من أجل الناس..!!

الرئيسية » خواطر تربوية » من أجل الناس..!!
scare31

فتشت _ وأنا أتصفح التاريخ وحياة من عرفتهم وقرأت عنهم _ عن أكثر العوائق التي تحيل بين الإنسان وآماله، فلم أجد كالخوف من الناس عائقاً وحَجرةَ عثرة في طريق السالكين الطامحين.

بسببه ترقد نباهة النبهاء وتنطفئ مصابيح الذكاء. فكم من نابغة تهاوى نبوغه بسب حسابه للناس، وكم من حليم، كان يحلُّ ويعقد، لولا أن الخوف من محيطه ضرب عليه سوراً من حديد وشوك.

وكم من مبدع ذي بيان احتبست في حلقه الحروف وجمدت في قلمه الكلمات، لا بسبب لعثمة في اللسان ولا بسبب ضَعف في الأدب والبيان، بل بسبب الخوف من الناس.

إن سر الخوف من الخلق، والانشغال بكسب رضاهم ومودتهم: هو عقدة نقص وعدم الثقة بالنفس.

فالإنسان الذي يجعل من أبصار الناس وأقوالهم ميزانا لحياته، ويخاف أن يقال في حقه كذا وكذا، لابد وأن يجرّ له ذلك الحرص اضطراب في نفسه وعيشه.

الإنسان الذي يجعل من أبصار الناس وأقوالهم ميزانا لحياته، ويخاف أن يقال في حقه كذا وكذا، لابد وأن يجرّ له ذلك الحرص اضطراب في نفسه وعيشه

يخاف إن قال الحق الذي يراه أن يتعرض للأذى أو أن يخسر بعضاً ممن يحبهم ويفسد قضية ودهم.

يخاف إن خاطب الناس مرتجلاً في مجلس، أو على منصة، أو منبر أن يرتج ويرتبك ويتندى عرق جلده وترتعد فرائصه، ثم يقال عنه ما يقال.

يخاف إن أبدى رأيه بصراحة أن يعيّره رفقاؤه و يقولوا فيه كلاماً يؤذيه.

تخاف المرأة من كلامها ولباسها ومشيتها، فتعمدُ إلى المرآة، تخاطب نفسها باسم الناس، فتضحي بالوقت وبالجمال. ثم يمضي كثير من الوقت وهي تنتقي (المانطو) الجذاب والحجاب الموافق لبشرة الوجه، و(الجوال) الناعم والحقيبة المتوافقة، وساعة اليد والحذاء.. كل ذلك من أجل الناس.

يجهد الشاب نفسه في المشي بـ(بنطال الموضة الممزق) وقميص ضيّق وقصة شعر، يبقى طيلة نهاره وهو مخنوق بهذه الهيئة، لا يمد يده إلى رأسه حتى لا تتغير التسريحة، ولا يجلس على راحته حتى لا يشعث لباسه. كل ذلك مخافة الغير.

هوّنوا عليكم أيها الناس.!! خُلقتم جميعاً من رجل واحد وامرأة واحدة، وأنتم فيما بينكم أحرار لا فرق بين غنيّكم وفقيركم ولا عربكم وعجمكم ولا أبيضكم وأسودكم،إلا بالتقوى.

ومهما علّق وثرثر الثرثارون فأنت بمنجاة منهم ولن يسل أحدهم السيف -لأنهم يجهلون حمله- ويقطعوا رأسك. وإن جهلوا معاني اللياقة والأدب فاعلم أن لاناب لأحدهم ولامخلب. بل هي صرخات الحُسّد والمنظّرين أصحاب الأراجيف وحسب.

و أن اقتضى الحقُّ لسانا ينطق به، فكن أنت، واستحضر في نفسك جلالة هذا المعنى: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (رواه الترمذي)

لم الخوف إذاً؟! لم يحسب للناس كل الحساب، فتكون لهم الهيئة والكلمة. حتى الضحكة واللفتة!! لم الخوف الذي يدس في الدم أمراض السكر والضغط!

عوّد نفسك ألا تخاف من الخلق؛ لأنهم معك في الشأن نفسه، واصرف تفكيرك وخشيتك إلى من بيده الأمر كلّه

عوّد نفسك ألا تخاف من الخلق؛ لأنهم معك في الشأن نفسه، واصرف تفكيرك وخشيتك إلى من بيده الأمر كلّه.

دع هذه النصيحة تحت مخدتك عندما تنام، وفي حقيبتك عندما تذهب: "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس" (رواه الترمذي).

أتعلم الحكمة من وراء موت الصحابي الجليل (خالد بن الوليد ) سيف الله المسلول على فراشه، حيث لم يمت في ميادين المعارك الكثيرة التي حضرها، ولم ينج موضع من جسمه إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح؟

ذلك ليلقّن كل جبان درساً في الشجاعة ويقول له: تقدم ولا تخف. لاتستمع للناس؛ لأنهم سيقولون لك. أهلك، ولدك،أحلامك، علام تهلك نفسك؟
فتلك الشجاعة التي يفتقدها جلّ قومك، والنور الذي أشرق لهم في ضاحية نهارهم، لكن حسابهم البالغ لبعضهم البعض جعلهم يتعامون عنه. ويفضلون العيش تحت :(قال فلان ورءاك علان).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …