان، وفي هذا – في الحقيقة – تأكيد على رسالة الإسلام بطريقة غير مباشرة خاصة في ظل الهجمات البشعة التي يتعرض لها الإسلام من المستشرقين والتبشيريين حين يحاولون التأكيد على كونه دين حرب ويقوم على القتل والتدمير.
يقف خبراء الإعلام في صف التعبئة الإيجابية للجيل، وتمرير الأفكار التنموية التي تعمل على التطوير الدائم له، وعدم الانجرار الأعمى خلف ما يقذفه المغرضون من صور وإشاعات يراد بها شغل العقل العربي والقوة والطاقة عن الأهم الذي يمكنه القيام به ليخدم نفسه وقضاياه الجوهرية، يلاحقها الشباب العربي وهو يظن أن النُتف من الأهداف التي يمرر إليه عبرها الكثير من السموم والأفكار الموبوءة.
إن علينا صناعة المستقبل، لا البكاء فقط على الماضي
حضرني الحديث عن هذا الموضوع بالذات في ظل مرور الذكرى الثامنة والستين لنكبة فلسطين، وما ينشر على المواقع الاجتماعية بشأن إحيائها كيوم وطنيّ مهم في تاريخ القضية الفلسطينية، وبرغم الأهمية الكبيرة لذلك، إلا أن الأهم حسب ما تعلمت من قراءة كتب التاريخ والتأمل في أحداثه هو اختيار المصير الذي يليق بنا وتحويل المأساة إلى انتصار والتفكير الجاد المقترن بالعمل في تغيير الواقع، أعني أن علينا: صناعة المستقبل، لا البكاء فقط على الماضي.