في أجواء روحانية يسودها الإقبال على الله بالعبادات المكثفة، يستقبل المسلمون في البوسنة والهرسك شهر رمضان المبارك، بهذه العبارات بدأ الأستاذ والإمام نياز آغنهوجت (Nijaz Aganhodžić) حديثه مع (بصائر) حول أجواء شهر رمضان المبارك وواقع المسلمين في البوسنة.

وقال الدكتور والباحث البوسنوي خير الدين هوجيتش (Hajrudin Hodžić) لـ(بصائر): "إنَّ مسلمي البوسنة والهرسك يستعدون لشهر رمضان المبارك من خلال تهيئة البيوت وتخطيط مبرمج لقضاء هذا الشهر الفضيل في أجواء مليئة بالعبادة والتضرَّع لله تعالى".
وتابع بالقول: "من بين الأدلة التي تؤكد مدى حرص المسلمين في هذه البلاد على استغلال رمضان فإنَّ بعض المسلمين العاملين في القطاع الحكومي يتقدّمون بطلب الإجازة عن العمل ليتفرّغوا للعبادة حتّى يشعروا بالأجواء الرمضانية على النحو المطلوب".
تلاوة القرآن الكريم
في حديثه لـ(بصائر) يوضح الأستاذ نياز أنَّ قراءة القرآن من أبرز العبادات التي تمارس خلال رمضان بعد صلوات الظهر والعصر، وتسمَّى هذه العبادة المقابلة، حيث يقوم أفضل القرَّاء بقراءة القرآن، ويستفيد المسلمون البوسنة من هذه العبادة بما أنِّ البوسنيبن لا يتكلّمون العربية ومنهم من لا يجيد تلاوة القرآن الكريم.

بدوره، قال د. خير الدين: "شهر رمضان هو شهر القرآن، وتوجد في البوسنة، وفي غيرها من دول البلقان، عادة تسمَّى بـ"المقابلة"؛ وهي قراءة كل يوم جزء من القرآن؛ إمَّا عن ظهر غيب، وإمَّا قراءة من المصحف من طرف إمام المسجد والحاضرون يتابعون وهكذا ينهون ختمة القرآن خلال رمضان. يكاد لا يخلو مسجد، سواء كان في المدينة أو القرية إلاّ وفيه مقابلة، وهي تعتبر أحسن طريقة لمدارسة القرآن خلال رمضان المبارك".
صلاة التراويح
في حديثه لـ(بصائر)، يؤكّد الإمام نياز على أنَّ مسلمي البوسنة يحرصون على أداء صلاة التراويح في المساجد، وفي الأماكن تفتح فقط بمناسبة قيام صلاة التراويح، وذلك بسبب الإقبال الكبير على أداء هذه الصلاة.
من جهته، قال د. خير الدين: "من فضل الله على مسلمي البوسنة أنَّ الطقس هذه السنة خلال شهر رمضان كان معتدلاً ولطيفاً ساعد الصَّائمين كثيراً على أداء فريضة الصوم.كان الجو حاراً في السنة الماضية، وقد أجبر المصلين في بعض المساجد للخروج إلى باحة المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح في الهواء الطلق هرباً من شدَّة الحرارة والزحمة في المساجد وهو ما لاقى ترحيباً خاصة بين فئة الشباب، إذ وجدوا فيه شيئاً جديداً لم يألفوه من قبل".
ويضيف: "بما أنَّ مسلمي البوسنة يصومون أكثر من 18 ساعة في اليوم، فإنَّ معظم الشباب يسهرون بعد صلاة التراويح منتظرين السحور، ثمَّ ينامون بعد أداء صلاة الفجر في المسجد".
برامج دعوية

يجد الدّعاة في البوسنة شهر رمضان المبارك فرصة جيّدة ومناسبة مفيدة للدعوة إلى الله ونشر تعاليم وآداب الإسلام بين المسلمين، انتشرت في المدن الكبيرة ظاهرة البرامج الحيَّة قبيل الإفطار أو بعد صلاة التراويح في الساحة الرئيسية في المدينة حيث تؤدى الأناشيد وتلقى كلمات الوعظ والإرشاد والناس يستمعون إلى كل ذلك ويستمتعون به.
وحسب د. خير الدين، فإنَّه تكاد لا تجد محطة تلفزيونية أو إذاعية لا تبث برامج دينية مفيدة فيها الكثير من الأساليب المبتكرة لشرح مبادئ الإسلام وأحكامه. وجميع العاملين في مجال الدعوة والجسم الديني ينشطون خلال هذا الشهر المبارك ويؤدون الزكاة على ما تحصلوا من معرفة الشريعة الإسلامية.
وممّا يبعث بالأمل ويبشر بالخير، يقول د. خير الدين لـ(بصائر): "إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ البوسنة والهرسك قبل عشرين سنة كانت دولة شيوعية، وأنَّ التدين فيها كان ضئيلاً جداً، فإنَّ هذه المظاهر التي ذكرناها تثلج الصدر وتبشر بالخير".

الإفطارات الجماعية
في حديثه لبصائر قال د. خير الدين: "النسبة لا بأس بها من مسلمي البوسنة الهرسك يقبلون على الصوم وصلاة التراويح في المساجد وتنظيم الإفطارات الجماعية والعائلية بهدف التقرّب إلى الله ونيل الثواب الأخروي وكذلك لتقوية صلة الرحم وعلاقات الصداقة مع الآخرين".
من جهته، أكّد الأستاذ نياز على أنَّ مسلمي البوسنة حريصون على إقامة الإفطارات الجماعية في المدن والقرى والبلدات، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء على تلك الموائد.
عادات خاصة

في البوسنة والهرسك تطبخ الأطعمة المتنوعة والخاصة خلال شهر رمضان المبارك، يقول الإمام نياز: "منها منها توبة؛ وهي أكلة مصنوعة من لبن وبيض وزبد.
ومن العادات الخاصة في رمضان، ولا توجد في غيره، كما يقول د. خير الدين: ومنها صنع بعض المأكولات، وخاصة صنع خبز يسمونه بـ"صومون" الذي يباع قبل الإفطار بساعة أو ساعتين، بينما ينتظر الناس، الصائمون وغير الصائمين، في الدور أمام المخابز حتّى يحصلوا على "الصومون" الطازج الذي خرج للتو من الفرن".
وحسب الأستاذ نياز، فإنَّ "الصومون" شيء متميّز في رمضان، ولا يتصوَّر الإفطار من دونه.