حسن الخلق وتمام الإسلام

الرئيسية » خواطر تربوية » حسن الخلق وتمام الإسلام
quran56

نزل الإسلام وشرعته كرسالة تربوية لتهذيب الأخلاق بالأساس، بعد التأكيد على حقيقة التوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة في الأرض.

وهذا الأمر شديد الوضوح في القرآن الكريم، وفي السُّنَّة النبوية الشريفة، وكان أحرَصَ ما حَرِصَ عليه الرسول الكريم، محمد "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، وخصوصًا في سنوات البعثة الأولى، هو تربية أصحابه على مكارم الأخلاق والقيم التي أعلى الإسلام من شأنها.

يقول الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم": "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا" [أخرجه الترمذي وقال حسنٌ صحيح]، ويقول كذلك "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم": "إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق" [أخرجه البزار].

وحسن الخلق هو أفضل الأعمال وفق أحاديث نبوية صحيحة، وفي بعضها، قرنه "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، مع تقوى الله عز وجل، وفي مسند الإمام أحمد، حديث للرسول "عليه الصلاة والسلام"، يقول فيه: "إنَّ الفُحش والتَّفحُّش ليسا من الإسلام وإن أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خُلُقًا".

في المقابل، أخرج البخاري عن النبي "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أنه قال: "إنَّ شرَّ الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فُحْشِه".

كما ذمَّ النبي "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، في الكذب أيَّما مذمة، فيقول: "عليكم بالصِّدق فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا وإيَّاكم والكذب فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا" [متفق عليه].

وفي القرآن الكريم، فإن الأخلاق القويمة في المجال التطبيقي العملي، دائمًا ما تكون صنو الإيمان، والعكس ما يكون كذلك؛ حيث سيء الأخلاق، وسيء السلوك، دائمًا ما يقترن بالكفر والخروج عن دين الله تعالى، والعياذ بالله.

وباب الأخلاق في القرآن الكريم واسع للغاية، مثلما هو في السُّنَّة النبوية الشريفة، ولكننا سوف نختار منه سُورة واحدة، هي سُورة "الماعون".

في سورة "الماعون"، يقول الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)}.. لم يقل رب العزة، وهو القادر على ذلك، وهو مطلق الإرادة والمشيئة، أن الذي يكذب بالدِّين هو ذلك الذي يَدُعُّ العبادة، أو يعبد الأصنام، أو ما شابه، لكنه قال إن من يكذب بالدِّين، هو ذلك الذي يَدُعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين.

وباقي السُّورة واضح أنه يخاطب المسلمين، وليس كُفَّار العقيدة، وهو ما يعني أن السُّورة بالكامل عبارة عن درس تربوي بالكامل للمسلمين.. {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}.

فالآيات ذكرت في إطار تحذيرها من بعض عوامل هلاك الإنسان، عبادة واحدة عظيمة، وهي الصلاة، لجهة التفريط فيها، ثم ذَكَرَتْ خصلتين من السلوكيات السلبية، وهما: المراءاة، والبخل والشح، ومنع الصدقات والزكاوات الواجبة.

وفي القرآن الكريم كذلك، من سمات عباد الرحمن أنهم {... يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)} [سُورة "الفرقان"]، ويقول أيضًا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}[سُورة "النَّحل"].

وكلها سلوكيات، بعضها أخلاقيات تميز الإسلام، وبعضها واجبات اجتماعية يجب أن يقوم بها الإنسان في حياته، لكي يستحق لقب مسلم مؤمن.

وفي الحديث القدسي الشريف، قال رسول الله "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، عن رب العزة سبحانه: "قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار (أو "عذبته" أو "قصمته" أو "ألقيته في جهنم" أو "أدخلته جهنم" أو "ألقيته في النار")" [أخرجه مسلم وآخرون].

وهذا الحديث ورد في كُتب المحدِّثين، في سياق النهي عن الكِبر والاستعلاء على الخلق، بجانب محتواه الذي يتعلق بحقيقة الله عز وجل، وقدوسيته وجلاله، وكان أساس الغضب الإلهي البالغ على إبليس الرجيم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لما امتنع عن تنفيذ أمر الله تعالى بالسجود لآدم "عليه السلام".

ويقول سفيان بن عُيَيْنه في ذلك: "مَن كانت معصيته في شهوة فارجُ له التوبة، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهيًا فغُفر له، ومن كانت معصيته من كِبْر فاخشَ عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبراً فلُعِن".

وذلك لأن الكبر – الذي هو الآن السلوك اليومي للكثير من المسلمين – يتنافى مع حقيقة إيمانية مهمة للغاية، وهي أساس دين الإسلام؛ وهي الاستسلام لرب العالمين، وإفراده بالعبودية كربٍّ لهذا الكون وخالقه، وإفراده بالعبادة كإله هذا الكون، وحده لا شريك له.

وذلك لأن حقيقة دين الإسلام الذى أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه هي أن يستسلم العبد لله وينقاد لأمره ، فالمستسلم له ولغيره مشرك ، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر!

إذًا الأمر ليس هيِّنًا؛ ففي الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة السابقة؛ حُسن الخُلُق من مُتمِّمات الإيمان، بل ومن مُتمِّمات الإسلام نفسه.

لذلك يخطئ الناس عندما يعتقدون أن بعض التجاوزات في الجوانب الأخلاقية والسلوكية، إنما هي بالأمر الهين، أو من اللَّمَم كما يتصور البعض، فهي عند الله تعالى عظيمة، وتمس عقيدة وإيمان الإنسان نفسيهما.

وسبحان الرحمن الرحيم الذي لو يؤاخذ الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة، إنما يؤخرنا إلى أجل مسمى توفى فيه كل نفس ما كسبت، وهم لا يُظلمون!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …