يعيش الأسرى الفلسطينيون معاناة مزدوجة في شهر رمضان المبارك، فهم محرومون من التجمع مع ذويهم على مائدة واحدة، ويعانون من الغطرسة الصهيونية بحقهم، التي تنتهجها مصلحة السجون.
وينكأ شهر الصيام جراح الأسرى الذين غيبتهم زنازين الاحتلال "الصهيوني" قسرًا عن أحضان أسرهم، ويبدون مشاعر الحزن والأسى لعدم قدرتهم على الاجتماع بعائلاتهم على موائد الإفطار في رمضان.
ويقبع حاليًا في سجون الاحتلال ما يزيد عن (7000) أسير فلسطيني، بينهم (70) أسيرة، وأكثر من (400) طفل، وتحتجزهم سلطات الاحتلال الأسرى في (22) سجن ومركز توقيف وتحقيق إلى جانب معتقلي “عتصيون” و”حوارة” التابعين لجيش الاحتلال.
ولا يختلف تعامل السجان مع الأسرى في رمضان عن غيره من الشهور، فلا طعام مختلف، ولا وقت أكثر للاستراحات، ولا سماح للصلوات الجماعية وخاصة التراويح، إلا على نطاق ضيق في بعض السجون.
ويجتهد الأسرى في شهر رمضان بالتقرب من الله بالطاعات وأداء الفروض والسنن؛ لينيروا ظلام القيد بنور الإيمان، يبدأ نهارهم قبل الفجر بساعات حيث ينهض الأسرى لأداء صلاة قيام الليل بقلب خاشع وأكف مرفوعة لنيل الرحمة والفرج القريب من سجون ظالمة وقيود آثمة والخروج من جدران البعد وأسلاك الألم التي تحرمهم من أن تعطر أنفاسهم من رائحة التراب الذي جُبل بالدماء، ولتكتحل أعينهم برؤية الأرض التي قدموا من أجلها أجمل سني عمرهم والتي عليها يجتمع الأهل والأحبة.
الأسير المحرر أحمد أبو طه أشار الى أن التحضير لشهر رمضان المبارك في سجون الاحتلال قبل بدايته بنحو شهر، جراء الصعوبات التي يواجهها الأسرى لتأمين ما يلزم لشهر الصيام.
وقال أبو طه المحرر ضمن صفقة وفاء الاحرار لـ" بصائر": "إن الأسرى أشد ما يشتاقون لذويهم في رمضان والأعياد"، موضحًا أن الحياة اليومية للأسرى في الشهر الفضيل تختلف عن باقي أيام العام.
وذكر أن الجدول اليومي للأسرى يتغيّر وتتحول النشرات الثقافية إلى مواعظ، وقصص دينية تتحدث عن بطولات المسلمين في التاريخ.
وأشار إلى أن الأسرى يقتنصون فرصة العزلة عن العالم في السجون للتنافس في ختم القرآن الكريم وحفظه، مؤكدًا أن معظمهم يختمون القرآن يوميًّا.
وتحدث أبو طه الذي أفرج عنه بعد 7 سنوات في سجون الاحتلال -بتهمة الانتماء لخلية "صوريف" والتخطيط لعمليات استشهادية- عن صعوبة توفير الأسرى لإفطارهم اليومي في رمضان، مبيّنًا أن مصلحة السجون كانت تتعمد في تضييق الخناق عليهم بعد أسر الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط".
أبو طه: الاحتلال يتحكم في الفطور والسحور ومواعيده حيث يؤخر وجبة الإفطار ساعتين، كما يؤخر أيضا وجبة السحور لما بعد قضاء وقت السحور وهو يعلم بالموعد المفترض
ويتحكم الاحتلال حسب أبو طه في الفطور والسحور ومواعيده حيث يؤخر وجبة الإفطار ساعتين أو أكثر، كما يؤخر أيضا وجبة السحور لما بعد قضاء وقت السحور وهو يعلم بالموعد المفترض، وفي أحيان أخرى يأتي بوجبتي السحور والإفطار في موعد واحد مثلا كأن يأتي بها الساعة التاسعة والعاشرة ليلاً، وذلك ضمن التنغيص على الأسرى في رمضان.
ويتخذ الاحتلال هذه الإجراءات القمعية والمجحفة في حق الأسرى لزيادة معاناة الأسرى في رمضان بالرغم من أن الأنظمة والقوانين تنص على احترام الشعائر الدينية للأسرى، وكذلك فإن الجنائيين اليهود المعتقلين يقدم لهم ما يحتاجونه بالمواعيد التي يريدونها.
كما أن الاحتلال يرفض إحضار ما يشتريه الأسرى بأموالهم من "الكنتينة"، في الموعد الذي يطلبونه، حيث تقوم إدارة مصلحة السجون بإحضار ما يحتاجه الأسرى في باقي الشهور في الموعد المحدد إلا في شهر رمضان فإنه يتم التنكيد عليهم بهذه الإجراءات.
ويتمنى أبو طه أن يحل رمضان المقبل وقد تحرّر جميع الأسرى من سجون الاحتلال.
شهر مختلف
من جهته، يرى الأسير المحرر في صفقة "وفاء الأحرار" أحمد الفليت أن الحياة الرمضانية داخل السجون لها طعمها المختلف عن الخارج.
وقال الفليت الذي اعتقل عام 1992م، وأفرج عنه ضمن صفقة وفاء الاحرار بعد 19 عاما في سجون الاحتلال لـ "بصائر": "يتحول السجن لحلقات ذكر وتسبيح، ويتسابق الأسرى في ختم المصحف، فيما تشرع اللجنة الثقافية في إعداد جدول رمضاني يقوم على قيام الليل والفقرات الدينية والترفيهية".
وأشار الفليت إلى أن الأسرى يذهبون في مخيلتهم برحلة الحنين إلى الأهل والأصدقاء في الليلة الأولى من رمضان، كما يبدؤون بزيارة رفاقهم في الغرف المجاورة بنفس السجن وإهدائهم التمور.
وفيما يتعلق بقيام ليل رمضان وصلاة التراويح بيّن أن الشعائر تُقام في كل غرفة على حدة، كون مصلحة السجون لا تسمح لأحد بالخروج للفورة بعد الخامسة عصرًا.
من ناحيته أكد رياض الأشقر الناطق الإعلامي لمركز أسرى فلسطين للدراسات بأن سلطات الاحتلال ممثلة بإدارة السجون تتعمد في شهر رمضان المبارك التنغيص على الأسرى وكسر فرحتهم باستقبال هذا الشهر الفضيل، وعدم مراعاتها لخصوصية وحرمه هذا الشهر.
وأشار "الأشقر" في حديث لـ"بصائر" بان الأسرى يأملون مع قدوم شهر رمضان كل عام بأن تكون الأوضاع أفضل من ذي قبل وأن ينعموا بأجواء إيمانيه خاصة، يتفرغون فيها إلى العبادة وقراءة القران وحفظه، والصلاة الجماعية، والابتهال إلى الله بالدعاء، ولكن الاحتلال يبدد آمالهم فى كل مرة بتحقيق هذا الأمنية بتجديد ممارسته القمعية التعسفية بحقهم خلال هذا الشهر الكريم.
وبين الأشقر بأن إدارة السجون تتعمد إرباك الوضع الاعتقالى بشكل مستمر؛ حتى لا يتفرغ الأسرى للعبادة ولا يشعروا بخصوصية شهر رمضان، وذلك عبر عمليات الاقتحام والتفتيش والاستنفار الدائمة التي تمارسها الإدارة بحق الأسرى تحت حجج وذرائع واهية، والتي تستمر أحياناً منذ الصباح وحتى موعد الإفطار، أو تبدأ بعد الإفطار وتنتهي بعد أذان الفجر بعدة ساعات، ويحتاج الأسرى ليوم آخر لترتيب أغراضهم التي أتلفها الاحتلال.
وأوضح الأشقر أن الاحتلال يتعمد في رمضان تقديم طعام سيء للأسرى كما ونوعا ً حتى يضطر الأسرى إلى شراء أغراضهم من "كنتين" السجن، وهو المكان الوحيد الذي يتوفر فيه بعض أغراض الطعام والمعيشة للأسرى، وتقوم في نفس الوقت برفع الأسعار بشكل مبالغ فيه عن الأيام الأخرى في غير رمضان؛ وذلك لإرهاق الأسرى مالياً، واستنفاذ مخصصاتهم المالية التي تصل إليهم من ذويهم، لعلمهم بأنه ليس هناك بديل أو خيارات أخرى أمام الأسرى، وتفرض عليهم كذلك شراء أصناف محددة قد لا يرغب بها الأسرى إضافة إلى رفض إدخال مبلغ إضافي للأسرى في شهر رمضان من أجل تمكينهم من شراء احتياجاتهم الأساسية، وذلك إمعاناً في التضييق عليهم.
الأشقر: تقوم مصلحة السجون بتنفيذ تنقلات بين الأقسام والسجون لعدد من الأسرى في رمضان؛ لخلق حالة من الإرباك لدى الأسير، الذي يحتاج لعدة أسابيع حتى يتكيف مع الوضع الجديد
وبين الأشقر بأن من أساليب التنكيد على الأسرى خلال رمضان هي قيام الإدارة بمصادرة المراوح من غرف الأسرى، حيث يأتي رمضان فى فصل الصيف، وهذا الأمر له مردود سيء على الأسرى، وخاصة في السجون التي تقع في الأجواء الصحراوية، حيث الحرارة والرطوبة مرتفعة وتزداد صعوبة مع الصوم، مما يحول الغرف إلى حمامات من البخار.
وأشار الى تنفيذ تنقلات بين الأقسام والسجون لعدد من الأسرى لخلق حالة من الإرباك والتوتر لدى الأسير، الذي يحتاج لعدة أسابيع حتى يتكيف مع الوضع الجديد، إضافة إلى مضاعفة عمليات عرض الأسرى على المحاكم؛ لما فيها من معاناة وتعب لساعات طويلة وخاصة في رمضان، وقد يرافقها اعتداء على الأسرى.
وإمعاناً فى التضييق على الأسرى أوضح أن مصلحة السجون تمنع إدخال الأغراض الخاصة بشهر رمضان كالتمور وزيت الزيتون والحاجيات التي يستخدمها الأسرى لصناعة الحلويات، والتي تحضرها المؤسسات المختصة أو الأهل خلال الزيارة، ورفض كذلك السماح للأسرى بشراء بعض الأغراض من خارج السجن عبر المحامين والتي لا توجد في كنتين السجن.
وطالب الأشقر بضرورة التدخل لوقف اعتداءات الاحتلال على الأسرى خلال هذا الشهر الفضيل، وتوفير أجواء مناسبه لهم؛ لإقامة الشعائر الدينية التي تخص المسلمين في هذا الشهر، وتوفير كل مستلزمات الحياة لهم.