التربية الإسلامية… هل هي الأفضل فعلاً؟

الرئيسية » بصائر تربوية » التربية الإسلامية… هل هي الأفضل فعلاً؟
maxresdefault

شغلت قضية التربية مكانا بارزًا في اهتمامات التربويين والباحثين أفراداً ومؤسساتٍ؛ لأنها عملية تلازم الإنسان منذ ولادته وحتى موته، والأمر ليس حديثاً وإن كان قد مرّ بفترات تحوّل الهدف فيها إلى أمر اعتباطيّ أو فطري كمصطلح أكثر لطفاً وملاءمة للعملية التربوية، فمنذ بدء الخليقة مرّت العملية التربوية اللصيقة بعملية التعليم وستظل تمرّ بمراحل وتغيرات وانعطافات - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. في ظل التحولات العالمية المعاصرة كالعولمة وأدواتها، ثورة المعلومات والاتصالات، الانفجار المعرفي، التطورات التكنولوجية والتقنية، التي أثّرت في أسلوب التربية وأنماطها سابقاً، وتؤثر حاليًا، وسوف تؤثر مستقبلاً سلباً أو إيجاباً في أهداف التربية، وفي تصميم عملياتها، تنفيذها، تقويمها وتطويرها؛ سواء شئنا ذلك أم أبيناه.

من الطبيعي أن تؤثر عوامل التحول الحضاري على كل شيء – ولا أستثني التربية – وحيث تعدّ العملية التربوية اليوم نتاجاً لقوى مختلفة تسهم بشكل جمعي في تحجيم دور الوالدين بالذات، فيتدارك الأمر أحياناً مدراء وقادة عملية التربية لمواجهة تحديات التنمية الشاملة في ظل المتغيرات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المعاصرة.

تعدّ العملية التربوية اليوم نتاجاً لقوى مختلفة تسهم بشكل جمعي في تحجيم دور الوالدين بالذات

ومهما درجت تعريفات دقيقة للعملية التربوية يظل التوصيف السائد الذي يتداوله الخبراء بأنها عملية مقصودة أو غير مقصودة، اصطنعها المجتمع لتنشئة الأجيال الجديدة، وبطريقة تسمح بتنمية طاقاتهم وإمكاناتهم إلى أقصى درجة ممكنة ضمن إطار ثقافي معين، قوامه المناهج والاتجاهات والأفكار والنظم التي يحددها المجتمع الذي تنشأ فيه، بما يجعلهم على وعي بوظائفهم في هذا المجتمع، وبدور كل منهم في خدمته، وبنمط الشخصية التي يختارها ثم نوع السلوك الذي يجب عليه أن يسلكه.

ولأن جزءًا من العملية التربوية هو في الحقيقة غير مقصود، فإن النشء يظل معرضاً للتدخل التربوي من كل المؤثرات المحيطة، لذلك تجد الأبوين يربيان أولادهما على النجاح فيفشل بينهم واحد وينجح آخر وتتفوق أخرى، يربيانهم على الفضيلة فينشأ بينهم عاص ومراوغ وفاضل ومنافق، ويربيانهم على الأخلاق العالية فيكون فيهم المهذّب وقليل الأدب والملتزم وغير الآبه بشيء، بالرغم من أن المنبع واحد، البوتقة واحدة والأسلوب واحد.

لأن جزءًا من العملية التربوية هو في الحقيقة غير مقصود، فإن النشء يظل معرضاً للتدخل التربوي من كل المؤثرات المحيطة

واليوم بالذات، أصبحت مهمة التربية موكلة بالمناصفة للتطور التكنولوجي، إن لم تكن موكلة بنسبة 90% لصالح التطور التكنولوجي ومفرزاته، ومهما حاول الوالدان السيطرة على أبنائهما فسوف يظل جزء من العملية التربوية عرضةً للتربية غير المقصودة التي تتسرب إلى الوسط بهدف أو بغير هدف!

ويكمن مفتاح السيطرة على التربية في اختيار طريقة التعاطي المناسبة وليس في المنهج، حيث يقوم التحكم بالمتربي على ترسيخ الفكر التربوي وليس على ما يتلقاه بالتلقين، بل بالبرمجة الفكرية التي تحوّل التصرف السوي من مرحلة الوعي إلى مرحلة اللاوعي، وزرع صمامات صحو وفلاتر للضمير؛ حتى لا يفوته فلترة شاردها وواردها.

ويكون ذلك بغرس القيم بالطرق التي تناسب كل ابن وكل فرد مترب على حدة، وتجنّب استخدام ذات الطريقة وذات النموذج مع الجميع، فغرس القيم يساهم بشكل كبير في المحافظة على الطفل وتطمين الأبوين بأنهما منحاه التربية التي تليق وتناسب حياته لاحقاً، فحين يتعرض الإنسان لاحقاً للضرر أو السوء سوف يعمل جهاز اللاوعي الذي تمت برمجته بوعي ويحمي الإنسان حتى من ذاته ونفسه الأمّارة.

التربية الإسلامية.. وسر التميز

وعطفاً على ما سبق، لعله غاب تميز التربية الإسلامية عن إدراك المربين أو مدراء العمليات التربوية في العالم العربي في ظل التحولات التي أبهرت العيون أولاً فاستطاعت أن تتسرب إلى العقول والقلوب وتمتلك زمام اللاوعي لديهم بشكل مبدئي، فبدأ نهج تحييد التربية الإسلامية بقصد أو بدون، بوعي أو بدون... علماً أن التربية الإسلامية قد أخذت في الحسبان منذ الأزل مبدأ مراعاة الواقع وتبدّل الأحوال والأماكن لتناسبها جميعاً  .

تعد التربية الإسلامية مصنعًا تربويًا يضيء المثل العليا والقيم السامية في ضمير الفرد، وتشكله على نحو يتلاءم فيها سلوكه مع معتقده وقيمه

فالفكر الإسلامي والمنهج الإسلامي في التربية يعتمد الفرائض – والفرائض فقط – في كل زمان ومكان، بينما يوسّع المساحة بشأن ما يناسب كل زمان من سنن ومباحات واختيارات، ويقوم بشكل كلّي على صناعة الإنسان وترسيخ الإنسانية العميقة في نفوس الأبناء بشكل مباشر وغير مباشر، فالتربية الإسلامية تربية إنسانية؛ لأنها تعنى بالإنسان في كل مراحل حياته، والتربية التي تعنى بتنشئة الإنسان يقوم عليها أفراد إنسانيون، وليس أدل على ذلك من إرسال الله للأنبياء والرسل من طين كبقية البشر؛ لئلا يشعر البشر بحاجز نفسي تجاههم، وفي التربية الإسلامية مهما اختلفت الطرق والوسائل فإنها تظل قائمة على أصل واحد وأساس متين   وأرضية أكثر صلابة من أن تتساوق مع الانحراف الفكري الذي يؤثر لاحقاً على الإنسان فهي تحفظ الإنسان وتحميه ثم تطرّز الأخلاق وتنقّي الأفكار وتهذب المشاعر والسلوك، وتصوغ أساليب الردع المناسبة وتدعم الرقابة الذاتية والتنمية الذاتية الشاملة والمستمرة.

التربية الإسلامية تحفظ الإنسان وتحميه ثم تطرّز الأخلاق وتنقّي الأفكار وتهذب المشاعر والسلوك، وتصوغ أساليب الردع المناسبة وتدعم الرقابة الذاتية والتنمية الذاتية الشاملة والمستمرة

تعد التربية الإسلامية مصنعًا تربويًا يضيء المثل العليا والقيم السامية في ضمير الفرد  ، فتمده بوسائل النضج والتوازن وتشكله على نحو يتلاءم فيها سلوكه مع معتقده وقيمه، فهي بشكل قطعي تربية ربانيّة المصدر والغاية، تربية شاملة، متكاملة، إنسانية، واقعية، وإيجابية، فالدين نوع من أنواع الحماية الفكرية والروحية والسلوكية؛ لقدرته على إعادة تشكيل السلوك وحماية الأفراد، وقد عملت مصادر التربية السماوية (القرآن والسنة) على تنمية جميع جوانب الشخصية الإسلامية، الفكرية، العاطفية، الجسدية، الاجتماعية والروحية.

وحسب قوانين التربية الحديثة التي تركز على العناية بالطفل ككائن حيّ له اعتباره المستقل وحقه في النمو نمواً طبيعيًا وتمتعه بمواهبه التي منحها الله له، تجد أن التربية الإسلامية لا تعد الطفل مزعجًا لوالديه، ولا تسمح لهما بإحاطته بأغلال وقيود تحد من مواهبه أو تعمل على تحجيم شأنه وكيانه وتقييد حريته، وكل هذه الخصائص تعمل على تنشئة فرد صالح لكل زمان ومكان، وتضمن للفرد الحماية من الانحراف في مراحل عمره المختلفة.

تستطيع الآن أن تحكم بنفسك، وتجيب عن السؤال: ألا تزال التربية الإسلامية هي الأفضل فعلاً، برغم كل ما غيّرته الحضارة؟

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …