هل جربت أن تتخلص من الإدمان التكنولوجي؟

الرئيسية » خواطر تربوية » هل جربت أن تتخلص من الإدمان التكنولوجي؟
technology-addiction30

خالف العصر الجديد في علم الإنسان النظريات القديمة السائدة أن أصل التواصل بين الإنسان هي العلاقات الحقيقية. لكن منذ انطلاق عصر التكنولوجيا الحديث عبر العالم المفتوح نجحت النظرية الجديدة في تحويل العلاقات الحقيقية إلى علاقات افتراضية، كان أهم أسباب نجاحها الأزمات التي يعيشها الإنسان سواء على مستواه الشخصي والعائلي أو على علاقته بالمجتمع المحيط. ودفعنا ذلك إلى الرغبة في العزلة الدائمة؛ لانعدام الثقة في العلاقات الحقيقية، وتفضيل الافتراضي منها، للهروب من فوضى العالم غير المنتظمة، فوضى الحروب وأزمة الأخلاق.

وبعدها أصبنا بالكسل والملل، فلم نعد نحتمل ثواني بسيطة في انتظار تحميل مقطع فيديو عبر "جوالاتنا"، ولم نعد نحتمل قراءة مقال مكون من 500 كلمة، فتكفينا الفقرة الأولى، وآخر جملة منه، وأصبحت عيوننا ماسحة وليست قارئة، وتفتت النسيج الاجتماعي، حتى في البيت الواحد ترى الجميع جالسين كلٌ في غرفته بيده جهاز الموبايل الخاص به.

وتحولت مع العالم الجديد هذه الموبايلات إلى ضروريات، لتسير من خلالها الحياة في تسيير حالة الناس، لكنها أثرت سلباً في المجتمعات التي بدأت تتعاطى مع كل ما يكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي من حقائق وافتراءات، فسقطت ضحية الإشاعات.

مع مرور الوقت فكك "الإدمان التكنولوجي" كثيراً من روابط النسيج الاجتماعي، وحرمنا متعة اللحظات الجميلة ونحن نطأطئ رؤوسنا نحو أجهزتنا المتنقلة، ونهتم بالصورة كثيراً على حساب الحقيقة

ومع مرور الوقت فكك "الإدمان التكنولوجي" كثيراً من روابط النسيج الاجتماعي، وحرمنا متعة اللحظات الجميلة ونحن نطأطئ رؤوسنا نحو أجهزتنا المتنقلة، ونهتم بالصورة كثيراً على حساب الحقيقة، وأفضل ما نحققه في أي رحلة خارجية صورة توثيقية، نسابق الزمن في رفعها على مواقع التواصل الاجتماعي لنحصد مزيداً من "لايكات" الإعجاب عليها.

ألا ترى أن كل ما نملك بات أمامنا، نتحكم فيه بكل سهولة... نقودنا، دراستنا، ذكرياتنا، متعتنا، مصالحنا، من نكره، ومن نحب.... وننسى أن "حنفية المياه" في البيت لها 5 شهور في انتظار إصلاحها، وقد يكون أبخل البخلاء رجل دخلت بيته فلم يعطك حساب WI-FI، وكبرى المصائب حين فراغ بطارية موبايلك، وقد سرقت منا عبودية العصر الجديد التمتع بأحلى اللحظات وأبهاها حتى ولو كانت فردية.

من فضلك أترك ما في يدك من جهاز حديث أو جوال مرتبط بالتكنولوجيا واقرأ نصائحي، فمهما ابتدأت لن تنتهى من هذه التكنولوجيا، في كل يوم جديد، وكثير منه لا يعنيك، وكثير منه فارغ المحتوى والمضمون، يشكل إثارة لك ولا يعدو جزءاً من اقتصاد الانتباه.

جرب لمرة أن تترك الموبايل في البيت تماماً وتخرج مع عائلتك في رحلة صغيرة على شاطئ البحر قبل انقضاء العطلة الصيفية، ماذا سيحدث؟ ستعيش اللحظات الجميلة حقيقة، ولن تهتم بالصورة على حساب المتعة، ستفرح عائلتك كثيراً وأنت تملأ الوقت المقتطع للتكنولوجيا معهم. حتى السماء الزرقاء والأمواج الجميلة، والطعام الحسن، وضحكات أطفالك، واهتمام زوجتك سيؤثر على نفسيتك، فقد كنت محروماً من ذلك كله وأنت أسير "للموبايل".

جرب لمرة أن تترك موبايلك مغلقاً وحسابك على التواصل الاجتماعي مغلقاً، وركز فيما تكتبه أو تقرؤه، وتأمل فيه، وابحث عما اختلف فيه، سترى أن ما كنت تعيشه عالم مليء بالمشاكل النفسية.

أتاح الإعلام الجديد لكل من "هبَّ ودبْ" بمعنى للجاهل والمتعلم، أن يكتب كل شيء، وأنت تلاحقهم من بوست إلى بوست طول النهار وتعود للبيت مكتئباً، جرب لمرة أن تترك الموبايل بحوزتك دون الدخول إلى العوالم الزرقاء قبل انتهاء العمل بساعتين نهائياً، وبعدها فلتعد لبيتك، ستشعر بروعة استقبالهم لك.

ألم تر معي حجم المشاكل النفسية والمعاناة الحقيقية التي تراها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هل ستحلها كلها؟ وهل ستفكر فيها؟ كم ستأخذ من حيز تفكيرك اليومي؟ ستأخذ معظمه صدقني، لذلك اتركها قليلاً وابحث في مشاكلك الخاصة محاولاً إيجاد الحلول لها.

هل نسيت ذات مرة موبايلك في البيت؟ ألم تشعر أنك مقطوع عن العالم؟ أليست فكرة جيدة أن تبحث في نفسك عن نفسك، ماذا حل بكل مشاريعك السابقة وطموحاتك المستقبلية، ومسؤولياتك الاجتماعية؟ كلها مشاريع معطَّلة غير الذي لم تبدأ بها من الأصل... اترك التكنولوجيا قليلاً وانتبه لهذه لحياتك الخاصة.

إننا يجب أن نعود لطبيعة علاقاتنا الحقيقية في بيتنا أولاً ومع أصدقائنا المقربين ثانياً، بأن نمنحهم من وقتنا وروحنا قليلاً، ومتى عزمنا على ذلك فسنحققه

مسكينة زوجتك لقد جلبت لها "ضرة جديدة" تسمع نصف كلامها، وتترك نصف مطالبها، وتحرمها نصف حنانك وأنت بجانبها واضعاً عيونك في موبايلك، ركز معها قليلاً واترك ما في يديك، لترى الفرق ماذا عن "حنفية المياه" المعطلة منذ شهرين؟ وماذا عن الضوء في الصالة الذي لا يحتاج إصلاحه عشرة دقائق فقط؟ صدقني كل ما في البيت سيتغير لو تركت "الإدمان" على التكنولوجيا قليلاً.

خلاصة القول أننا يجب أن نعود لطبيعة علاقاتنا الحقيقية في بيتنا أولاً ومع أصدقائنا المقربين ثانياً، بأن نمنحهم من وقتنا وروحنا قليلاً، ومتى عزمنا على ذلك فسنحققه، لذا خفف استخدامك للتكنولوجيا قليلاً واستمتع بحياتك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب صحافي من غزة حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي، متخصص في الشأن السياسي والقضايا العامة، وعمل مع العديد من الصحف والمواقع العربية والأجنبية، شارك في كتاب عن "الأسرى الفلسطينيين" نشر بعدة لغات. أعد مجموعة كبيرة من المقابلات الصحفية والتوثيقية مع مجموعة من صناع القرار والقادة الفلسطينيين، وأنجز مجموعة من التحقيقات الصحفية الاستقصائية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …