أحداث تركيا.. والمفاتيح التي لابد أن نحصل عليها!

الرئيسية » بصائر الفكر » أحداث تركيا.. والمفاتيح التي لابد أن نحصل عليها!
turkey1717

فشل انقلاب تركيا، وانتصرت إرادة الشعب، وامتلأت الميادين بكافة أطياف الشعب التركي، معلنة رفضها القاطع لعودة الاستبداد والحكم العسكري لدولتهم، ورافعة شعاراً واضحاً، أنه لن يحكمني إلا من انتخبه شعبي وأوصله إلى سدة الحكم.

لم تكن محاولة الانقلاب في تركيا لاستبداد أمني، أو فساد اقتصادي، أو فشل في العملية السياسية وتداول السلطة، بقدر ما كانت ضربة توجه للشعب التركي على اختياره لمن يمثله، ومواقف نظامه الحاكم من القضايا الساخنة المختلفة المحيطة به، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية السورية، وكذلك الفلسطينية وغيرها.

وفي علم السياسة، فإن الانقلابات نادراً ما تقع على الأنظمة الديمقراطية، بسبب وجود نظام واضح لتداول السلطة، ومؤسسات تقوم بتطبيق القانون وحمايته، وقدرة على التداول السلمي للسلطة، وإبعاد الفئة الحاكمة حال فشلها بطرق سلمية كالانتخابات، مما يؤدي إلى تمسك الشعب بهذا النظام وحمايته.

وهذا الأمر هو ما حصل في تركيا تحديداً، فالجميع على اختلاف أطيافهم لم ينزلوا للشارع للدفاع عن أردوغان وحزبه، بقدر ما سعوا إلى الحفاظ على حريتهم من التضييق والمصادرة، ولنا في مصر مثالٌ واضحٌ مبين على نتائج الانقلاب وآثاره.

فرق واضح..

الإرادة الشعبية وحدها لا تكفي في بعض الأحيان لصد المدافع وطلقات البنادق

لا أبالغ إن قلت أن المحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا كانت بالغة التعقيد مقارنة بما جرى في مصر قبل ثلاثة أعوام. فمرسي آنذاك لم يكن يملك من الدولة شيئاً، وهو حديث عهد بدولة تتبع بكافة مؤسساتها للنظام البائد، وكانت تحاربه بكل ما تملك من قوة، الأمر الذي جعل الانقلاب عليه أمراً سهلاً رغم وجود تيار شعبي كبير داعم له، إلا أن الإرادة وحدها لا تكفي في بعض الأحيان لصد المدافع وطلقات البنادق!

أما في تركيا فنحن نتكلم عما يزيد من عقد مر على حكم حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي أدى إلى التغلغل في مفاصل الدولة، وحسن قراءة المشهد السياسي، والقدرة على تحقيق المنجزات الاقتصادية وغيرها، والتي تجبر المواطن على السعي لحماية الدولة، حتى لو كان معارضاً لها!
لذا أرى إنه من الإجحاف أن نقارن بين تجربة مرسي وحزب الحرية والعدالة في مصر والتي لم يمض عليها أكثر من عام في السلطة، مع تجربة حزب العدالة والتنمية، التي زادت عن عشرة أعوام.

المفاتيح المفقودة..

دائما ما نضرب الأمثال ونكيل المدح لتجربة حزب العدالة والتنمية التركي، إلا أننا في بعض الأحيان نغفل عن المفاتيح المهمة التي جلبت النجاح لتجربتهم، وحافظت على تركيا بأكملها من كيد العسكر والمؤامرة الدولية عليها.

إن لكل دولة بعض الخصوصيات والفروقات التي تجعلها تختلف عن غيرها. إلا أن التجارب تستحق أن تخضع للتأمل والدراسة، وليس فقط برفع الشعارات وصور الشخصيات. وفي الوقت نفسه، فإن نتائج الدراسات لا يمكن أن تكون مفاتيح فاعلة إذا لم نغيّر قناعاتنا بأننا قد نكون على خطأ في بعض تصرفاتنا وتفسيرنا للأمور.

المشهد السياسي لا يقرأ بحسن نية، ولا يتعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة وفق مبدأ التمس لأخيك عذراً

ومن أبرز المفاتيح التي نحتاجها:

1- حسن قراءة المشهد السياسي، والقدرة على التحليل ووضع سيناريوهات متعددة للأحداث المختلفة. فالمشهد السياسي لا يقرأ بحسن نية، ولا يتعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة وفق مبدأ التمس لأخيك عذراً. بل الأصل أن لا يتعامل المسؤول مع المؤسسات الأمنية، والأحزاب المختلفة وفق مبدأ حسن النية. فالمناصب مغرية، وإحسان الظن في قراءة المشهد السياسي، هو نوع من السذاجة، إذ يسهل على كل متآمر أن يحقق مراده بأبسط طريقة، وأسرع وقت. وهذا يتطلب وجود قناعة لدى أصحاب القرار بأن قراءتهم للمشهد غير نهائية، وما هي إلا محض اجتهاد، قد تتغير لتغير المعطيات والظروف.

