هل سألت نفسك يوماً عن عدد تلك المرات التي تقف فيها أمام المرآة تهذب فيها هندامك وتنمق فيها ثيابك، وهل تساءلت عن سر هذه الأداة التي تساعدك في ذلك والتي تكون معها ولها مطواعاً سهلا هيناً؟
إن التقييم والتقويم أمران أساسيان للنفس البشرية، ترافقان الواحد منّا طيلة حياته، وتأخذ تلك العمليات أشكالاً مختلفة وصوراً متعددة وآليات شتى؛ لكي يحقق ذلك التحسين والتطوير والتغيير المنشود على صعيد حياة المرء، ودفع عجلة العمل للدوران والإنتاج على أفضل صورة وأحسن وجه، ولعل المرآة مثال حقيقي على النموذج الأسمى والأفضل في إدارة عمليات التغيير والتناصح وتقديم المشورة والمساعدة .
فالمرآة: هي تلك الأداة التي ترى فيها نفسك وصورتك الحقيقة دون تعديل ولا تشويه؛ لأنها تنصاع لنداء الحقيقة فتظهر لك محاسنك دون تهويل وتُجلّي لك معايبك دون تهوين، وإذا ما وقفت أمامها فإن لك منها النصح والصدق في الخبر بلا تحريف ولا مجاملة، وكذلك هو المؤمن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "المؤمن مرآة أخيه، المؤمنُ أخو المؤمن يكف عليه ضَيْعَته ويَحُوطُه من ورائه" (حديث حسن رواه أبو داود).
المرآة هي تلك الأداة التي ترى فيها نفسك وصورتك الحقيقة دون تعديل ولا تشويه؛ لأنها تنصاع لنداء الحقيقة فتظهر لك محاسنك دون تهويل وتُجلّي لك معايبك دون تهوين
إن هذا التشبيه النبوي تقرير لجملة من الحقائق التي لابد من الأخذ والعمل بها، ولعل الحديث في شطره الأول يحوي ثلات كلمات محورية تدور حولها تلك المجتمعات المتناصحة المنسجمة وهي الإيمان والأخوة والنصيحة، وهذا منهج في مد يد العون والمشورة للآخرين بمنهج سليم واضح نقي كتلك المرآة التي نقف أمامها، وللمرايا في حياتنا نوعان:
أما الأول فهو المرآة الذاتية: وهي تلك التـي ننظر من خلالها على ذواتنا، مراقبين لها، وموجهين لتحركاتها، فهـي تقيّم لك الأوضاع من الداخل، وهـي التـي تقيس تطورك ونجاحك.
وأما النوع الثاني فهو المرآة الخارجية: وهي التي ترى فيها نفسك على مرايا الآخرين، ترى فيها الانطباعات والمشاعر، تحب أن تنظر فيها وتسمع منها الإرشاد والتوجيه والتشجيع والتحفيز.
ولعلنا نقف على بعض أسرار المرايا وهي منهج للنصيحة نقدمه مسترشدين بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن عند نصيحته لمن استنصحه وطلب منه معونةً وتوجيهاً، ومنها:
- أن المرآة تبرز لك المحاسن وتزينها لك ولكن دون أن تخفي عنك شيئاً من تلك المساوئ فيك مما تكره.
- تؤدي المرآة وظيفتها بكل موضوعية ومهنية؛ لأن الموضوعية قيمة أولى في الأخلاق.
- تظهر لك السلبيات ولكن دون مضاعفة وتضخيم للأمور وتلك صنعة المرايا المسطحة، فلا هي مقعرة تقلب الأمور وتكبرها، ولا هي المحدبة التي تصغر الأمور وتصغّر من شأنها.
- أفضل النتائج التي يمكن أن تحققها المرآة عندما تكون نظيفة طاهرة.
- لا تعمل المرآة على إظهار المساوئ وحسب وإنما هي المعينة التي تقف بجانبك حتى يذهب عنك ما تكره.
- للمرآة ذاكرة قصيرة الأمد، فهي لا تحفظ لك صورة دائمة ولا تأخذ عنك انطباعاً لا يتغير.
كن لإخوانك ومن حولك كالمرآة، تعكس صورتهم دون تهويل ولا تضخيم وتصوّب أخطاءهم دون سخط، وتستر عيوبهم وتتناساها
وبهذه الأسرار وغيرها نفهم سر التصوير النبوي للمؤمن بالمرآة، فكن لإخوانك ومن حولك كالمرآة، تعكس صورتهم دون تهويل ولا تضخيم وتصوّب أخطاءهم دون سخط، وتستر عيوبهم وتتناساها، تبذل لهم النصح في سر ولين، واحرص على نقاء سريرتك وصفاء قلبك، وكن لهم ناصحاً صادقاً أميناً، و أنت يا من تنظر في المرآة كرر النظر على الدوام واطلب النصح باستمرار وكن مع الأنقياء الأصفياء الأوفياء الذين يحبون لك الخير ويحرصون على نجاحك ورفعتك.