رمضان أجمل مع الأهازيج الشعبية!

الرئيسية » خواطر تربوية » رمضان أجمل مع الأهازيج الشعبية!
ramadan-children17

ربما تقف مشدوهاً وتنتفض روحك وأعصابك ومشاعرك أمام مشهد وجوههم التي تخط فيها التجاعيد حكايات تتمنى لو أن الزمن فسحتهم الكاملة ليحكوها لك بأصواتهم العتيقة ونبراتها التي تترنح بين الحنان والقسوة.

الحنين الذي لا يفسّر أحياناً تلمسه حين تقابل كبار السنّ في هذا الشهر بالتحديد، تلمس في أحاديثهم وتنهداتهم وبريق عيونهم حنيناً إلى الأيام التي ذهبت وأخذت معها البساطة في استقبال رمضان ومعايشته وتأدية شعائره، حنيناً خاصاً جداً يصحب تذكر أهازيجهم الشعبية التي كانوا يرددونها طوال أيام الشهر، كل قسم من شهر رمضان له أهازيجه الشعبية وطقوسه الخاصة ، والأغاني الشعبية التي يعيدونها أمامك بأصوات يخنقها حنين لذيذ وتتملكها بين وقت وآخر شهقات بكاء حقيقي، الأصوات التي ترتجف حين تأتي على معنى دينيّ مقتبس من فضائل رمضان في القرآن، وفضائله في دعم صلة الرحم، والتواصل الروحاني مع الله وكتابه الكريم.

شهر بديع في كل حلله:

لا يخلو رمضان في أي مكان كان من الأغاني الشعبية التي يرددها الكبار والصغار فتمنح معنى جديداً للقيم

لا يخلو رمضان في أي مكان كان من الأغاني الشعبية التي يرددها الكبار والصغار فتمنح معنى جديداً للقيم التي تتزاحم على هذه الأيام تحاول أن تأخذ فيها مكاناً فهي مشهورة بأنها تمر سريعاً، ولا يزال لهذا الطقس خصوصيته، مع أن تلك الطقوس أغلبها بدأت تتضاءل في ظل غزو التهاني الإلكترونية، والتواصل الافتراضي، المظاهر المجهزة مسبقاً، الفوانيس النحاسية والبلاستيكية، الزينة المضيئة...إلخ. بين كل ذلك تكاد تضيع أغاني الأطفال الرمضانية كـ (القرقيعان) أو (القرقعون) أو (القريقشون) أو (الوحوي) أو(الماجينا).

ولا تزال يمكنك أن ترى رمضان في صورته البديعة التي تميزه عن باقي الشهور، ترى أطفال العراق أو الشام أو الخليج أو المغرب العربي أو مصر ينطلقون بألعابهم المصنوعة من أدوات بسيطة ولو كان ذلك في أحياء نائية – أو فقيرة مع الأسف – لا يزال في أجوائهم بقايا مما يحن إليه الرمضانيون من كبار السنّ.

لم يكن وقتها هناك "هاشتاغ" يمكنه أن يمثل كل ما يحمله رمضان وما يقال فيه بل كانت المقولات تصل بالصوت والصورة والأبعاد الروحانية والتربوية كاملة، قبل أن يُختصر رمضان في "هاشتاغ" تفاعلي شهير، وتهنئة إلكترونية بديعة جداً بذل صاحبها الكثير من الوقت والجهد والتفكير لينشئها، وتسابق على أوائل خانات "الترند"، ومع أن رمضان بديع وروحاني ورائع في كل حلله  وهو بديع هكذا ويناسب عصرنا، إلا أنه عند الحديث عما يحنون إليه تجد نفسك فعلاً أمام لوحات ملموسة ومحسوسة يشبه حبها حب قضاء أيام في الريف بعيداً عن صخب العواصم والمدن، حيث الطبيعة والنقاء والبساطة، حيث العودة إلى الفطرة، لكن حكمة التغيير محت مثل هذه المظاهر من أماكن كثيرة.

أهل العراق – مثلاً - كانوا يعيشون ليلات (الماجينا) حيث ينطلق الأطفال للبيوت ويرددون أهزوجتهم: "ماجينا يا ماجينا، حلي الكيس وانطينا، انطونا الله ينطيكم، بيت مكة يوديكم" ويصرخون إذا لم يفتح لهم الباب: "يا أهل السطوح، تنطونا لو نروح".

وفي مصر فإن احتفالهم يبدأ من الليلة الأولى ورمضان مصر كمصر كبير، بهيج، مضاء، جميل، وصاخب يوقد الأطفال فيه الفوانيس ويرددون أغنيتهم التراثية: "وحوي يوحوي اياحا، وكمان وحوي اياحا"

أما بعض أهل الخليج، يحيل أطفالهم الليل مهرجاناً بالغناء وطرق الأبواب وعدم تركها قبل أن يحصلوا على الحلوى والمكسرات وخيرات رمضان، فيطرقون الأبواب ويرددون: "قرقيعان وقرقيعان، عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام، الله يخلي راعي البيت آمين" ويدعون لكل أهل الدار حتى تخرج الأم إليهم وتوزع خيرات رمضان عليهم.

والإمارات العربية بالتحديد تقيم ليلات أشبه بالمهرجان منذ منتصف شعبان يردد الأطفال أهازيج فيها دعاء وطلب وأمنيات وأدب: "انطونه حق الله، يرضى عليكم الله، جدام بيتكم دله، عسى الفقر ما يدله" لكنهم إن لم يفتح لهم الباب ويحصلوا على الحلويات يرددون ساخرين: "جدام بيتكم طاسه، وعجوزكم محتاسه"

فسحة للتربية والقيّم:

تحمل الأهازيج كمّاً كبيراً من الموروث الديني والأخلاقي الذي يدعم المعاني السامية التي يعمل الدين الإسلامي على ترسيخها بين أبنائه

وأغلب هذه الأهازيج يكتشف المتعمق فيها أنها تحمل كمّاً كبيراً من الموروث الديني والأخلاقي الذي يدعم المعاملة الحسنة، ورقة القلب، ونقاء السريرة، وصحة العبادة، والجود بالخيرات، وتقارب القلوب... إلى غيرها من المعاني السامية التي يعمل الدين الإسلامي على ترسيخها بين أبنائه ومعتنقيه في هذا الشهر وغيره.

فليست الأغنية أو الأهزوجة بشيء عابر إنما هي من أهم ما يمكن للشعوب إيصال القيم والأخلاق عبرها ، فهي أسلوب محبب للأطفال والكبار، وقريبة من القلب ويمكن أن تحفظ بسرعة.

أكثر الأهازيج الشعبية الرمضانية في أغلب البلدان العربية، تبناها الملحنون والكُتاب والمنتجون فقاموا بإضافة كلمات عصرية مناسبة تدور في إطار القيمة والهدف الذي تحملهما الأهزوجة، ثم أعادوا تلحينها وتسجيلها فصارت خالدة يرددها الكبير والصغير، وتصدح بها مكبرات الصوت في الأمسيات الرمضانية أنى أقيمت، والميزة للكلمات الرمضانية مهما خلا غيرها من القيمة فإنها تظل مصطحبة القيم في كل حالتها، لكن تظل للأهزوجة الأصيلة بهجة لا تضاهيها كل أساليب الحداثة والتطوّر.

وهكذا... في تلك الدائرة سيبقى الحنين للأمس مشتعلاً – وإن لم يبد سببه جلياً – ويظل التطور آخذا بالتقدم والسيطرة والتنمّر أحياناً... ولكن ما يهمّنا دائماً هو القيمة التربوية والأثر الطيب اللذان تحققهما فينا الأهازيج وغيرها.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الفن
  • رمضان
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

    شاهد أيضاً

    مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

    ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …