الانتخابات البلدية الفلسطينية.. واقع وأبعاد

الرئيسية » بصائر الفكر » الانتخابات البلدية الفلسطينية.. واقع وأبعاد
29_voting

ستشهد كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في بداية أكتوبر/ تشرين الثاني المقبل، أول انتخابات بلدية تجمع بينهما منذ عام 2005، والتي كانت آنذاك إحدى المؤشرات الحقيقية على خيارات الشعب الفلسطيني وتطلعاته ورغبته بالإصلاح والتغيير في جميع المؤسسات التي تمثله وتدير شؤونه.

لكن هذه الانتخابات تأتي في وقت حساس للغاية، حيث تنعقد للمرة الأولى في قطاع غزة، بعد أن فازت حماس بجزء كبير منها، في حين تعقد للمرة الثانية في الضفة الغربية، حيث عقدت في العام 2012، وسط مقاطعة لحركة حماس، وشبه غياب لباقي الفصائل الفلسطينية باستثناء حركة فتح.

وهذا بلا شك جعل حركة فتح المهيمنة على جميع المجالس القروية والبلدية نظراً لغياب المنافس، بل تميزت انتخابات عام 2012 في الضفة الغربية بعدم وجود انتخابات حقيقية؛ لانعدام المنافس. فوفق لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية فقد حسمت 61% من الهيئات المحلية بالتزكية، وغالبها باسم حركة فتح مما يدلل على أن تلك الانتخابات في الضفة لم تأخذ طابع التنافسية الذي نالته عام 2005.

وفق لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية فقد حسمت 61% من الهيئات المحلية في الضفة الغربية بالتزكية، وغالبها باسم حركة فتح في انتخابات عام 2012

وهذا الأمر ألقى بظلاله على طبيعة المشاركة التي لم تتجاوز 55%، بل بقيت 82 هيئة محلية دون وجود مرشحين للانتخابات، مما يؤكد على وجود عزوف عن المشاركة السياسية، خصوصاً بعد انقلاب فتح على نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية.

ورغم كل ذلك، من غياب الصوت المعارض، وعدم وجود حرية سياسية حقيقية، فإن فتح خسرت في بلديات كبرى، كنابلس وجنين، وبيت جالا وبيت ساحور في بيت لحم لصالح مستقلين أو منشقين عنها، قد لا يختلفون معها في البرامج والأطروحات السياسية إلا أنها حملت مؤشراً بالغ الأهمية يمكن الحديث عنه في الانتخابات الحالية، خصوصاً أن بعض البلديات الكبيرة، لم تفز فيها فتح بأريحية، بل شهدت حالة من التنافس والندية، إلا أن المشهد العام أشار إلى اكتساح فتحاوي للهيئات المحلية في الضفة الغربية.

مشهد محتقن..

حتى هذه اللحظة فمشهد المجالس القروية والبلدية غير مشجع البتة، خصوصاً في ظل حالة الفشل الواضحة للعيان في أغلب هذه المجالس، فبعض المحافظات في الضفة، تعاني من مشاكل في الكهرباء وانقطاع قد يفوق ثماني ساعات يوميا، في حين تعاني الأخرى من مشاكل في مياه الشرب، ناهيك عن أزمات النظافة، والطرق والخدمات، وغيرها. ويضاف إلى ما سبق، الكشف عن فساد كبير بملايين "الشواقل" في عدد من البلديات الكبيرة، مما أوجد حالة من انعدام الثقة بين المجتمع الفلسطيني والهيئات المحلية التي تمثله بشكل عام.

تكمن المشكلة الأكبر، في كون البلديات عبارة عن وسيط بين وزارة الحكم المحلي، والشعب من جهة، ومنظمات أمريكية وأوروبية والمجتمع من جهة أخرى، لذا فهي لا تملك من أمرها شيئاً البتة

وتكمن المشكلة الأكبر، في كون البلديات عبارة عن وسيط بين وزارة الحكم المحلي، والشعب من جهة، ومنظمات أمريكية وأوروبية والمجتمع من جهة أخرى. فالبلديات لا تستطيع أن تقيم أي مشروع لانعدام الميزانية، وفي حال وجود بعض المال، فإنه يذهب إما في أمور هامشية، أو في جيوب بعض المسؤولين فيها!

لهذا فالمجالس المحلية تنتظر صدقات ال”usaid” وغيرها من المؤسسات التي لا تقيم أي مشروع دون موافقة من قبل الاحتلال الصهيوني، وفي الوقت نفسه، فإنها تحصل على الكهرباء من الاحتلال، وفي بعض المناطق فإن المياه مربوطة بالاحتلال أيضاً، مما يعني أن الفلسطينيين لا يعيشون في دولة ولا حتى دويلة!

وهذا كله ضرب مصداقية هذه المجالس أمام عموم الشعب الفلسطيني، إذ لا تملك من أمرها شيئاً البتة، سوى بعض المشاريع التي تقرها وزارة الحكم المحلي، بموافقة من الاحتلال الصهيوني فحسب، الأمر الذي جعل عضو هذه المجالس لا يتمتع إلا بمكانة ومنصب اجتماعي فحسب!!

متغيرات جديدة

بلا شك أن هذه الانتخابات ستكون مختلفة كلياً عما سبقها، للعديد من الأمور، أبرزها إجراؤها في غزة والضفة، مما يعني أن التحدي سيكون أكبر وأقوى، وفي الوقت نفسه فإن إعلان حماس عن المشاركة في هذه الانتخابات يعتبر دافعاً إضافياً للمشاركة والتنافس خلافاً لما حصل عام 2012.

لكن بعيداً عن العاطفة، وعن حرصنا على إجراء الانتخابات في جميع محافظات الوطن، إلا أن هناك العديد من الملاحظات التي يمكن أن تمثل متغيرات، أو وجهة نظر حول واقع هذه الانتخابات، ومنها:

- هناك حالة عزوف واضحة ويأس مطلق لدى فئة من الشارع الفلسطيني من كافة العملية الانتخابية، خصوصاً أنهم شاهدوا كيف انقلبت سلطة رام الله على نتائج الانتخابات الفلسطينية المحلية والتشريعية، وكيف أجبر أعضاء الهيئات المحلية من حماس على الاستقالة، وسدت في وجوههم كل الطرق الممكنة، بالإضافة إلى أن مشاكل البلديات لا تتوقف على شخص هنا أو هناك، بقدر ما تتعلق بدور البلديات الذي لا يمثل إلا وسيطاً فحسب كما أسلفت سابقاً.

قرار مشاركة حماس في الانتخابات هو قرار سليم، وهو من باب أن الحركة موجودة، وأبناؤها لهم الحق في اختيار من يمثلهم، وهو قرار حكيم طالما أنها لا تخوض وفق قوائم واضحة باسمها في الضفة الغربية

- قرار مشاركة حماس في الانتخابات هو قرار سليم، وهو من باب أن الحركة موجودة، وأبناؤها لهم الحق في اختيار من يمثلهم، وهو قرار حكيم طالما أنها لا تخوض وفق قوائم واضحة باسمها في الضفة الغربية. فالمشاركة وفق قوائم واضحة بحد ذاته ضربة للحركة من جانبين، الأول: انحسار الشعبية وضعفها، بسبب عدم وجود مناخ مناسب من الحرية السياسية، ناهيك عن القبضة الأمنية والتنسيق الأمني الذي ما زال خنجراً يطعن في خاصرة الشعب الفلسطيني. أما الجانب الثاني، فهو خسارة الكوادر، في أمر لا ينتج عنه أي تغيير ملموس، ولا يعتبر أمراً مفصلياً أو محورياً. فأبناء حماس يحتاجون إلى رفع الظلم عنهم وإيقاف مسلسل الاعتقال السياسي والفصل من الوظائف، وهذا كله لم يتوفر حتى هذه اللحظة.

- هناك حالة من السخط من تسلط فتح واستيلائها على المجالس والهيئات المحلية، خصوصاً الكبيرة منها، وفي ظل حالة الفشل والتخبط الذي تعايشه، فإننا سنشهد في هذه الانتخابات العديد من القوائم، التي باتت تخرج عن حكم العشيرة والتوافق القبلي، وعن قوائم فتح الرسمية، وهذا بدوره يعتبر حراكاً سياسياً داخلياً ويأساً مما وصلت إليه الأوضاع، رغم حالة المقاطعة الشعبية التي أتوقعها للانتخابات القادمة. ولهذا حري بمراكز الدراسات والمتابعين أن يدرسوا عن كثب ما ستسفر عنه نتائج انتخابات التجمعات السكانية الكبيرة لفتح في الانتخابات المقبلة في الضفة خصوصاً، وما ستحصل عليه حماس في غزة خصوصاً، إذ كلاً منهما سيعطيان مؤشراً ولو أولياً على مدى الشعبية التي يحظى بها كل منهما في المناطق الخاضعة تحت سيطرتهما منذ فترة.

حري بمراكز الدراسات والمتابعين أن يدرسوا ما ستسفر عنه نتائج انتخابات التجمعات السكانية الكبيرة لفتح في الانتخابات المقبلة في الضفة وما ستحصل عليه حماس في غزة

- ما زال الناخب الفلسطيني في الضفة واقع تحت العديد من المؤثرات التي ستضغط عليه حال شارك في هذه الانتخابات. فالخوف على الرزق، والحرص على المصلحة، وتجنب الضغوط في العمل ومناحي الحياة، أمور ما زالت تزيد في الضفة يوماً بعد يوم، في ظل وجود عصابات خاصة بالمسؤولين وأتباعهم، المنتشرين في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، والذين يعنون بمراقبة كل من يقف أمام توجهات السلطة ورغباتها.

ختاماً.. فإن الأيام القادمة مليئة بالمفاجآت، لكن لا أتوقع أن تكون هذه الانتخابات ذات أي تأثير على الواقع الفلسطيني، صحيح أن فيها رجوعاً للشارع الفلسطيني وأخذ رأيه، إلا أن هذا الأمر لن يؤتي أكله، طالما ما زال سقف الحريات السياسية منخفضاً، وطالما ما زالت البلديات خاضعة لرحمة السلطة والاحتلال والداعمين الدوليين وغيرهم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …