أحداث مأساوية مؤسفة، شهدتها الضفة الغربية يوم أمس، راح ضحيتها عدد من القتلى، وعشرات الجرحى، نتيجة شجارات عائلية أو خلافات شخصية، رغم أننا نعيش ظلال هذا الشهر الكريم، وخصوصاً العشر الأواخر المباركة.
ومن الإجحاف أن نسلط الضوء على ما جرى أمس في يعبد ونابلس تحديداً، بعيداً عن الوضع الفلسطيني المأزوم في الضفة الغربية، حيث يعاني الفلسطينيون هناك من العديد من المشاكل والمصاعب.
من المسؤول؟
بالطبع المسؤول الأول وليس الوحيد عن هذا الأمر هو السلطة في رام الله، التي قامت بنشر ثقافة الطبقية والبلطجة والعصابات داخل المجتمع الفلسطيني. فهذا تابع للمسؤول الفلاني، وذاك للتنظيم الفلاني، وهذا يعمل في الأجهزة الأمنية وغير ذلك.
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية اليوم، أصبح يعلم جيداً، أن هناك فئات كثيرة باتت تستغل علاقتها بالسلطة في رام الله، لنيل مصالحها وتحقيق مآربها، وهو ما دفع الكثير من الناس إلى سلوك نفس الدرب، من حيث استخدام العنف في حل النزاعات، أو حتى الركون إلى وجود المسؤولين الذين يستطيعون التغطية على همجية البعض وعنفهم ضد أبناء شعبهم.
المسؤول الأول وليس الوحيد عن هذا الأمر هو السلطة في رام الله، التي قامت بنشر ثقافة الطبقية والبلطجة والعصابات داخل المجتمع الفلسطيني
عموماً، هناك أسباب أخرى يمكن أن أحيل هذه الأحداث عليها، ومنها:
1- تغييب دور المصلحين والدعاة داخل المدن والقرى، وهذا الأمر بات واضحاً بلا شك. فالسلطة حالياً لا تقوم بأي دور إصلاحي أو تربوي داخل المجتمع الفلسطيني، بل إنها اليوم باتت تحارب التوجه الديني وإصلاح النفوس والتربية بشكل لا شك فيه. ولا غرابة حينما تجد السجون "الفلسطينية" مليئة بالدعاة والمصلحين، ناهيك عن تجاهل وزارة الأوقاف لدور المساجد، فلا تخلو قرية أو مدينة في فلسطين من مسجد لا إمام له، بذريعة عدم وجود ميزانية مالية تكفي لتعيين أئمة جدد، الأمر الذي يؤدي إلى وجود متطوعين يديرون شؤون المساجد بالصلاة والخطابة، دون تخطيط أو تفعيل حقيقي لدور المسجد في إصلاح المجتمع وتوجيه أفراده وتربيتهم.
السلطة الفلسطينية حالياً لا تقوم بأي دور إصلاحي أو تربوي داخل المجتمع الفلسطيني، بل إنها اليوم باتت تحارب التوجه الديني وإصلاح النفوس والتربية بشكل لا شك فيه
2- انتشار البطالة والجشع في فرض الضرائب ورفع الأسعار، وهو ما يشكل ضغطاً نفسياً إضافياً على الناس، فقلة ذات اليد، وضعف الموارد المالية، ووجود الغلاء، وفشل سياسة السلطة المالية، كلها كفيلة بأن تجعل المرء عصبياً لا يحتمل أن يختلف مع أي أحد، ولهذا ممكن أن تنشأ شجارات لأتفه الأسباب والأمور، من باب تخفيف الضغط الداخلي.
3- سوء تعامل الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع القضايا المختلفة والنزاعات الدائرة، ووجود المحاباة في التعامل مع بعض المجرمين، بسبب مكانتهم الاجتماعية، أو وجود وانتشار الفساد والمحسوبيات بين أفرادها.
لا أحد معفٍ من المسؤولية!
إصلاح المجتمع وتوجيهه أمانة على كل فرد فلسطيني وواجب لا ينحصر بالسلطة الفلسطينية فحسب، بل يجب على الجميع كل في مكانه وتواجده، ومهما كانت الظروف والمعوقات.
مع بالغ الأسف، بتنا نجد أن البعض أصبح يستغل القمع الأمني تجاه بعض الدعاة، ليحمله مسؤولية تقصيره في توجيه مجتمعه، وتهدئة النفوس، وإيصال رسالة الخير إلى الناس. وكأن واجب الدعوة قد رفع عنه، وأن الله لن يحاسبه على ما تقصيره وتجاهله لمجتمعه.
بيئة الدعوة ليست وردية دائماً، وإن العراقيل التي تواجهها لا يمكن بأي حال أن تمنع وصول خيرها إلى الناس، وإن القعود عن مواصلة الدعوة هو مخالفة لمنهج الأنبياء
إن بيئة الدعوة ليست وردية دائماً، وإن الظروف والعراقيل التي تواجهها لا يمكن بأي حال أن تمنع وصول خيرها إلى الناس، وإن القعود عن مواصلة الدعوة هو مخالفة لمنهج الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، الذين لم يستكينوا ولم يضعفوا أمام ما واجههم من مصاعب ومتاعب.
إن على كل فرد وداعية في الضفة الغربية، أن لا يعلق تقصيره على شماعة التضييق الأمني، بل عليه أن يستغل أولاً مساحة الحريات الموجودة وإن كانت ضيقة، ثم إيصال رسالة الخير للناس بأي طريقة ممكنة، حتى لو كان بالتواصل الشخصي والعلاقات الاجتماعية.
إن الأحداث التي جرت يندى لها الجبين خصوصاً أنها لم تكن على ما يستحق الخلاف لأجله، وإن الناس الآن تبحث عمن يصلح لها أمر دينها، ويوجهها بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن الفصائلية التي قد تمنع البعض من تقبل الرسالة الصحيحة والعمل بها.
لا يشترط لعملي الدعوي أن يكون تحت مظلة الحركة أو الجماعة، فالأصل في الداعية أنه يعمل لله، ويسعى لإصلاح الناس إرضاء لله والتزاماً بأمره، وبالتالي فإن الضفة اليوم وفي ظل ما تشهده باتت أكثر احتياجاً للعمل الدعوي الحكيم، الذي يهدف إلى الإصلاح التربوي والديني والاجتماعي، فهؤلاء الناس، هم زاد المقاومة وحصنها، وأساس الصمود وقوته، ورأس الحربة في مواجهة الاحتلال وإفشال مخططاته.