2- سرعة اتخاذ القرار، والتكيف مع المتغيرات، ففي كثير من الأحيان، تعيش الحركات الإسلامية خصوصاً حالة قاتلة من البيروقراطية في اتخاذ القرارات السريعة، مما يؤدي إلى فوات المصالح، وهدر الطاقات، وتضييع الفرص.

3- الثقة، ووحدة الصف. فبلا شك أن حزب العدالة والتنمية يحوي آراء مختلفة، وتيارات متعددة، كحال أي حزب أو جماعة، إلا أن المهم مصلحة الوطن، والحفاظ على منجزات الحزب طوال السنوات المختلفة. لا أن أنقلب عليه، وأضيع إنجازاته، لمجرد خلاف شخصي مع هذا أو ذاك. بل إن المحزن المبكي، أن يعمل البعض على إفشال زميل الأمس، بحجة سوء فهم بينهما، أو خلاف شخصي نابع عن سوء في تفسير المواقف والنوايا.

الأمن والرفاهية والعدل، أسباب تحمي الدولة من كيد الكائدين، وتجعل مصلحة الدولة أهم وأعلى من حزب أو حاكم أو مسؤول

4- توفير موارد القوة، بحيث يكون معتمداً على التدرج التراكمي على مر السنين، وهذا يحتاج إلى الجمع بين الذراع الأمني وحمايته لأمن المجتمع، وبين تحقيق الرفاهية والقضاء أو خفض مستويات الفقر. بالإضافة إلى توفير حاضنة شعبية، وإعلام قوي يخدم جميع ما سبق. الأمر الذي يؤدي إلى تمسك الناس بالنظام والدولة، حتى لو لم يصوتوا لهذا الحزب أو ذاك، فالأمن والرفاهية والعدل، أسباب تحمي الدولة من كيد الكائدين، وتجعل مصلحة الدولة أهم وأعلى من حزب أو حاكم أو مسؤول.

5- التدرج في التغيير، فلا يمكن أن تتغير الأمور في يوم وليلة، ولا في سنة أو سنتين، وحال الحاكم وصاحب السلطة، كحال الطبيب، يبدأ بأشد الأمراض خطورة حال الطوارئ، ثم يختم بالجراحة التجميلية. ومن هذا المنطلق فالأصل أن يبدأ بالأهم، فالأقل أهمية، وهذا يحتاج إلى أربعة أمور، هي:

أ‌- حسن قراءة المشهد، بالتعرف على أبرز التحديات الداخلية والخارجية، وهذا بلا شك يختلف من دولة إلى أخرى. وبناء عليه، يتم رسم الخطة العامة للإصلاح والتغيير في المجتمع.
ب‌- وجود خطة واضحة لما يريده الحزب من وصوله إلى السلطة، تتضمن أهدافاً محددة، وإلا ضاعت الجهود سدى، واتسمت بالفوضى والعشوائية.
ج- تحديد الوسائل الموصلة إلى هذه الأهداف، والمراحل التي تمر بها، وأبرز المعوقات التي تعترضها، وسبل تجاوزها بشكل عام.
د- المراجعة والتقييم بعد انتهاء كل مرحلة من المراحل السابقة، للتجهيز للانتقال للمرحلة الثانية.

إن العزوف عن التغلغل داخل الوزارات والمؤسسات الحساسة، والمؤسسات الأمنية، هو بحد ذاته قتل لفكرة الرجل المناسب في المكان المناسب، وحرمان للحركة الإسلامية من توفر بعض الكوادر حال حاجتها إليهم في إدارة الدولة

6- التغلغل في دوائر الحكم، فالإسلاميون خصوصاً أو كثير منهم بشكل آخر، يعانون من مشكلة التعامل مع الأنظمة وتولي بعض المناصب الهامة داخل الدولة، مما أدى إلى غياب "رجال الدولة" بين صفوفها، الذين يفهمون كيف تدار الدول والحكومات، وطبيعة المشاكل والتحديات فيها. إن العزوف عن التغلغل داخل الوزارات والمؤسسات الحساسة، والمؤسسات الأمنية، هو بحد ذاته قتل لفكرة الرجل المناسب في المكان المناسب، وحرمان للحركة الإسلامية من توفر بعض الكوادر حال حاجتها إليهم في إدارة الدولة، مما يعني التعامل مع مبتدئين لا يفهمون الواقع، ويقعون بالكثير من الأخطاء، أو مع أناس آخرين، باعوا دينهم وذممهم، لأصحاب المال والنفوذ.

ختاماً.. ما ورد هو محض اجتهادات، والمفاتيح التي يمكن الحصول عليها من التجربة التركية كثيرة، وبرأيي الشخصي، فإن اليومين الماضيين، كانا كفيلين ببيان أثر أهمية هذه المفاتيح، في غلق باب الانقلاب، وتجنيب الشعوب مفاسده وكوارثه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …