انتخابات الأردن .. ما وراء السطور (1-2)

الرئيسية » بصائر من واقعنا » انتخابات الأردن .. ما وراء السطور (1-2)
jordan24

وألقت الانتخابات الأردنية أوزارها، تلك الانتخابات لفرز المجلس النيابي الثامن عشر، والتي امتازت بقانون انتخابي جديد يمارس لأول مرة، والذي اتسم بالتعقيد وعدم العدالة، وهو قانون القائمة النسبية المفتوحة، والذي أخرج للوطن نتائج غير منطقية خاصة في دوائر المحافظات الكبرى في المملكة، عداك عن تقسيم الدوائر في المملكة والذي يعطي الفرصة الأكبر للأردنيين من غير الأصول الفلسطينية وأماكن تواجد الحزب الأقوى في الأردن حزب جبهة العمل الإسلامي بحيث يعطيهم فرصة أفضل ومقاعد أكثر، بحيث مهما زادت قوة الأردنيين من الأصول الفلسطينية أو الإسلاميين فإنهم سينافسون على مقاعد محدودة لن تعطيهم الأغلبية حتى بأفضل الأحوال والنتائج.

ولقد أتت هذه الانتخابات إبان الأزمة الشهيرة بين الحكومة من جهة وبين جماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، هذه الأزمة التي عصفت بشرعية الجماعة التاريخية حتى باتت تهدد وجودها، ويرى كثير من أفراد الإخوان أن هذه الأزمة ما كانت إلا من أجل دفع الإخوان دفعاً للمشاركة في الانتخابات النيابية وخشية لمقاطعتهم لها مثلما حصل في انتخابات 2013م إبان الحراك الإصلاحي غضون الربيع العربي، بينما تخوف آخرون من مشاركة الإخوان في هذه الانتخابات لأنهم يرون بأن الحكومة والنظام بحاجة إلى مجلس نيابي يمثل كافة أطياف الشعب لتمرير جملة من القرارات من خلال هذا المجلس والتي من شأنها ربما تغيير الواقع السياسي في الأردن، كالوطن البديل والأزمة السورية وغيرها، وهو ما بدا واضحاً من ترحيبات الملكة رانيا عقيلة ملك المملكة الأردنية عبد الله الثاني بن الحسين بمشاركة الإخوان المسلمين بهذه الانتخابات.

المشاركة أم المقاطعة؟

الكفة رجحت اتجاه مشاركة الإخوان المسلمين في هذه الانتخابات؛ للخروج من عنق الزجاجة، والتحول من الوضع الدفاعي، والسعي للمحافظة على البقاء والشرعية التاريخية

درست قيادات الجماعة الحالية ومكتبها المؤقت أو مكتب إدارة الأزمة -إن صح التعبير- واقع المشاركة والمقاطعة في هذه الانتخابات، وعلى ما يبدو أن الكفة كانت سترجح باتجاه المشاركة؛ للخروج من عنق الزجاجة، والتحول من الوضع الدفاعي، والسعي للمحافظة على البقاء والشرعية التاريخية، والتحول إلى مشارك سياسي ومعارض قوي تحت قبة البرلمان، وهو فعلا ما كان حيث أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي وهو الذراع السياسي للجماعة عن مشاركته في الانتخابات النيابية للعام 2016 دون الإعلان عن شكل هذه المشاركة والتي قد توقع البعض من الكتاب والنقاد بأنها ستكون مشاركة رمزية فقط لأجل المشاركة وهو على غير ما كان. ومن المهم الإشارة هاهنا إلى بعض المخاوف التي صاحبت قرار الموافقة على المشاركة والتي قد كانت في الاعتبار عند مناقشة موضوع المشاركة والمقاطعة:

قامت السلطة في الأردن بعمل قانون انتخابات جديد يدفع الحركة الإسلامية للمشاركة، لكن بشرط أن تبقى لها حصتها غيرالمؤثرة في المجلس

أولاً: قانون الانتخاب، تسعى الأحزاب في الأردن وكثير من المثقفين والمفكرين والسياسيين إلى إعادة العمل بقانون انتخاب عام 1989 أو ما يسمى بقانون الكتلة، ورفضوا بشكل قاطع قانون الصوت الواحد والذي تم العمل به أكثر من مرة، ليأتي قانون الدوائر الوهمية الأسوأ على الإطلاق، وقد كان واضحاً للحكومة أن الحركة الإسلامية لن تشارك في ظل أي من القانونين الآنفين، فسعت لعمل قانون جديد يدفع الحركة الإسلامية للمشاركة، لكن بشرط أن تبقى لها حصتها غيرالمؤثرة في المجلس، فتم العمل بهذا القانون أو ما يسمى بقانون القائمة النسبية المفتوحة، وهو ما قامت الحركة الإسلامية بدراسته ونقده وتبيين عواره وعيوبه إلا أن عيوبه الأكثر والأكبر بانت بعد النتائج النهائية للفرز!

ثانياً: غياب الحركة الإسلامية عن المشاركة السياسية الفعلية منذ عشر سنوات، فآخر تمثيل حقيقي كان للحركة الإسلامية عام 2003 في الانتخابات التي عقدت تلك الفترة، والتي حصلت فيها على 17 مقعداً من أصل 110 مقاعد، حيث يرى الكثيرون أن تزوير انتخابات 2007 لا يعتبر مشاركة حقيقية للحركة الإسلامية مع أنهم قد حصلوا على 6 مقاعد آنذاك، ومع هذا الغياب ظهرت شخصيات دينية على الساحة السياسية أو الإعلامية وهو ما يراه البعض أنها قد أخذت دوراً ما كانت لتأخذه لولا غياب الحركة الإسلامية عن المشهد السياسي الفاعل.

ثالثاً: التضييق على الحركة الإسلامية، وهو تخوف طبيعي ومحتمل بل ومؤكد في كل مرة تشارك فيها الحركة الإسلامية في الانتخابات، وقد ظهر فعلاً هذه المرة أول ما ظهر في حفل الإشهار الذي منعته الحكومة بحجة أن المكان غير مناسب خاصة بعد أن كانت الدولة قد أعطت الموافقة على إقامته في هذا المكان، وكذلك قام القضاء بسحب مرشحين اثنين من الحركة الإسلامية بحجج يرى الحزب أنها وهمية وغير حقيقية خاصة أنهما كانا قد أخذا موافقة مسبقة من الهيئة المسؤولة عن الانتخابات بأن وضعهما قانونياً يسمح لهما بالمشاركة، وغالبا ما رأى الكثيرون بأن فرصة نجاحهما كانت شبه أكيدة لشعبيتهما فأحدهما نائب سابق والآخر نقيب المعلمين السابق.

رابعاً: الخوف من التلاعب بالنتائج والتزوير، يبقى هذا التخوف أصيلا ودائما لدى الحركة الإسلامية فالأجهزة المعنية بالتزوير دائماً في موضع التهمة بالنسبة للحركة الإسلامية وغير مبرأة، إلا أن الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب أعلنت أن هذه الانتخابات ستكون نزيهة، ويبدو أن الحكومة كانت متخوفة من إعلان الحركة الإسلامية انسحابها من المشاركة كما حدث في انتخابات المجالس البلدية عام 2007م بسبب التزوير الواضح، لذا حرصت على أن تسير العملية الانتخابية بكل سلاسة ودون وجود معكرات واضحة للعيان.

كانت هناك حالة إحباط عامة، وهي حالة مبررة شعبياً ولدى أفراد الحركة الإسلامية كذلك، حيث إن المجالس النيابية الأخيرة كانت عبارة عن دمى يتم التلاعب بها من قبل أجهزة الدولة المختلفة

خامساً: حالة الإحباط العامة، وهي حالة مبررة شعبياً ولدى أفراد الحركة كذلك، من أن هذه الحكومات بات ميؤوساً منها، وأن الفساد قد انتشر وتفشى في الوطن، وأن المجالس النيابية الأخيرة كانت عبارة عن دمى يتم التلاعب بها من قبل أجهزة الدولة المختلفة، بل ومنهم الفاسدون الذين عبق الوطن برائحتهم الكريهة، عدا عن عدم قناعتهم بأن الحكومة ستصدق في وعدها بأن تكون هذه الانتخابات نزيهة وحرة.

بعد كل هذه المخاوف كان هناك مجموعة من الدوافع الإيجابية التي تدعو الحركة الإسلامية للمشاركة؛ ومنها:

أولاً: العودة إلى الساحة السياسية وبشكل فاعل، فإن المقاطعة ما زادت الحركة الإسلامية إلا بعداً عن الناس وعن الواقع السياسي، وهو ما أدى إلى انحدار مستوى المجالس النيابية التي غابت عنها الحركة الإسلامية، ما سمح للحكومة بالتغول على الوطن ومقدراته وعلى المواطن وقوته.

المقاطعة ما زادت الحركة الإسلامية إلا بعداً عن الناس وعن الواقع السياسي، وهو ما أدى إلى انحدار مستوى المجالس النيابية التي غابت عنها الحركة الإسلامية، ما سمح للحكومة بالتغول على الوطن ومقدراته وعلى المواطن وقوته

ثانياً: إن وجود ممثلين قويين من المعارضة وخاصة من الحركة الإسلامية في المجلس سيعيد هيبة هذا المجلس أمام الشعب تدريجياً، خاصة أن المجالس السابقة والتي كانت تعرف بمجالس "البزنس" امتازت بكثرة الصراعات السخيفة والمواقف البلهاء المضحكة والواقع السياسي المرير، ومن خلالها مرت قوانين وتغولت الحكومة على الناس، ولا رادع لها، بل إن من السخرية أن عارض النواب في إحدى الجلسات قانون صندوق الاستثمار والذي يبيح للمستثمر الأجنبي نهب البلاد والعباد وعليه ما عليه من المآخذ وشبهات الفساد، إلا أنهم قد أعيدوا للمجلس مرة أخرى في المساء لإعادة التصويت وإقراره بعد أن كانوا قد صوتوا بالأغلبية لعدم الموافقة عليه، وتمت الموافقة عليه من قبل النواب!

أما فيما يتعلق بقراءة نتائج الانتخابات، وما حصلت عليه الحركة الإسلامية ممثلة بالتحالف الوطني للإصلاح، فإننا سنتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …