خواطر فلسطينيّة في ليلة القدر

الرئيسية » بصائر الفكر » خواطر فلسطينيّة في ليلة القدر
_DSC5190

مع بعض صفاءٍ في الذّهن وهدوء في القلب، في ليلة مباركة تهيم في النّفس خواطرٌ "اصطدتُّها" قبل أن تتلوّث، لعلّي أحظى بشيء من البركة!

  1. تبدأ بالقدس بوصلة الصّراع، فأيُّما معركةٍ افتُعِلت في ميدان غير القدس فإنّما هي انحراف عن البوصلة، وتيهٌ في طريق الضلال لا رجعة عنه.
  2. ولمّا كانت هي البوصلة؛ فإنّ القدس لن تتحرّر إلاّ بسواعد الحرائر والأحرار من شعبنا ومن أمّتنا، أحرارٌ حريّتهم سقفها السماء، لا يخضعون لطاغية، ولا يهينون لمستبدّ، ولا يتعايشون مع فاسد؛ لذلك نحن مع حريّة شعوب أمّتنا وحقّهم في اختيار مساراتهم، ومع ثوراتهم النقيّة من شوائب التطرّف الأعمى، والفرقة والتشرذم المهلِك، ونسقي معهم ربيعهم حتى يثمر زَهر نصرهم!
  3. نوقن أنّ مهر الحريّة غالٍ؛ لكنّ شلاّل الدمّ النّازف في الأمّة إنّما هو عبثٌ في مصيرها واستنزاف لإمكاناتها ومواردها وطاقاتها في المسار الخاطئ، يتحمّل مسؤوليته الطغاة الفاسدون "النّيرونيّون"، الذين يريدون حرق بلادهم وبناء قصورهم على ركام دمارها، ويقتلون شعوبهم لينصبوا عروشهم على جماجمهم وجثثهم!
  4. ومن جهةٍ أخرى؛ ندين بكلّ قوّة هذا العنف والقتل في الأمّة وشعوبها الذي يغذّيه فكرٌ متطرّف لا يمتّ للإسلام وتراث الأمّة وروح الإنسانيّة بصلة، بل تقف وراءه جهاتٌ مشبوهة تعمل ضدّ الأمّة بكل توجهاتها، ودمّرت وهشّمت وشوّهت صورة الإسلام البرّاقة بالدّم الحرام.
  5. بيْد أنّ خلف أكّمة هذا الرّكام من القتل والدماء والدّمار والتهجير والعنف والتطرّف أفقٌ رحبٌ مشرقٌ مزهرٌ من الأمل ووعد الله بالنّصر والفرج؛ هذا الأمل حقيقة وليس حلماً أو خيالاً أو وهماً.
  6. فهذه غزّة الصامدة الصابرة المحاصرة من عشر سنوات ما زالت شوكةً في جنب الصهاينة؛ فكتائبها وصواريخها وأبابيلها شواهدٌ على عزيمةٍ تحاكي الأساطير، وشبابها وشابّاتها وحفّاظها ومساجدها ومدارسها وجامعاتها ومعاهدها و"محرّراتها" وإعمارها كل هذا يروي ملحمة إبداع كأنّه الخيال!
  7. أمّا الضفّة التي حاول الصهاينة وأذنابهم "المنسّقون" تركيعها وتصفيتها، حتى كادت تُنسى من قاموس الثورة والمقاومة؛ ها هي تنتفض بالسيّارة والسكّين والبندقيّة في وجه الجيش الصهيوني وقطعان المستوطنين. وها هم شبابها وشابّاتها الذين ولِدوا وترعرعوا في كَنف أوسلوا لينبتوا "فلسطينياً جديداً"، لا يعرف إلاّ الوظيفة والراتب وبطاقة الـ V.I.P ها هم يعزفون لحن المقاومة من "جديد" بسكاكينهم وسيّاراتهم وبقايا بنادقهم!
  8. وها هي القدس "عنوان السماء" تقف شامخةً بمرابطيها ومرابطاتها، رغم الجدار والحصار والتهويد، وها هي تكبيرات أقصاها "تعرج" في سماء فلسطين – كلّ فلسطين – فترتّل آيات النّصر، وتتلو سورة الإسراء! لتؤكّد صوابيّة البوصلة، رغم كلّ التيه حولها!
  9. وها هو شعبنا في الداخل المحتل من 48، بعد سبعين سنة من الاحتلال والقهر والمسخ، ما زال منزرعاً متجذّراً في أرضه كزيتونه المبارك، لا يأبه بالتهويد ونزع الهويّة والتمييز العنصري البغيض، "فيُحرِم ببيارق" الحريّة أسبوعيّاً باتجّاه قبلته الأولى، لا يحيد عنها شرقاً ولا غرباً!
  10. أمّا الملايين المنتشرون في أصقاع الأرض، الذين أُريد لهم أن يكونوا "شتاتاً" ودياسبورا! ما غابت فلسطين عن قلوبهم وذاكرتهم وكوامنهم وأحاسيسهم، بل نشروا قضيّتهم في كل زوايا الأرض، فها هو الجيل الرّابع منهم ورث المفتاح و"الكوشان"، يطوف بهما عواصم العالم، لم "يفْتِنْه" عنهما ما رأى وامتلك من متاع! وما زالت "خارطة فلسطين" أجمل سلسلة تتزيّن بها صدور وأعناق نسائهم وبناتهم!

القدس لن تتحرّر إلاّ بسواعد الحرائر والأحرار من شعبنا ومن أمّتنا، أحرارٌ حريّتهم سقفها السماء، لا يخضعون لطاغية، ولا يهينون لمستبدّ، ولا يتعايشون مع فاسد

أيّ قوّة أملٍ تلك التي تسري في حناياهم؟!

هذه فلسطين وهذا "الأمل" التي تبثّه في الكون، وهذا شعبها وهذه الرّوح التي يحملها أنّى "التجأ".

  1. أملٌ وروحٌ ينبعثان في الأمّة وشعوبها؛ فتسري ثقافة الوعي والحريّة والتضحية والشهادة في الأمّة كلّ الأمّة، وما عادت حكراً على "فلسطين"! وما هذه الحروب ودمارها التي تشنّ عليها إلاّ لأنّها اكتشفت هوّيتها، ومضت تناضل من أجلها، لا يوقف نضالها عشرات الآلاف من الأسرى، ومئات الآلاف من الشهداء، وملايين المهجّرين.
  2. هذا الأمل حتى يُثمرَ نصراً، وهذا الربيع حتى يزهر حريّة لابدّ له من استمرار العمل الواعي؛ الذي يُحرّم الاقتتال بين أبناء الأمّة الواحدة. ويُجرّم الطائفيّة البغيضة التي فتّتت الأمّة، وأدخلتها في دوّامة العنف الدامي والقتل.
  3. ومع بزوغ الفجر ونسماته، وغياب قمر ليلة القدر العظيمة وتنزّل رحماتها، نسأل الله العليّ العظيم ربّ العرش الكريم أنْ يسدّد بوصلتنا ويوحّد صفّنا نحو قدسنا، وأنْ يبثّ فينا الهمّة والعزيمة والأمل، وأن يقوّينا ويوفقنا لخير الجهاد والعمل.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …