رمضانيون في ظلال القدس

الرئيسية » بصائر تربوية » رمضانيون في ظلال القدس
quds7

ككل عام يا رمضان، تطل علينا و أنت تحمل في جعبتك الهدايا الربانية العظيمة، و لعلّ القدس أكثر أبنائك فرحاً بزيارتك السنوية المهيبة، فهي أكثر من تشكو هماً و حزناً، ولكنها عظيمة رغم كل ما فيها. فهي مازالت تبحث في هذه الأمة عن مصلٍ و داعٍ و قائمٍ يقسم على الله بإزالة الدمع عن قبابها، واستبدال وشاح الهم الذي يكسو شموخ مآذنها.

يستجمع المخلصون قواهم في رمضان و يكثفون الصيام و القيام و كافة أوجه الخير إضافةً إلى _المقاومة الميدانية_ لمواجهة العدوان الصهيوني الغاشم الذي ينتقم من أسلمة القدس، و يحاول تدنيس قدسيتها خاصةً في شهر رمضان المبارك.

و ربما يعتبر هذا من إحدى أنواع جهاد الكلمة الذي أمر الله عز وجل به عباده، والذي لابد أن يجلب النصر لمن يقوم به. حيث يقول الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد7].

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي في تفسير هذه الآية: "إذا شعرت أنك مخاطبٌ بها، وأنك معنيٌ بها فهذه إحدى علامات الإيمان". وحقيقةَ أشعرني هذا التفسير بمسؤولية عظيمة و مجالسة للنفس مهيبة، فماذا و العياذ بالله لو شعر أحدنا أنها ليست موجهةً له؟!

النصرة التي لا بد أن نقدمها لله حتى ينصرنا على عدونا هي نصرة على ذواتنا و شهواتنا، و تلك هي المعركة الأصعب، فقرار الجهاد ليس بالسهل؛ لأنه اصطفاء رباني

الكل يؤمن جازماً أن الله منزه عن الحاجة لأي شيء في أي شيء، وهذا يؤكد معنى"إن تنصروا الله" فالنصرة التي لا بد أن نقدمها لله حتى ينصرنا على عدونا هي نصرة على ذواتنا و شهواتنا، و تلك هي المعركة الأصعب، فقرار الجهاد ليس بالسهل؛ لأنه اصطفاء رباني لثلة مؤمنة كان أصحابها فرساناً بالنهار رهباناً بالليل، و ذلك الاختيار وقع عليهم نتيجة نجاحهم في الاختبارات الإيمانية و أهمها الاختبارات الرمضانية المجزية، فكانوا ممن صاموه إيماناً و احتساباً. و يعتبر رمضان فرصةً ثمينةً لولادة جنين النصرة من رحم الطاعات و العبادات.

كيف يعينني رمضان على نصرة الأقصى؟

إن الأقصى غرة المساجد الأسيرة التي لا بد و أن يسعى المسلمون كافة لدحض العدوان عنها؛ لما فيها من أهمية دينية و ميراث نبوي عظيم. و حتى يتحقق لنا ذلك لا بد و أن نكون في رمضان أذلة على الطاعة أعزة على المعصية و ذلك يتحقق عن طريق:

يظن البعض أن الجهاد هو فقط على أرض المعركة، وهم يفكرون بهذا الطريق لقصر فهمهم و عدم معرفتهم أن الطريق إلى الجهاد يحتاج منا إلى الكثير من المراحل و الأدوار حتى نتغلب على أنفسنا

1) الفهم الصحيح السليم: يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104] إن الفهم السليم و الدراسة الشاملة الوافية من أعظم الأمور التي تعين المؤمن على تحقيق مبدأ النصرة و التحرير، فالدين كله فكر و سمو، ولا حياة دون فكر سليم قويم. و إذا عطل المؤمن مدارج أفكاره فإنه غاص في لجج الشبهات التي ما أنزل الله بها من سلطان. و لعل هذا حال بعض شبابنا للأسف، فنراهم يظنون أن الجهاد هو فقط على أرض المعركة، و يحسبون أنهم سيقدمون الغالي و النفيس إذا فتحت الحدود، و أظن أنهم يفكرون بهذا الطريق لقصر فهمهم و عدم معرفتهم أن الطريق إلى الجهاد يحتاج منا إلى الكثير من المراحل و الأدوار حتى نتغلب على أنفسنا و نتمكن منه.

2) فهم الخصوصية الإسلامية لبيت المقدس: يقول الدكتور راغب السرجاني في هذا المقام: "إذا كان الشرع يفرض على المسلمين تحرير أية أرض إسلامية يحتلها العدو؛ فإن لأرض فلسطين خصوصية إسلامية تُضاعف الهمم لتحريرها، وتُلهِب الأشواق للاستشهاد على ترابها؛ فأرض فلسطين ليست كبقية أراضي المسلمين: فهي الأرض التي بارك الله تعالى فيها للعالمين، فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله وفي أكنافها يُرَابط المجاهدون الصادقون إلى يوم القيامة؛ فعن أبي أُمَامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (رواه أحمد و الطبراني).

3) تشكيل كيانات وحدوية: لا يحق للمسلم أن يجعل جهده مقتصراً على ذاته في خدمة قضايا الأمة، و خاصة قضية القدس؛ لأن المد الصهيوني و الحركات الداعمة له تعمل بكلتا يديها على طمس الفكرة التي مفادها أن القدس مدينة إسلامية.

إن تشكيل أنماط وحدوية تدعو إلى تأسيس جيل واعٍ مدركٍ لقضايا أمته من شأنه أن يدعم قضية الأقصى و يقويها

فالفرد يجب أن يعي أهمية الجماعة في مثل تلك القضية الجلل، و ذلك بناء على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ" (رواه البخاري). و عليه فإن تشكيل أنماط وحدوية تدعو إلى تأسيس جيل واعٍ مدركٍ لقضايا أمته، من شأنه أن يدعم قضية الأقصى و يقويها؛ لأننا بذلك نكون قد وحدنا البوصلة برؤىً صحيحة و منضبطة.

4) التشبث بباب الله راجياً و متوكلاً: فلنسعى أن يكون كل منا في رمضان لبنة من لبنات الإسلام وليقل: لن يؤتين الإسلام من قبلي، و عليه فإنه يجب بذلك أن نكون عمدة الدين و عضده فنبتهل إلى الله بالدعاء و القيام متيقنين أنه لاشك ناصرنا.

إن رمضان شهر انطلاقة العقول و التسامي بها، و ليس شهر التغافل و الحصر و الإغراق في الأمنيات و التقاعس عن العمل، ولا عمل دون فهم، ولا فهم دون معرفه. و كما يقال "ما بين غمضة عين و انتباهتها يغير الله من حال إلى حال".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية، مختصة بالتربية و مهتمة بالشأن الفلسطيني.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …