تأملت وشيء من الدهشة تملكني عندما نظرت إلى ذلك البنيان أو تلك المنشأة الشاهقة وما وضعه القائمون على هذا البناء أو ذاك من مواد حتى أصبح راسياً شامخاً على الأرض، ضارباً جذوره في باطنها، وعجبت أكثر لترنحه وتهاويه ليصبح أثراً بعد عين.
نعم ما أسرع تهاويه أمام معاول الهدم التي تركز ضرباتها على أساساته، تماماً كما الأسرة عندما تواجه عواصف هوجاء تدك جذورها وأساساتها لتهوي من خلالها المجتمعات إلى الدرك الأسفل من الانحطاط.
الأسرة هي الأساس الذي تقوم عليه أركان المجتمع والتي أولاها الإسلام عناية خاصة وحرص عليها أيما حرص على تماسكها وبنائها، ابتداءً من المراحل الأولى والتي تتمثل في اختيار شريك الحياة.كيف لا وهي اللبنة الأولى والأساسية في بناء ورقي أي مجتمع، فهي المعيار في سلامته وتقدمه تماماً كما القلب للجسد إن صلح، صلح الجسد وإلا أصبح عرضة للهلاك ولقمة سائغة تلتهمها الأمراض بشتى أشكالها!
الأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية في بناء ورقي أي مجتمع، فهي المعيار في سلامته وتقدمه تماماً كما القلب للجسد
إن الأسرة هي السياج والدرع لحفظ النسل والأنساب والأعراض والمعتقدات والأخلاق، تدبر قوله تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة التوبة: آية109]، وقد حث الإسلام منذ البداية على أن يختار من يقدم على إنشاء أسرة صاحبة الخلق والدين، وأن يكون هو كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" [سنن الترمذي]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" [صحيح البخاري] ، إنه توجيه سام ممن أوحى إليه الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يضره وينفعه.
لقد ركّز أعداء الإسلام معاول الهدم لتدك تلك الأساسات، لعلمهم بخطر سلامتها وثباتها
نعم إنها الأسرة حجر الزاوية في بناء المجتمعات والأمم، غفل عنها الكثير من المسلمين وانتبه لها أعداؤهم، فركزوا معاول الهدم لتدك أساساتها؛ لعلمهم بخطر سلامتها وثباتها. في حين ظن الكثيرون منا بأن الأسرة استعراض في المال والبنون، وتفاخر بالكماليات والشهوات، وقد غاب عنهم ما بدا من مخاطر تحيق بها، ومحاولات تستهدف دورها وتأثيرها.
إن أول فساد تضع الأسرة قدمها على دروبه هو إغفال مهمتها الأساسية وهي إنشاء الأجيال واحتضانهم وتغذية أفكارهم وأرواحهم تماماً كتغذية أجسادهم على حد سواء، فتجدهم يتناسلون ولا يلقون بالاً لهذا النسل الواعد المنعقد عليه الأمل كمن يبذر ولا يتعهد زرعه، فتجد الأسرة منكوبة بأفرادها كل في سبيله يغلق على نفسه باب غرفته وبوابة روحه وقلبه منهمك بعالمه الخاص من أفكار ومعتقدات، ولا يقوم الوالدان بالتوجيه أو النصح والتصحيح؛ لأنهم قد غفلوا عن أهمية المرحلة الأولى من الغرس والزرع.الأسرة هي الخندق الذي يحمي الحمى، وهي السد المنيع في وجه أي إعصار هائج، والأرض الخصبة التي إن تمت رعايتها أثمرت وأزهرت
لقد جهلنا وغفلنا وبتخطيط مسبق ومبرمج أهمية الأسرة إذ هي الخندق الذي يحمي الحمى وهي السد المنيع في وجه أي إعصار هائج، والأرض الخصبة إن تمت رعايتها أثمرت وأزهرت، أرادوا لمجتمعاتنا تشرذماً كتشرذم الغرب فانتشرت به المشاكل في كافة المجالات، وأصبحنا لقمة سائغة على مائدة اللئام يتجاذبنا الكل من كل حدب وصوب.
الأسرة من أهم الأولويات التي يجب أن تترأس أجندة المصلحين والمربين، لتثقيف الجيل الواعد بأهميتها وأنها بمثابة جهاز المناعة في جسد الأمة التي يجهد أعداؤها على ضربها بجراثيم الأوبئة المعدية التي لا علاج لها غير الاستئصال، إنها المركب الذي يحمل الآمال والأحلام في سبيل العلياء إن غرق ففي مستنقع آسن يشدنا معه إلى الهاوية التي لا مفر منها إلا بالسير على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم ودينه إنشاءً وإصلاحاً وصلاحاً.