احترام الوقت والمواعيد..دأب أهل الهمة والتأثير

الرئيسية » بصائر الفكر » احترام الوقت والمواعيد..دأب أهل الهمة والتأثير
time30

جميل هو المؤمن في صفاته كلها، دأبه السعي نحو المعالي، وديدنه إعطاء النموذج الإيجابي للآخرين. والداعية يراقب خطواته ويدقق في أعماله، وهو يعلم أن المهمة شاقة والحمل ثقيل. والمطلوب كثير. والأعباء عظيمة. وهو يدرك أن الوصول إلى الهدف يتطلب الاستفادة من كل الجهود واستثمار كل الأوقات.

استشعار قيمة الوقت وتنظيمه والتخطيط له كلها مسائل يتربى عليها المبتدئ عند أولى خطواته في ركب حماس. وباستقراء معمق في سير الصالحين يلاحظ أنه ما من أحد من أهل الهمة والتأثير من الأولين أو الآخرين إلا وله اهتمام بقضية الوقت. يظهر ذلك في أفعالهم وأقوالهم.

فهذا سيد التابعين الحسن البصري يجعلك والوقت خلقاً واحداً بقوله "يا ابن آدم إنك أيام. إذا ذهب يومك ذهب بعضك". وضرب لك الشافعي مثالاً آخر حين صور لك الوقت سيفاً مسلطاً فوق عنقك. إذا لم تهزمه بالاستغلال قضي عليك بالإهمال. حيث قال "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك". ويرى ابن القيم أن إضاعة الوقت من المقت.

ثم جاء الإمام المجدد حسن البنا ليعيدك إلى فقه الحسن البصري ولكن بكلمات مغايرة ليضع أمامك لافتة مكتوب عليها "الوقت هو الحياة". أما القرضاوي فقيه العصر فقد عاب على البعض مقولة إني أقتل وقتي. فنهاه قائلاً "ولا يدري المسكين أنه يقتل نفسه"!. وللتأكيد على قيمة الوقت فقد أفرد له كتاباً خاصاً من سلسلة مؤلفاته. ويؤكد منهجنا التربوي في الحركة على الالتزام بدقة المواعيد ويدعو لشدة الانضباط في ذلك.

وقد أمرنا في الأسر الإخوانية بالحضور في وقت محدد بالدقيقة، ونهينا عن التقديم والتأخير عنه. إذ كانت العقوبة من نصيب من يرتكب أحد المحظورين، ولا يقبل منه عذر أزمة المواصلات، كما لا تشفع له الاختلافات في توقيت ساعته؛ لأن الاتفاق يقضي بضبطها مسبقاً بطريقة يتم تحديدها من قبل نقيب الأسرة.

من أخطر صور التآكل التربوي في دعوتنا، أن نتربى على فضيلة ما صغاراً ثم نتركها ونتساهل بشأنها كباراً

ثم جاءتنا أزمان ضعف فيها ذلك الالتزام وخبا بريقه في نفوس بعضنا، وتسلل التسيب إلى العديد من اجتماعاتنا التنظيمية ولقاءاتنا التربوية ومجالسنا الثقافية والاجتماعية، وقد انتشر هذا المرض في صفوف أجيال من المتأخرين دون أن يسلم منه بعض السابقين، حتى وصل الأمر في بعض الحالات إلى مستويات قيادية متقدمة، وهو عيب لزمنا علاجه بدلاً من إنكار وجوده أو محاولة التعايش معه، ويبقى من أخطر صور التآكل التربوي في دعوتنا، أن نتربى على فضيلة ما صغاراً ثم نتركها ونتساهل بشأنها كباراً.

ولذلك فإنه لا بد من التناصح والتواصي إلى جانب المساءلة والمحاسبة حتى توضع الأمور في نصابها. نستذكر ثناء الله تعالى على نبيه إسماعيل بقوله {إنه كان صادق الوعد} في إشارة على التزامه وجدّيته عليه السلام، ولك أن تقتدي.

ثم أنه ما من دين في الأرض يعلم أتباعه دقة الموعد مثلما يفعل الإسلام، يكفيك أننا ملزمون بأداء الصلاة في كل يوم في مواقيت محددة لا يجوز تجاوزها {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}.

والصلاة في حقيقتها هي موعد بين الله تبارك وتعالى وبين عباده المؤمنين، ومن اعتاد على الالتزام صار الانضباط جزءاً من شخصيته، وتحولت الدقة والجدية إلى صفات لا تفارقه أبداً.

الاكتفاء بالقول بأننا سنلتقي بعد الصلاة الفلانية غير مقبول، فالأصل أن يتم الاتفاق على ساعة محددة بعيداً عن الغموض والتأويل

ومن عادة الدعاة أن ينظّموا مواعيدهم بحسب الصلوات وهذا أمر حسن، لكن الاكتفاء بالقول بأننا سنلتقي بعد الصلاة الفلانية غير مقبول، فالأصل أن يتم الاتفاق على ساعة محددة بعيداً عن الغموض والتأويل، وجدير بمن يتأخر عن الحضور أن يعلم بأنه يضيع أوقات إخوانه مخالفاً بذلك وصية البنا التي جاء فيها.

(الواجبات أكثر من الأوقات. فعاون غيرك على الانتفاع بوقته)، ونطالب من يظن الدقائق القليلة غير ذات قيمة بالرجوع إلى العمليات الحسابية ليدرك حجم المسألة، فلو افترضنا أنك مدعو لاجتماع يحضره عشرة من إخوانك وأن الجلسة قد تأجلت عشر دقائق بسبب تأخرك عنها، فإن النتيجة تعني بأنك قد عطلت عمل إخوانك مدة مئة دقيقة كاملة، وحرمت الدعوة بذلك من خير عظيم. والمجرب يوقن بأن المسألة تصبح أكثر خطورة عندما يتعلق الأمر بالجانب الجهادي والأمني وخاصة في العمل الميداني؛ لأن ذلك يعني إضاعة فرصة لإيذاء عدو أو التسبب في فقدان أرواح مؤمنة وسفك دماء غالية.

وكل لقاء دعوي مليء بالخير، وكل موعد حركي لا يخلو من الفضل والبركة، فلا يقبل الاستهانة بشيء من ذلك، ومن ألاعيب الشيطان في هذا الميدان أن يزين للبعض فنون التمترس خلف الحجج والأعذار لتبرير التأخر والغياب، والمرء أدرى بنفسه فلا يخدعنها وإن صدّقه إخوانه، وما زلت أذكر المربي يعاقب المقصر منا إن جاءه بعذر ويترك الآخر ليعلمه بأن الذي يغيب دون عذر ذنبه أكبر من أي عقوبة. وكان البعض لا يرى في المرض عذراً ما لم يكن مُقعِداً، والنسيان حجة مردودة على صاحبها، فهل تراه ينسى أن يأكل أو ينام.

والمسألة تضبطها الجدية والصدق ولا تحتاج إلى المبالغة والتعنّت والتطرف.

ومع كمال الالتزام أن تطلب الإذن المسبق للغياب أو التأخير. فإن كان ثمة أمر طارئ فالاعتذار اللاحق مع شرح أسباب التخلف عن الموعد، وإبداء الاستعداد للعقوبة إن علم بتقصير من جانبه، وربما فرض المسؤول شيئاً من ذلك على نفسه إن وقع في الأمر وذلك لتعليم إخوانه وتربيتهم، ومن طرائف الخاطبين في الالتزام. أن يقول الخاطب لمحبوبته موعدنا في الساعة الثانية وأنا أنتظرك حتى الثالثة فإذا لم تحضري في الرابعة فإنني سأغادر المكان في الساعة الخامسة.

الدعاة بشر تسري عليهم سنن التغيير، وهم مطالبون باستدراك النقص ورفض التسيب من خلال إشاعة ثقافة الجدية والانضباط

ودعوتنا والله أحق بالالتزام والاهتمام والصبر على الأعباء وتحمل اللقاءات والاجتماعات، والناس تألف التقصير إن تكرر. حتى يصبح الصواب مستغرباً والحق مستنكراً، والدعاة بشر تسري عليهم سنن التغيير، وهم مطالبون باستدراك النقص ورفض التسيب من خلال إشاعة ثقافة الجدية والانضباط، والتحذير من التفلت من خلال قرع الآذان بحديث آية المنافق والتي منها إذا وعد أخلف. وهي صفة سلبية عامة تتضمن التغيب والتأخير عن المواعيد واللقاءات المتفق عليها.

والحياة في داخل السجن تعلمنا في بعض صورها كيف نقدر بعض الأشياء الصغيرة، وتجبرك أحياناً على استثمار ما يتاح لك لأقصى درجة ممكنة، ونستشهد هنا باستعداد الأسير لاستقبال أهله أثناء الزيارة، فهو يعد لها مسبقاً ويحضر الموضوعات التي سيتحدث بها ويجهز الأسئلة التي سيطرحها على أحبابه، وهو لا يتأخر عن حضور الزيارة أبداً، كما أنه يحسن استغلال كل لحظة فيها، وهي حالة يمكن التدرب عليها، وأساس الالتزام متعلق بأهمية اللقاء في نفسك وقيمة الاجتماع لديك، ومن يتساهل في الصغائر يهون عليه ارتكاب الكبائر.

وليس بعد هذا البيان من عذر لداعية همام.

فاحترم إخوانك عند كل موعد. ثم اعزم أمرك واضبط ساعتك على عقارب الدقائق والثواني، ترى البركة حاضرة بين يديك. والإنجازات مضاعفة أمام ناظريك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب في موقع بصائر، قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وناطق باسمها. أسير فلسطيني محرر في صفقة وفاء الأحرار.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …