إعدامات بنغلاديش.. مؤامرة عابرة للحدود على الإسلام السياسي

الرئيسية » حصاد الفكر » إعدامات بنغلاديش.. مؤامرة عابرة للحدود على الإسلام السياسي
دياك

للمرة الخامسة خلال سنة واحدة تتجرأ رئيسة وزراء بنغلاديش حسينة واجد على إعدام زعماء للجماعة الإسلامية المعتدلة، فتقدم على إعدام الشيخ مير قاسم علي بعد إدانته بجرائم وهمية لا وجود لها ويزعم أنها تعود إلى حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان قبل 45 عاما، وبقرار من محكمة فاسدة عينت قضاتها بنفسها وكرستها لملاحقة زعماء حركة سلمية تتمتع بشعبية واسعة وشاركت في مفاصل مهمة في تحالفات قادتها للمشاركة في حكم البلاد.

حسينة واجد يجب أن تصنف هي -لا الجماعة الإسلامية- كمجرمة تقودها أحقادها الشخصية انتصارا لوالدها الديكتاتور مؤسس الدولة والمتحالف مع الهند ضد باكستان مجيب الرحمن الذي كانت نهايته بشعة كتاريخه كمستبد.

فقد بدأت تصفياتها السياسية عام 2013م، مركزة على الجماعة الإسلامية بسبب ثقلها الجماهيري، متذرعة بمعارضة هذه الجماعة للانفصال عن باكستان وارتكاب بعض قادتها لجرائم حرب وتصفيات لمؤيدي الانفصال، متناسية بذلك طبيعة هذه الجماعة السلمية ومعارضتها للعنف بما يشابه طبيعة جماعة الإخوان المسلمين.

غير أن شعبية الجماعة المقلقة من جهة، وروح الانتقام لدى حسينة من جهة أخرى لا يفسران وحدهما هذه الإعدامات، التي طالت في مايو من هذا العام زعيم الجماعة الإسلامية الأول مطيع الرحمن نظامي  -رفيق المفكر أبو الأعلى المودودي-، بل إن الأمر يتجاوزه إلى حالة التحالف غير المعلنة مع الهند التي ساهمت بقوة في انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية).

الهند لا تريد أن ترى جماعة إسلامية موحدة وقوية في دولة موجودة في خاصرتها كبنغلاديش، وتعيش في حالة تحالف مع نظامها السياسي

فالهند لا تريد أن ترى جماعة إسلامية موحدة وقوية في دولة موجودة في خاصرتها، وتعيش في حالة تحالف مع نظامها السياسي، حتى تتمكن من تعزيز حضورها الإقليمي ودورها في مواجهة باكستان التي تعتمد سياسة تعايش مع الإسلام السياسي ولا تتواجه معه.

ومما يؤسف له أن حالة الانحطاط الرسمي العربي والتواطؤ الدولي مع الأنظمة العربية الديكتاتورية شجعت حسينة على لعب دور مماثل لهذه الأنظمة الفاسدة المفسدة في محاربة حركات وأشخاص الربيع العربي تحت سمع وبصر القوى الدولية وعلى رأسها أميركا التي لم تكن تريد لنفوذها أن يتراجع في المنطقة إن تمكنت هذه القوى من السيطرة على الحكم في البلدان العربية.

وبنغلاديش التي تعتمد في جزء من دخلها على العمالة الخارجية في دول الخليج العربي كانت ستفكر مئات المرات قبل إقدامها على الإعدامات لو لوحت بعض هذه الدول مثلا بمعاقبتها إن هي أقدمت على هذه الخطوةّ.. ولكن!

وكانت ردود الفعل الدولية فاترة على عمليات الإعدام التي سبقتها والتي لم تستند إلى أدلة حقيقية، ما يؤكد أن دور هذه القوة الدولية في السنوات الأخيرة يتجه بقوة ضد الإسلام السياسي، ويصل إلى حد التواطؤ وغض الطرف عما ترتكبه الأنظمة السياسية الديكتاتورية ضدهم من أعمال عنف وانتهاك للحريات والحقوق، وهو الأمر الذي أكدته المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان!

حركات التغيير الشاملة تتعرض إلى هجمة شرسة، ولكنها ستظل فاعلة ومؤثرة وقادرة على تجاوز المؤامرات التي تحيط بها، ما دامت تحسن التخطيط وتتوكل على الله

واجه زعماء الجماعة الإسلامية أحكام الإعدام بحقهم بكل شجاعة وطمأنينة نفس.. لم يجزعوا أو يخافوا، بل ورفضوا التقدم باسترحام لرئيس الدولة لإسقاط أحكام الإعدام عنهم، وقالوا إن طلب الرحمة لا يكون إلا من الله عز وجل، وأكدوا وهم يقادون لأعواد المشانق على الاستمرار بالطبيعة السلمية لحركتهم! وهم بذلك يبصقون في وجه جلاديهم والمتآمرين معهم ويلقون عليهم اللعنات إلى يوم الدين.

وهنا لا فرق بين من يشنق وبين من يحرق المتظاهرين أحياء كما فعل جزاري رابعة أو بين من يلقي البراميل المتفجرة على المدنيين في سوريا، فكلها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تحت سمع وبصر العالم الغربي المنافق وبدعم أصحاب الحقد الطائفي.

ربما يكون الفرق الوحيد بين ما يجري في منطقتنا وما يجري في بنغلاديش هو أن وسائل الإعلام تشيح بوجهها هناك عن إثارة ما يجري، وهي تلك التي تثير الزوابع لما تعانيه الحيوانات مثلا في حديقة حيوان غزة!!

صحيح أن الإعلام لم يقدم ولو يؤخر في منطقتنا مع أنظمة فقدت إنسانيتها وتغولت على شعوبها تحت غطاء دولي، ولكنه يظل يكشف عن فظاعات علها تحرك ساكنا في هذا العالم الظالم.

والخلاصة أن حركات التغيير الشاملة تتعرض إلى هجمة شرسة، ولكنها ستظل فاعلة ومؤثرة وقادرة على تجاوز المؤامرات التي تحيط بها، ما دامت تحسن التخطيط وتتوكل على الله، وتتعالى على جراحها ومصابها.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • مدونات الجزيرة
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …