إنه طفلك، أسره وحريته بيديك؟

الرئيسية » بصائر تربوية » إنه طفلك، أسره وحريته بيديك؟
children66

أذكر أنني قرأت ذات مرة في سيرة (ستيف جوبز) وهو مؤسس شركة (Apple) العملاقة أن بيته كان خالياً تماماً من الأجهزة اللوحية، وأنه كان يوفر لأبنائه الكثير من الألعاب التي تساعدهم على إعمال المخيلة، وتحفيز العقل، والحركة المستمرة، وهو يعلم جيداً أن هناك الكثير من الفوائد للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية التي اخترعها بنفسه، لكنه كان يمنعها عن أبنائه... لهدف واضح وبسيط أراه بشكل شخصيّ متمثلاً في أنه يريد أن يرفد المجتمع بأفراد منتجين، لا مستهلكين.

وبين أن تكون منتجاً وأن تكون مستهلكاً مسيرة ألف عام، قد يضطر الآباء أبناءهم للبقاء في أحد طرفيها بسبب تصرف عشوائيّ يعاملونهم به في فترة الطفولة، بسبب الضيق من كثرة حركتهم، أو كثرة طلباتهم للأشياء، أو باختصار: إيقاف الزنّ والغَلبة وتوتير الوالدين واستهلاك أوقاتهما، فيقوم الوالدان بأحد التصرفات العشوائية التي قد تؤذي الطفل باقي عمره كله.

أذكر أن المجال كان مفتوحاً لنقاش جدوى اللعب في تعليم الطفل وذلك حتى وقت قريب جداً، لكن الغريب أن التكنولوجيا الذكية والألعاب التي تحتوي عليها أصبحت هي الحل الذهبي لمعظم الآباء والأمهات بسرعة عجيبة، بغمضة عين أو فرقعة إصبع... كما يقال! بينما كانت تمثل الكارثة الكبرى لدى آباء آخرين خاصة هؤلاء الذين لا يستطيعون توفير هذه الأجهزة للأبناء بسبب وضع مادي خاص، أو طموح بتربية أطفالهم بشكل معين.

السلاحٌ ذو الحدّين:

إن من واجب الوالدين عدم ترك الطفل مع التكنولوجيا طوال الوقت حتى لا يصبح أسيرها للأبد بلا جدوى

بجانب سلبياتها الكثيرة فقد أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن الألعاب الإلكترونية لها فوائد أيضاً تجعل من غير المنطق منع الطفل عنها بشكل قطعي  ؛ فعلى الأقل يقول المنطق حال استقراء مستقبل العالم أن المستقبل للتكنولوجيا بامتياز، وعليه فإن من واجب الوالدين عدم ترك الطفل مع التكنولوجيا طوال الوقت حتى لا يصبح أسيرها للأبد بلا جدوى، بل تقنين تعامله معها وتوعيته لأهداف الحياة منذ تعرفه عليها حتى يستثمرها ويستغلها عن آخرها.

وحسب الدراسات الحديثة فإن سلبيات التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية يمكن تصنيفها في عدة بنود قد تفاجئ الوالدين، ولأنه من الصعب إقناع الوالدين بالقراءة عن كل ذلك وتوعيتهم به، فإن الأكثر جدوى هو الوصول للطفل عن طريق التكنولوجيا، حتى نخفف من السلبيات التي توصلت إليها الأبحاث بقدر الإمكان وإليكم بعض السلبيات:

1. صناعة طفل عنيف يحب الجريمة ولا يبالي بحقوق لآخرين ولا يحترم ممتلكاتهم وخصوصياتهم، أو منعزل لا يهمه ما يدور حوله، أو أناني يهمه إشباع حاجاته ولا شيء آخر، أو محتال يمكن أن يفعل أي شيء لينفق على تلك الألعاب والأجهزة ويحصل على ما يريده من خلالها.

2. المضمون السلبي الذي يجعل الطفل مستسلماً كسولاً يريد الاستمتاع والترفيه فقط، أو المضمون الذي يحمل قيماً مخلة بالدين والعادات والتقاليد، وتقتل في الأطفال روح الانتماء وحب الخير، بل قد تجرهم إلى الرذيلة، وحشو أفكارهم بما يضرهم.

3. التسبب بآلام صحية ونفسية كثيرة في الأصابع والنظر والرقبة والعظام والمفاصل، إلى جانب الإجهاد والاكتئاب والعصبية والقلق، وسوء التغذية والبدانة.

لا يمكن إغفال الجانب الإيجابي الذي تدعمه تلك التكنولوجيا التي اقتحمت حياتنا واستولت على عقول أبنائنا.

ولا يمكن إغفال الجانب الإيجابي الذي تدعمه تلك التكنولوجيا التي اقتحمت حياتنا واستولت على عقول أبنائنا، ولعل أهم هذه الإيجابيات ما يلي:

1. تطوير روح المبادرة والتخطيط والمنطق، والمشاركة والتنافس، والإسهام في التآلف مع التقنيات الجديدة، والتعامل مع الآلات باحتراف.

2. تحفيز عمليات الإبداع، ودعم اتخاذ القرارات، وتحسين الفهم والمهارات الإدراكية وتطوير مهارة الاستماع إلى الأصوات المختلفة والانشغال بعدة أشياء في نفس الوقت.

3. تنمية الذاكرة ودعم سرعة التفكير، وتحفيز التركيز والانتباه، وتنشيط الذكاء، لأنها تقوم على حل الأحاجي أو ابتكار عوالم من صنع المخيلة.

حلول وسط أو أفكار جديدة:

مؤخراً... ظهرت تطبيقات تمنع الطفل من الاستمرار في اللعب والتعامل مع الجهاز اللوحي قبل أن يقوم بحل سؤال أو ذكر معلومة أو تسجيل صوت بالإجابة كل خمس دقائق مثلاً، وفي ذلك مجال لتنمية المهارات وقطع الطريق على الطفل حتى لا يضيع وقته في النشاط غير المفيد، وتربية الطفل وإقناعه تبدو مهمة صعبة نوعاً ما، لكنها تصبح أسهل إذا ركز الوالدان طاقتهما وعملهما عليها، إلى جانب الاستعانة بالوعي المستمر والمتابعة الدائمة لتجارب الآخرين ونصائح الخبراء.

هناك بعض الحلول للتقليل من تعلّق الأطفال بالتكنولوجيا، تقوم أساسًا على الحدّ من استخدام الأطفال للهواتف الذكية والكمبيوترات المحمولة، وينصح التربويون بما يلي:

1. تفعيل المراكز الثقافية يقوم بدور كبير جداً في اكتشاف مهارات الطفل وتنميتها  .

2. ممارسة التمارين الرياضية التي تحافظ على رشاقة جسمه، وتخرج الطاقة الكامنة.

3. الكتب والمجلات الملونة تجذب نظر الأطفال، وتبعدهم عن التكنولوجيا  .

4. قراءة القصص المسلية، لغرس حب القراءة بداخله.

5. الرسم يخرج طاقة الطفل الكامنة كما يساعده على التخيل والإبداع  .

6. البرامج المفيدة والتعليمية توسّع مداركهم وتكسبهم ثقافة مبنية على الأخلاق والقيم الراقية.

الطفل كائن بسيط جداً يمكن للوالدين السيطرة عليه وتعليمه بسهولة وبساطة في مراحل عمره الأولى

الطفل كائن بسيط جداً يمكن للوالدين السيطرة عليه وتعليمه بسهولة وبساطة في مراحل عمره الأولى، فهو أشبه باللوح الأبيض الذي يمكنهما كتابة ما يشاءان عليه، أو العجينة اللينة التي يمكنهما تشكيلها كما يشاءان كذلك. وهذا يجعل المهمة تبدو أسهل مما لو تركاه إلى حين وصوله لسن متقدمة يصعب خلالها السيطرة عليه، وتغيير ما قامت الأنشطة غير المنهجية والتكنولوجيا التي تحيطه بوفرة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …