رمضان وصور من التأثير على النفس

الرئيسية » بصائر تربوية » رمضان وصور من التأثير على النفس
3705-1-or-1404402666-550x309

يا لأناقتك يا رمضان، ضيفاً كريماً تزورنا كل عام تربت على قلوبنا المضناة بكل حب وأمل، تسقي قلوبنا حلاوة القرب، وتذيقنا لذة الأنس، ولا يكفيك، فكذلك ترسم لنفسياتنا مساراً جميلاً يبهجها ويجعلها في شوق للقائك أكثر من ذي قبل.

فالحديث عن طرق إسعاد نفسياتنا لا يقتصر فقط على العلماء الغربيين بل انبثق أصله من تشريعاتنا السامية ولكن بأجواء أكثر تهذيباً وسمواً، حيث كان رمضان أصل الإسعاد والابتهاج النفسي، وذلك بلمسات إيمانية راقية تتناغم مع الفطرة البشرية بما فيها من قوة في مجالات ما، وضعف في مجالات أخرى.

رمضان شهر الحرية:

ربما كنا نظن مخطئين أن رمضان هو شهر القيد والفرض، بالرغم أنه بالحقيقة شهر الحرية والتنوع والانسجام؛ لأنه شهر التحكم وتصحيح الاعوجاج، فهو يمنعنا من الوقوع في سجن القيود المختلفة، ويجعلنا نتحرر من استعباد اللذات؛ لأن معركة الحياة بطبيعتها حولتنا لأسرى نجري فيها وفق إرادتها وتنظيمها.

وفي هذا الصددد يقول الدكتور مصطفى السباعي في مقال له بعنوان "رمضان شهر الحرية": "فما هذه الحرية التي تنقلب إلى عبوديةٍ لأهونِ ما في الحياة من قيمة ومعنى؟! لأجل حاجات يتصارع لأجلها الإنسان والحيوان؟! لئن كانت قيمة الإنسان بمقدار ما ينال من لذائذه، فإن الحيوان أكثرُ منه قيمة، وأعلى قدرًا.

رمضان شهر الحرية والتنوع والانسجام؛ لأنه شهر التحكم وتصحيح الاعوجاج، فهو يمنعنا من الوقوع في سجن القيود المختلفة، ويجعلنا نتحرر من استعباد اللذات

ليست العبودية قيدًا ولا سجنًا فحسب، فهذه أهون أنواع العبودية وأسرعها زوالاً، ولكن العبودية الحقة عادةٌ تتحكم، وشهوةٌ تستعلي، ولذةٌ تطاع، وليست الحرية هي القدرةَ على الانتقال من بلد إلى بلد، فتلك أيسرُ أنواع الحرية وأقلُّها ثمنًا، ولكن الحرية الحقة أن تستطيع السيطرة على أهوائك ونوازع الخير والشر في نفسك، وكذلك ألاَّ تستعبدَك عادةٌ، ولا تستذلَّك شهوة. {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [يونس: 62-64].

رمضان شهر السعادة

شرع الإسلام السعادة منهجاً له ينطلق به المؤمن إلى ما فيه الخير والفلاح، وقد جعل في هذا الطريق بعض المعوقات التي لابد لسالكه أن يتغلب عليها ليصل إلى ذروته، ومن هذه المعوقات أمراض القلب كالغل والحقد والهوى، وقد عمد الإسلام إلى تحفيز النفس في التغلب عليها تحديداً في شهر رمضان المبارك؛ حتى يتم تحقيق التوازن في المصالح والعلاقات بما يؤدي إلى إيجاد مجتمع فاعل متماسك متكافل.

جعل الله العبادات الجماعية التي من شأنها أن تدخل إلى السرور إلى قلب الآخرين من أعظم وأجل العبادات

وقد جعل الله تعالى العبادات الجماعية التي من شأنها أن تدخل إلى السرور إلى قلب الآخرين من أعظم وأجل العبادات، فقد استغنى الإسلام عن التفرد، ولم يجعل المظهر العام لرمضان إلا الجماعة والتآلف معها، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على صلة الأرحام وإقامة الولائم التي تغرس في المسلم الرفعة عن الصغائر وتجاوزها إلى ما هو أعمق وأجل، وها هو رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في ذلك: "مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" (رواه الترمذي وابن ماجه).

إن السعادة في أصلها عطاء يشعرك بشأنك وأهميتك في إحداث بصمة فارقة في المكان الذي وضعت فيه، ورمضان جاء لينمي هذا الحس المتذبذب في نفوسنا، فنرانا في رمضان نرفع مؤشر المسؤولية التضامنية في بناء المجتمع وازدهاره، فنرى العديد من الحملات التي تنطلق دعماً للفقراء والمحتاجين، وكل ذلك من شأنه أن يضفي لمسات حانية تغرقنا في السعادة؛ لأن الإحساس أصبح في أعلى حالات الرفعة. فالسعادة في رمضان اغتنام، فبه فقط نمر بمراحل تحلية نهارية ثم تخلية ليلية لنتلقى هدايا الله عز وجل من عتق ومغفرة.

الصيام يخلق تناغماً بين المصادر النفسية والقيم التشريعية، لذا فهو رائعة من روائع التشريعات الإسلامية المنبثقة من خالق مبدع يعلم مدى أهمية ذلك الأمر لعباده

إن الصيام يخلق تناغماً بين المصادر النفسية والقيم التشريعية، لذا فهو رائعة من روائع التشريعات الإسلامية المنبثقة من خالق مبدع يعلم مدى أهمية ذلك الأمر لعباده، الأمر الذي جعلنا نحتاج إلى ألف درس ودرس لندرك بعض اللمسات الفريدة منه، فالصوم مشقة مدروسة، شرعت لتدريب الناس على استنهاض ذواتهم وتجليها، إنه ليس خصماً للجسد بل هو غرس يؤتي ثمره كل حين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية، مختصة بالتربية و مهتمة بالشأن الفلسطيني.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …