وها هو هلال رمضان يستعد للظهور والتألق علينا من جديد، رمضان يأتي يتلوه رمضان، وككل عام ترى أحدنا يشمر ويجتهد أوله ويتراخى ويفتر آخره، ومن ثم يأتي الندم، وبعد ذلك تمني النفس هواها لرمضان التالي وكيف أنها يجب أن تجتهد، وقبيل رمضان بأيام يدخل ذلك الشعور المضطرب إلى النفس ما بين الشعور بالخمول والشعور بوجوب التغيير وزيادة المستوى الإيماني للنفس والإكثار من العبادات والتقليل من الملهيات وغير ذلك مما يعِد الإنسان نفسه به.
إن أكثر ما يضيع علينا الشهر ونحن نعد أيامه تهرب أمامنا سريعة هو عدم وجود خطة وبرنامج معد مسبقاً لهذا الشهر الفضيل، إن شهراً بوزن شهر رمضان لهو بحاجة إلى تخطيط بل إلى استثمار، ذلك الاستثمار الخلودي الذي قد يعتق أحدنا من عذاب النار إلى نعيم الجنة الأبدي الخالد.
ونحن اليوم على أعتاب الشهر، إلا أنه لم يبدأ بعد، لذا فإنه من الواجب على الحصيف أن يقف مع نفسه لحظة واحدة ليفكر فيها كيف سيكون أداؤه خلال الشهر الفضيل، وما هو برنامجه اليومي التفصيلي، على أن يكون ذلك البرنامج عملياً وواقعياً قابلاً للتحقيق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
إذا كنت صادق النية قوي العزيمة على التخطيط لهذا الشهر فإنه من الحزم أن تكتب كل أفكارك وترسمها على الورق، كي لا يكون كلامك أمنيات عابرة غير حقيقية
وإذا كنت صادق النية قوي العزيمة على التخطيط لهذا الشهر فإنه من الحزم أن تكتب كل أفكارك وترسمها على الورق؛ كي لا يكون كلامك أمنيات عابرة غير حقيقية أو أن تكون ممن يريد أن يتخلص من الشعور باللوم الدائم من النفس والعتاب الذاتي، فتراه يخطط أحلاما ويبني أوهاماً ذهنية، ويبقى يؤجل ويُسوّف إلى أن ينتهي به الشهر دونما عمل واحد يرجو به النجاة من النار.
ولمن أراد العون على أدائه لبرنامجه بعد أن يكتبه، عليه أن يتوجه إلى الله ويدعوه بصدق ويرجوه بإخلاص أن يعينه على هذا البرنامج وأن يتصدق بصدقة بنية تطبيق البرنامج فهذا أدعى للأداء وأقرب للوفاء بذلك العهد، وحبذا لو استطاع أن يشترك مع أحد في المنافسة وتطبيق البرنامج بعيداً عن الرياء ولو كانوا أهله.
ومن خلال تجربة الكثيرين فإن النفس ملولة لا تحب الالتزام الكثير وهذا يقودنا إلى وجوب تنوع البرنامج لا أن يكون نمطاً واحداً من أول الشهر إلى آخره.
عليك أن تحرص على أن يكون برنامجك مما يتناسب مع قدراتك وطاقاتك فأنت أعلم بنفسك فلا تحملها ما لا طاقة لها به ولا تكلفها ما لا تستطيع
وعليك أن تحرص على أن يكون برنامجك مما يتناسب مع قدراتك وطاقاتك فأنت أعلم بنفسك فلا تحملها ما لا طاقة لها به ولا تكلفها ما لا تستطيع فينقطع الحبل بك تقصيراً تلو تقصير إلى أن تهجر برنامجك بالكامل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع وخير العبادات ما كان أدومها وإن قل.
ومما يعين على التدرج هو تقسيم الشهر إلى مراحل إما أسبوعية أو كل عشرة أيام مرحلة مما اصطلح عليه بالعشر الأوائل والأواسط والأواخر، فبداية معتدلة هادئة تتلوها توسط في الاجتهاد استعداداً للمرحلة النهائية وهي العشر الأواخر والتي يجب عليك أن تبذل فيها وسعك من الاجتهاد والتشمير في العبادة.
وليس البرنامج للعبادة فقط، بل عليك أن تكون واضحاً مع نفسك في عدة أمور هامة مثل الأوقات التي ستقضيها على التلفاز أو على شبكة الانترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، فإن بعض الناس يرى أن أفضل ما يفعله في نهار رمضان هو قتل الوقت، ونسي ذلك المسكين أن من قتل وقته فكأنما قتل نفسه؛ لأن الوقت هو الحياة.
وكذلك مما يجب على النفس مراعاته هو ألوان وأصناف الطعام التي سيتناولها بعد أذان المغرب، فإن كثرة الطعام مما يفسد البدن ويقلل الهمة ويضعف العزيمة.
ختم القرآن ليس هدفاً بحد ذاته إذا ما قارنته بالتمعن والتدبر، فختمة ذات تدبر خير من ختمات دونما تدبر
ولا تنس أخي المسلم أن شهر رمضان هو شهر القرآن فاحرص كل الحرص أن تعيش مع القرآن حقيقة لا أن تعيش بين الصفحات دون الالتفات إلى المعاني، وختم القرآن ليس هدفاً بحد ذاته إذا ما قارنته بالتمعن والتدبر، فختمة ذات تدبر خير من ختمات دونما تدبر، وكذلك جاء الحث في هذا الشهر الكريم على العطاء والصدقة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جواداً كريما كالريح المرسلة وأجود ما يكون في شهر رمضان، ومن العبادات التي اختص بها اشهر رمضان بأفضلية عن باقي أيام السنة هي إحياء الليالي في العبادة والاعتكاف فلتجعل لها من برنامجك نصيباً مفروضاً.
وأخيراً لا تجعل من الصيام سبباً للفظاظة وسوء التعامل مع الناس فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في صيامه، فالأصل أن الصوم تهذيب للنفس والبدن على حد سواء، عجل بكتابة برنامجك ولا تقل فاتني القطار فلا يزال في الوقت بقية للخير.