عند الحديث عن أعداء النجاح أو أسباب الفشل، يتبادر للذهن من الوهلة الأولى أننا نتحدث عن أسباب خارجة عن إرادتنا وأعداء يكيدون لنا المكائد في كل لحظة وحين؛ كي نسقط في فشل ذريع.
لكننا لم نفتش في أنفسنا عن ذلك، فالطبيعة البشرية تهرب دائما للأمام، فتأبى أن تلوم نفسها وترمي باللوم على الآخرين.
وإذا ما بقينا بهذه الدائرة فإننا سنبقي أنفسنا في دائرة الفشل، إذ إننا لم نعالج السبب وإنما بحثنا عن مبررات لذلك الفشل.
في هذه المقالة سنتناول أحد أهم أسباب الفشل لدى الكثير من الناس، ألا و هو التسويف، هذا العدو الذي قتل الكثير من المشاريع العظيمة والآمال العريضة.
ويعرف التسويف على أنه التأخير والمماطلة في تنفيذ المهام، خصوصا المجدول منها.
ومن أهم سمات ومظاهر التسويف تأجيل عمل اليوم إلى الغد، ومن ثم الدخول في دائرة التسويف.
وحتى نعالج التسويف بداخلنا لا بد لنا من معرفة أسبابه، فللتسويف أسباب عديدة أهمها:
عدم الوفاء من قبل الآباء بتنفيذ وعودهم لأبنائهم، أو عدم إنجاز الأعمال التي يقرونها في وقتها المحدد، يؤدي إلى تعود أفراد هذه الأسرة على عادة التسويف
• الأسرة التي تأصلت آفة التسويف في نفوس أبنائها، فهناك دور لكثير من الأسر لتعميق مفهوم التسويف، فنرى عدم الوفاء من قبل الآباء بتنفيذ وعودهم لأبنائهم، أو عدم إنجاز الأعمال التي يقرونها في وقتها المحدد، مما يؤدي إلى تعود أفراد هذه الأسرة على عادة التسويف.
• صحبة ضعيفي الهمة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، فقد يصاحب أحدنا صديقاً يعتقد أنه من الأصدقاء الجيدين لسبب أو لآخر، لكنه لا يعلم أن هذا الصديق يسحبه في كثير من الأحيان إلى مرض التسويف.
• بعض المؤسسات والمجتمعات، فقد تعمد بعض المؤسسات أو المجتمعات إلى تكوين فرق عمل تجمع ما بين أصحاب الهمم العالية وأصحاب الهمم المنخفضة بهدف إنجاز مشروع ما بشكل ثنائيات أو مجموعات، وذلك منطلق أن بعضهم يحمل الآخر فيتحقق المشروع بالوقت المناسب والكفاءة المطلوبة، لكن هذا غالبا ما يأتي بنتائج عكسية خصوصا إن لم يكن هناك ضوابط للعمل، فضعيف الهمة يفرغ نفسه للأعمال الفردية فلعله ينجز بعضاً منها ملقياً بحمل العمل الجماعي كله على كاهل الأشخاص ذي الهمة العالية، فيفتر الطرفان، كما أن الجنوح للأمر السهل (التسويف) هو أقرب للنفس البشرية من الجنوح للأمر الذي تراه صعبا (تحقيق المهام بمطلبيهما الوقت والكفاءة) وهنا يسحب الاثنان إلى الهمة المنخفضة، وكما يقال في الأمثال الشعبية (الصاحب ساحب).
كثير من المسوفين يتشككون في قدراتهم فيقومون بتأجيل البداية في المهمة خوفا من عدم تحقيق النتيجة الجيدة
• القلق أو الانقباض، فكثير من المسوفين يتشككون في قدراتهم فيقومون بتأجيل البداية في المهمة خوفا من عدم تحقيق النتيجة الجيدة.
• الاستسلام للكسل والجنوح للتراخي، فعدم محاسبة النفس يؤدي إلى الركون والراحة، فإن لم يحاسبها صاحب الهمة العالية فإنه ينتقل تلقائيا إلى خانة أصحاب الهمم المنخفضة.
• الاستهانة بالأمر والتعويل على الطاقات والمواهب التي حباها الله للانسان، وربما يقع بذلك الكثير من طلبة العلم، فيقول بنفسه هذا الباب من المادة لن يأتي في الامتحان لأنه تافه والمدرس لم يلق له بالاً أو أن هذه المادة سهلة لذلك سأقوم بتأجليها إلى وقت لاحق، ويبدأ في سلسلة التأجيل إلى يوم الامتحان فيقع فريسة التسويف.
• عدم المحاسبة والمتابعة من قبل المسؤولين، في بعض الأحيان يغفل المسؤول عن متابعة ومحاسبة مجموعة العمل لديه، فيركن الفرد بسبب ذلك شاعرا بقلة أهمية المشروع.
• عدم تقدير العواقب والآثار، ففي كثير من الأحيان يسيء الإنسان تقدير عواقب وتأثير التسويف على مشروعه، أو قد يسيئ فهم أهمية المشروع أو أهمية موقعه في المشروع.
وللتسويف عواقب وآثار وخيمة، نذكر منها:
• تضاؤل الإنتاج كماً ونوعاً في المؤسسات والمجتمعات التي تتفشى فيها تلك الآفة، لذلك وجب على أي مؤسسة أو شركة تسعى لمنتج منافس في السوق، أن تعمل للقضاء على هذه الظاهرة داخل مؤسستها.
• الندم وتأليب النفس في وقت لا يجدى معه الندم، ذلك أن الفرص في الغالب لا تتكرر وما فاتك لا يعود إليك والزمن لا يمكن استرجاعه.
• تراكم المهام وتزاحمها، فجميع البشر لديهم الكثير من الواجبات والمهام المطلوب منهم تنفيذها، فإن لم تنفذ بوقتها فإنها حتما ستتزاحم مع بقية المهام.
تزاحم المهام يشتت الأعمال فإما يضعف الإنتاج كما ونوعا، وإما يجر صاحب المهمة إلى التخلي عن جميع المهام الموكلة له أو بعضها
• الانجرار إلى التخلي عن بعض المهام أو جميعها، فتزاحم المهام يشتت الأعمال فإما يضعف الإنتاج كما ونوعا، وإما يجر صاحب المهمة إلى التخلي عن جميع المهام الموكلة له أو بعضها.
• السقوط الإداري، فعندما يطبع على شخص ما عدم قدرته على تنفيذ المهام، فحتما سيتحاشى مسؤوله توكيله بالمهام خوفا من خسارة المشروع، وبالتالي يضع المسوف نفسه في خانة الموظفين المهمشين، وهنا يسقط المسوف نفسه من لائحة الترقيات الوظيفية، أو ربما يصبح عرضة للتفنيش.
وحتى ننجح في أعمالنا لابد لنا من تحقيق المهام المطلوبة في وقتها المحدد لها، ولعل النقاط التالية تساعدنا في ذلك.
• التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة بذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله بهذه الأدعية في الصباح وفي المساء "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن، والهرم..." و "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال".
• المداومة على قراءة سير أصحاب الهمم العالية والإنجازات المتقدمة، فذلك له أثر كبير في النفس ويخلق بداخلها روح المبادرة وحب الوصول إلى ما وصل اليه أصحاب هذه الهمم من نجاحات.
حدث نفسك دائماً بأنك قادر على إنجاز المهام بوقتها المحدد وأنك تكره وتبغض التأجيل، فالزمن إذا ذهب لا يعود
• حدّث نفسك دائماً بأنك ستحقق المهمة بالوقت المحدد، فلا تختلق الأعذار لتقنع بها نفسك، فكلما حدّثت نفسك بذلك أكثر كلما استجاب لك العقل الباطن لديك وقام بتثبيطك، ولكن حدّث نفسك دائماً بأنك قادر على إنجاز المهام بوقتها المحدد وأنك تكره وتبغض التأجيل، فالزمن إذا ذهب لا يعود.
• لا تستهن بأية مهمة وذكّر نفسك بالعواقب المترتبة على التسويف، فالفرص التي بيدك اليوم قد تضيع منك غدا.
• تجنب مشاركة المهام مع المسوفين، فإن أعذارهم لا تنتهي وسيشغلونك عن إنجاز مهامك بكثرة الأعذار وتهوين الأمور، ومن ثم ستضيع وقتك بمحاولة إقناعهم بأهمية المهام ووجوب الإتمام في الوقت المحدد، وربما يؤثرون عليك بتسويفهم بدل أن تؤثر عليهم بهمتك.
• ذكّر نفسك بالعواقب المترتبة على التسويف، فإن ذلك له دور كبير في شحذ الهمة وتوقيد العزيمة.
• كافئ نفسك، بأن تجعل لنفسك برنامجاً شيّقاً عقب الانتهاء من جزئية في مهمة ما في وقتها المحدد، فإن ذلك يحفزك لإنهاء الجزئية في الوقت المحدد لتهدي نفسك ذلك البرنامج.
• اجعل لنفسك جدولاً لإنجاز المهام وآخراً لمتابعة الأسباب، فبذلك نستطيع محاسبة أنفسنا على التسويف ومعرفة الأسباب المؤدية له، ومن ثم الابتعاد عن السبب، وإليك هذا المقترح لهذين الجدولين.