الأمر قد لا يسترعي انتباه الكثيرين في زمن انحطّت فيه المقاييس وأصبح التمرّد على الدّين مطيّة كل طامح للشهرة، بل ويا للأسف فقد بدا لبعض الشباب اليائس مما آلت إليه أحوال الأمة أن يقوم بتحميل ديننا كل مصائبنا ومثالبنا ومخازينا حتى غدت موجة الإلحاد "موضة" لدى بعضهم فلا غضاضة ولا مبالاة عندهم بالمجاهرة بها على رؤوس الأشهاد وتخصيص صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لها بدعوى الحرية الشخصية ونقد الذات.
تلك الفئة الذميمة المقبوحة الممجوجة ما كان لها أن تنتشر أو ترفع رأسها أو تجد من يسمع لها إلا في مثل تلك الأجواء الرديئة البائسة من القمع والإرهاب والظلم المستشري في بلادنا. إنها ما كانت لتأمن غضبة الغيورين من المؤمنين إلا لأنهم مضيّق عليهم ومحاربون وملاحقون ومضطهدون.
لا عجب أن يتطاول أولئك الذين سفكوا الدماء الزكية بلا رحمة ولا خوف من الله ولا حساب له أن يخلدهم في نار جهنم ملعونين مذؤومين مدحورين بوعده ووعيده لكل من يتعدى حدوده ويقترف تلك الكبيرة العظيمة "ومن يقتل مؤمنا متعمِّدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً".
لا عجب أن يتجرأ أولئك الذين لم يرعوا حرمة الدماء وارتكبوا كبيرة القتل في "رابعة" و"النهضة" وميادين مصر بلا حسيب ولا رقيب أن يمتهنوا كبائر أخرى ليحوزوا على "الخزي" من جميع أطرافه، إنهم أتبعوا جريمتهم تلك بترويع الآمنين واعتقال أشراف الأمة وسادتها وأطهارها وأبرارها رجالاً ونساءً وزجهم في "سلخانات" الطاغية السيسي يسومونهم سوء العذاب ويتلذذون بامتهان كرامتهم، في ظل تواطؤ عالمي غضّت الطرف فيه دول لطالما تشدّقت بالدفاع عن حقوق الإنسان التي ديست وسحقت بأبشع الوسائل والأساليب الهمجية من قبل جنود السيسي وأشراطه و"بلطجيته".
ولا عجب عندها أن نرى أسداً رابضاً خلف قضبانهم يزأر في وجه قاضي المحكمة: "ضباطكم شتموا ديني وأمي بأقبح الألفاظ". إنه الطبيب الإنسان الدكتور محمد البلتاجي.. ذلك الجبل الأشمّ الذي تتصدع الجبال وتتشقق لهول ما ناله ولقيه منهم، دون أن يبدي هو أيّ ضعفٍ أو انكسارٍ أمام تلك الشرذمة البغيضة التي تمالأت على النيل منه، حين لم يكتفوا بجريمة قتل ابنته العفيفة الطاهرة أسماء، واعتقال ابنه عمار بعدها مباشرة –غير أن الله نجاه منهم- ثم اعتقاله هو وابنه أنس وحرمانه من كافة حقوقه، وتعذيبه بأحقر الطرق في سجن العقرب -سيء الصيت والسمعة- والتي كان منها ما ذكره أخيراً من أنه "تعرض لتعذيب مادي ومعنوي بشكل متكرر، وكان آخره على يد اثنين من قيادات الداخلية هما حسن السوهاجي مساعد وزير الداخلية واللواء محمد علي مدير مصلحة السجون". وأنهما "قاما باستدعائي من زنزانتي مكبّل اليدين، وتعرضت للإهانة والسبّ بأحطّ الألفاظ"، وأنهما أجبراه على "خلع ملابس السجن وصورَّاني مرتدياً ملابسه الداخلية"، وأنّ ذلك كان "محاولة لإجباري على سحب البلاغ الذي تقدمت به للمحكمة في جلسة سابقة ضد الفريق عبد الفتاح السيسي بالمسؤولية عن قتل ابنتي (أسماء) علي يد قنّاص بأوامر منه"، خلال فض اعتصام "رابعة العدوية".
غفل أولئك الأشرار عن أن استقواءهم بكبيرهم الذي علّمهم الإجرام لن يعفيهم من العقوبة على سوء فعالهم، وأنّ توفيره الغطاء لهم يفعلون ما يشاؤون في سراديب سجونهم ومعتقلاتهم المظلمة لن يقيهم ثأر الثوار حين تحين ساعتهم، وغضب الجبّار حين تقوم قيامتهم.
إنها المعادلة البائسة أنّ الركون إلى الظالمين يملي على أتباعهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، والمعنى هنا أن يكونوا أشدَّ إجراماً من قائدهم المجرم.. ففي عُرف أولئك الذين يسكنون ذلك العالم السفلي أن كل شيء يهون لإرضاء طاغوتهم، بما في ذلك شتم الدين وسبّ الربّ وارتكاب "السبعة وذمتها" والتي من أكبر كبائرها بعد الشرك بالله شتم الأم أو الأب وهو أهون شيء عند تلك "الأشياء البشرية".
في مرحلة سابقة استولت شهوة المناصب وحب الظهور عند بعض النكرات، ودفعهم ذلك إلى متابعة المجرم السيسي والانقياد الأعمى خلفه، ولأجله غدروا وفجروا وكذبوا ونافقوا واستحلّوا كلّ كبيرةٍ ليرضى عنهم ويقربهم إليه، كان منهم النكرة حازم الببلاوي رئيس الحكومة المغتصبة الذي قبل بأن يتحمل وزر فض رابعة، وكان منهم وزير الداخلية الغادر المجرم محمد إبراهيم والدمية الصنم عدلي منصور، وأسماء كثيرة طواها الزمن وسيطويها النسيان ولا يذكرها أحد. تماماً كأولئك الذين استخدمهم عبد الناصر والسادات ومبارك -مجرد أدوات- لقمع الشعب وقهره من أجل تثبيت كراسيهم، فزالوا وزال ملكهم وفنوا وفنيت كراسيهم، وبقيت أوزارهم وجرائمهم ومظالمهم، انقطع عنهم كل شيء إلا دعاء المظلومين والصالحين عليهم، فالويل لهم مما اقترفته أيديهم، الويل لهم حين غفلواعمّا توعدَّهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لو أنَّ أهلَ السماءِ والأرضِ اشتركوا في دمِ مؤْمِنٍ لكبَّهم اللهُ عزَّ وجلَّ في النارِ) صحيح الجامع.
وإلى أن ينال أولئك جزاءهم المحتوم فستبقى صرخات الدكتور البلتاجي ود. أحمد عارف وعصام العريان ود. باسم عودة تزلزل كيانهم الهش وتقضّ مضاجعهم. إنهم أقمار هذا الزمان، وهم الهامات والقامات العاليات، وهم الذين سيحظوا بإحدى الحسنيين بإذن الله، ولهم كما كان ليوسف عليه السلام التمكين ولعدوهم الخسران المبين. (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
وصلتنا صرخاتك الغاضبة لشتم دينك أيها البطل المغوار، ومثلك لدينك يغضب فقد عشت عمرك كله مدافعاً ومنافحاً عنه، مثلك يغضب له لأنك قدمت بالدليل والبرهان أنه أعزّ عليك من نفسك وأهلك ومالك والناس أجمعين يوم بذلت وبذلت وبذلت -وما تزال تبذل- من أجله.
ها أنت تذكرنا في إطلالتك القصيرة جداً أننا جميعاً مسؤولون عن ردع تلك الشرذمة المجرمة الباغية، وأنَّ على كل مؤمن برٍّ شريف أن يتحرك للجم أولئك السفهاء وإيقافهم عند حدودهم..
هو حقٌّ وواجبٌ علينا جميعاً أن نرسلها صريحةً واضحةً لذلك الأسد الهمام الدكتور البلتاجي: دينك ديننا وربّك ربّنا وأمّك التي أنجبتك نفخر جميعاً أن تكون أماً لنا.. وحريتك دَينٌ على كل حرٍّ أبيّ.