“أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ”.. فلنستعد

الرئيسية » خواطر تربوية » “أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ”.. فلنستعد
ramadan4

هبة الله تتجدد لنا كل عام، ونفحاته تغمرنا بغير حول منّا ولا قوة، إذ كُتب لنا اصطفاء وكرماً من الله أن نكون ممن سيحضر رمضان هذا العام في حين حرم الكثيرون غيرنا منه بموت أو عجز أو لهوِ وفجور، وهذا الاصطفاء يستحق الاستعداد والتجهز والتخطيط، ولنتذكر بأنّ الإمداد على قدر الاستعداد.
تعالوا في خمس نقاط نُجمل أبرز ما بوسعنا استثماره في رمضان، ونحن إذ نلخصها لا نضيّق واسعاً، فباب العبادة واسع ولكننا نجملها لنخطط لها وننجزها فنكون من الفائزين بإذن الله.

فحقاً هي {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة:184]، اليوم يقال بدأ رمضان وبعد هنيهةٍ من الزمن وإذ به المنتصف وعلى حين غرة يقال جاء العيد، ونحن نسوّف ويطول بنا الأمل غداً أصلي، وغداً أستزيد، وغداً أستثمر، وغداً يمضي، والحال هو الحال.

رمضان هبة ربانية والهبة تُنزل بمقام العرفان والإحسان والشكر، فلنحمد الله ونشكره أن أحيانا لرمضاننا هذا، ولنعدّ العدة ونتزود ونكون على قدر الهبة.

رمضان هبة ربانية والهبة تُنزل بمقام العرفان والإحسان والشكر، فلنحمد الله ونشكره أن أحيانا لرمضاننا هذا، ولنعدّ العدة ونتزود ونكون على قدر الهبة

وأول ما يجدر بنا التجهز به لرمضان والمحافظة عليه لما بعد رمضان هو التصالح مع الله، لنعبد الله حباً ومن خالص القلب يجدر بنا التصالح مع الله، والتصالح مع الله لا يكون إلا بالرضا عن الله وعن أقداره كلها خيرها وشرّها .

كلنا ذو فقد أو خوف من فقد، معنوي أو مادي، والفقد هو قدر من أقدار الله على هذه الأرض، وما اكتمل حال لأحد وما تمّ أمرٌ من أمور الدنيا لأحد، وهذا حالنا كلنا على هذه البسيطة والفقد فقد الجنة والجمع جمعُ الآخرة.

يأتي رمضان بمدرسته الروحانية الحانية ليعلمنا الصبر على أقدار الله والرضا عن أقداره، فنقترب أكثر وتصفو الروح أكثر ويأتي الإمداد صبراً وفرجاً ونصراً على قدر الاستعداد، ولنكن على ثقة ويقين أن الحال لا يصلحه، والفقد لا يعوّضه، والكسر لا يجبره إلا الذي بيده ملكوت السموات والأرض.

وثاني ما يُستغل به رمضان قراءة القرآن، قراءة وتدبر وتفسير وتفكر واستنباط وتطبيق، وحيثما وجدت قلبك وأنت تقرأ فتوقف وردد وتفكر فلعلّ في هذه الآي فتحك ونصرك أو لعلّ فيها هداك وأوبتك .

لا عبرة ولا فائدة من ختم القرآن عدداً من المرات دون أن يرسخ في قلبك آية واحدة على الأقل، أو يتغير في سلوكك أمر واحد نحو الأفضل

وهنا وددت أن أنوّه لأمر وهو أن عدد مرات ختم القران ليس المقصد أبدا، فلا عبرة ولا فائدة من ختمه عدداً من المرات دون أن يرسخ في قلبك آية واحدة على الأقل أو يتغير في سلوكك أمر واحد نحو الأفضل، أو تهتدي لأمر طالت حيرتك فيه، أو تلهمك بعض الآيات خيراً تصنعه لنفسك وللناس. فالعبرة في ما يغيرّه ويصنعه فيك القران لا في عدد مرات ختمه وقراءته، والخير كل الخير لو اجتمع الأمران معا: الختمة لأكثر من مرة والتغيير.

الصحبة الصالحة خير ما يعينك ويشدّ من عزمك للطاعات ويأخذ بيدك نحو الله، وهذا في رمضان وغيره، فلنبدأ في مدرسة رمضان فصلاً جديداً، نتخير فيه الصحبة وننقح قائمة المعارف والصداقات، أيهم يزيدني همّة؟ أيهم يدفعني للطاعة؟ أيهم يحفزني للسعي الدائم والعمل؟ وأيهم يجرني للخمول والكسل والقعود عن خيري الدنيا والآخرة؟ فلنعد التفكير..

ولنتعاهد معاً لاغتنام رمضان، ونشد من عضد بعضنا، إحياء ليلة جماعية، إفطار للأيتام أو الفقراء، زيارة لبيت المسنين ومشاركتهم الإفطار، وغيرها من الطاعات الكثيرة التي نتشارك فيها لندخل ضمن قول الحق عز وجل {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر :73] أي جماعة بعد جماعة ووفدا بعد وفد.

وأهم ما يتوجب علينا فعله قبل وأثناء رمضان هو التخلص أو التخلية، وأقصد به التخلص من كل ما يقعدك عن المضي قدماً الى الله، التخلص من المعاصي، التخلص من الكسل، التخلص من التسويف، تخلّى عن كل ما يؤخرك عن الفوز والظفر برضا الله، لتفسح المجال في قلبك وفي سلوكك وفي حياتك لكل ما هو جميل ، إذ يقال "التخلية قبل التحلية"، أي خلِّ قلبك من حب الدنيا ليتحلى بحب الله والجنة، وخلِّ قلبك من السخط والطمع ليحلّ محله الرضا بأقدار الله، وخلِّ حياتك من الكسل والخمول والتسويف لتصل.

لو استعرضنا استعداد أهل الباطل لما يعدّونه ويجهزونه لرمضان لوجدنا المسلسلات والأفلام والسهرات والمهرجانات التي استغرق تصويرها والإعداد لها عاماً كاملا، فماذا خططنا نحن وماذا أعددنا في مواجهة كل هذا؟!

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران :133]، فرمضان موسم لتجارة ناجحة رابحة لا شك لمن سارع وأقبل ونافس، وهو موسم تتضاعف فيه الأجور وتكثر أبواب الخير ويشتدّ السباق ويكثر المتنافسون.

ولو استعرضنا استعداد أهل الباطل لما يعدّونه ويجهزونه لرمضان لوجدنا المسلسلات والأفلام والسهرات والمهرجانات والأمسيات التي استغرق تصويرها والإعداد لها وتنظيمها وترتيبها عاماً كاملا، فماذا خططنا نحن وماذا أعددنا في مواجهة كل هذا؟!

فلنستعد...

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة في موقع "بصائر" اﻹلكتروني في الشؤون التربوية واﻷسرية ، وصحفية وكاتبة في صحيفة "السبيل" اليومية في الشأن السياسي والشبابي .

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …