شهد الأردن مشهداً دموياً جديداً غير معهود وليس له سبق شبيه في البلاد، وذلك من خلال قيام أحد أئمة مساجد العاصمة الأردنية عمان باغتيال الكاتب اليساري ناهض حتّر أيلول المنصرم.
وتباينت ردود فعل الناس تجاه هذا الحدث ما بين مؤيد ومعارض ومستنكر، وكعادة العرب المتطرفين دائماً يقفون أقصى الجانبين، فبين من يرى أن هذا القتل هو القصاص العادل وهو التطبيق المنشود لشرع الله في الأرض، وبين من يرى أن الكاتب أصبح شهيد الكلمة وأنه مظلوم، وأن كل من أيّد هذا الفعل إنما هو مجرم وداعشي يشكل الخطر على البلاد والعباد.
ومن الجدير بالذكر هنا أن قبل شهر من هذه الحادثة أو أكثر بقليل قام الكاتب ناهض حتّر بإعادة نشر رسم كاريكاتوري يمثل إساءة واضحة وصريحة للذات الإلهية، ما أدى إلى تهييج شعبي واضح وصريح، ما دفع برئيس الحكومة بالإيعاز لوزير داخليته بالتصرف سريعاً، وهو ما حدث؛ فقد اعتبر حتر فاراً من وجه العدالة إلى أن قام بتسليم نفسه في اليوم التالي من هذا القرار.
وبعد أسبوعين فقط تم الإفراج عن الكاتب ناهض حتر بكفالة مالية، على أن التهمة لا تزال قائمة وأن على المتهم الحضور إلى جلسات المحكمة حتى يفصل القاضي بالحكم النهائي لهذه القضية، وبينما يتوجه الكاتب إلى قصر العدل في عمان إذ يقدم شخص فاق الخمسين من العمر ليردي الكاتب حتر قتيلاً بخمس رصاصات على الأقل توزعت بين وجهه وبطنه ورقبته بحسب شهود العيان.
مهما كان مبرر القتل فإن الله عز وجل لم يجعل أحداً منا قاضياً بما يراه وبما يهواه، وما جعل الله للناس سلطاناً لتقيم حدود الله وتطبقها كيفما تشاء
في الحقيقة مهما كان مبرر القتل فإن الله عز وجل لم يجعل أحداً منا قاضياً بما يراه وبما يهواه، وما جعل الله للناس سلطاناً لتقيم حدود الله وتطبقها كيفما تشاء، وما جعل الحكم والقضاء إلا بيد ولي الأمر والذي تمثله اليوم المؤسسات القضائية بكافة أشكالها، فهي المعنية أولا ًوأخيراً بهذا الحكم القضائي، وهي المعنية أيضاً بالإشراف على تطبيق هذا الحكم بالطريقة القانونية الصحيحة، ففي النهاية نحن نطالب بالدولة المدنية التي تطبق القانون من خلال القانون، وبالتأكيد لن يصح في عقول البشر أن يقيم القانون من شاء أينما شاء وكيفما شاء، فهنا تنتفي الحياة المدنية المنشودة وتصبح البلدان كالغابات أو ربما أشد فتكاً.
ومن الجدير بالذكر هنا أن الاتجاهات الإسلامية المعتدلة قد أدانت هذا الفعل واعتبرته جريمة غير مسبوقة، وطعنة في ظهر العدالة والقانون، وعلى رأسهم كان حزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمون في الأردن الذي استنكر هذا الفعل، معتبراً أن هذا العمل خروج عن القانون وتعدٍّ على مؤسسة القضاء، محذراً أن فعلاً مثل هذا قد يوجد فتنة طائفية غير موجودة، خاصة إذا علمنا أن الكاتب المقتول هو نصراني.
الشباب اليوم في الأردن يميلون إلى الاتجاهات الإسلامية المعتدلة، فإن حاربتها الدولة وضيقت عليها فكأنها تدفعهم دفعاً إلى التوجه إلى الاتجاهات المتطرفة
بينما يرى الكثير من الشباب المتحمس والذي شعر بالغيرة على دينه أن الدولة لن تحاسب الكاتب ذلك الحساب العادل الذي يستحقه، خاصة في ظل موجة انتشار العلمانية في الأردن وفي ظل المشهد القائم من حرب على الدين ابتداءً من الهجوم الكاسح على الإسلام من قبل الكاتب المقتول ناهض حتر وغيره من الكتاب اليساريين والعلمانيين الذين بدؤوا بمحاربة كل ما هو مسلم وإسلامي، حتى إن بعضهم دعا صراحة إلى إغلاق مؤسسات تحفيظ القرآن ودعوتهم لتغيير المناهج المتطرفة وهو ما تم بالفعل من تلاعب بالمناهج بطريقة كانت مستفزة جداً للشعب، كما وشهد الأردن الفترة الماضية الحد من عمل الدعاة وملاحقتهم كاعتقال الدكتور أمجد قورشة، وإغلاق بعض مقرات جماعة الإخوان المسلمين، والتضييق على الأئمة والخطباء والوعاظ وغير ذلك من مظاهر باتت مرئية للعيان بأن هناك حرباً ممنهجة ضد الإسلام، وإن كانت تحت راية محاربة التطرف والإرهاب؛ وإن حرباً كهذه لهي كفيلة بخلق بؤر للإرهاب لها أول دون آخر، لن يستطيع احد محاربتها أو مجابهتها، فالشباب اليوم يميلون إلى الاتجاهات الإسلامية المعتدلة، فإن حاربتها وضيقت عليها فكأنك تدفعهم دفعاً إلى التوجه إلى الاتجاهات المتطرفة.
استفزاز مشاعر الناس لن تستطيع أن تضبطه إذا لم يكن هناك رادع حقيقي
في النهاية إن مقتل حتر يعتبر جريمة قانونية تستحق العقاب العادل، لكن مع النظر بأن الكاتب المقتول كان قد استفز مشاعر المسلمين ولم يقم باحترامها، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى التي يسيء فيها إلى الإسلام والمسلمين بل إلى أكثر من ذلك حين اعتدى على الذات الإلهية، وكذلك مواقفه الداعمة للنظام السوري والذي يقتل الآلاف بل مئات الألوف على مشهد من الناس دونما أي تحرك، وقديماً قالت العرب عن كليب بن ربيعة حين قتله جساس: "إنما قتله بغيُه"، فاستفزاز مشاعر الناس لن تستطيع أن تضبطه إذا لم يكن هناك رادع حقيقي، فالحق يحتاج دوماً إلى القوة لتحميه، ولعل الدولة أخطأت حين تراخت مع الكاتب ابتداءً وتراخت حين أخرجته من معتقله ولما تهدأ نفوس الناس منهم، فلو أنه لقي حكماً عادلاً من أول يوم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.