احتفى الفلسطينيون منتصف هذا الشهر بالمولود الجديد الذي رفع رقم التعداد السكاني في قطاع غزة إلى 2 مليون نسمة، في مساحة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كم2، تتجمع فيها كتلة بشرية هي الأكبر على مستوى العالم.
لا شك أن الوفرة السكانية عامل مهم في ميزان الحروب، وهؤلاء الـ 2 مليون نسمة يشكلون رصيدا كبيرا للمقاومة الفلسطينية في غزة، لكن هذا العامل ليس بالضرورة أن يكون حاسما ولا فارقا في مسار الحروب!
ليس أدل على ذلك، أن جميع المعارك التي خاضها المسلمون الأوّلون وانتصروا فيها، كانوا أقل عددا من المشركين، بدءا من بدر فاليرموك والقادسية وحطين وغيرها، باستثناء أنهم كانوا متحصنين بعقيدة قتالية عسكرية سليمة قائمة على فكرة إيمانية ومنهج رباني، ويقاتلون لهدف أسمى، يعتبر الموت في سبيله، حياة.
وبقيت هذه القاعدة قائمة ليومنا، فنجد المقاومة في غزة تخرج منتصرة من ثلاثة حروب مدمّرة مع رابع أقوى جيش في العالم (الجيش الصهيوني)، رغم إمكاناتها القتالية المتواضعة مقارنة بقدرات جيش الاحتلال، الذي ألقى على قطاع غزة أثناء العدوان الأخير عام 2014، ما يزيد عن 20 ألف طن من المتفجرات، أي ما يعادل ست قنابل نووية، ولم يحقق أياً من أهدافه التي خاض لأجلها الحرب، بمعنى أنه لم ينتصر، ولم تهزم المقاومة!
وكان ذلك للأسباب نفسها التي تسببت بهزيمته أمام تنظيم حزب الله اللبناني عام 2006 فيما عُرف بحرب تموز، حين علقت صحيفة هآرتس العبرية بأن الخلل كان في العقيدة القتالية لا في الإعداد العسكري.
ويبرز هنا فارق مهم بين وجود خلل في العقيدة وبين عدم وجودها من الأساس، فدولة الاحتلال التي هُزمت عام 2006 من تنظيم مسلح كانت في عام 1967 قد هزمت 3 جيوش عربية منظمة!
وما يدلل على أن الجيوش الثلاثة كانت تقاتل من غير عقيدة قتالية أن فلسطين لا تزال محتلة.
الغلبة دوما تكون لصاحب العقيدة العسكرية السليمة، وهي كذلك حتى لمن عقيدته بها خلل، في مواجهة جيش أجوف
الدرس المستفاد أن الغلبة دوما تكون لصاحب العقيدة العسكرية السليمة، وهي كذلك حتى لمن عقيدته بها خلل، في مواجهة جيش أجوف.
الاستنتاج نفسه يشير إليه الأكاديمي المصري الدكتور إيهاب فكري بقوله: "من قال إن قوة البدن والعضلات هما الدليل على النجاح؟ ولو كان الأمر كذلك لكان غاندي أفشل أهل الأرض".
ووفقا لرأي علماء النفس، فإن الذي يقاتل من أجل عقيدة يؤمن بها، يختلف عن الذي يُدفع إلى القتال رغماً عنه، كونه موظفا يتقاضى أجرا في نهاية كل شهر!
إن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة
ولا ينفي هذا أهمية الفرد أو العنصر البشري في أي مشروع، باعتبار أن البناء السليم له يحوّله إلى قوة إصلاحية نهضوية، يسهل استثمارها فيما يخدم الأهداف المستقبلية، مثلما قال الإمام حسن البنا: "إن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة".
وهو باعتقادي ما تحرص عليه الحركة الإسلامية في مهمة تفريخ الأجيال وإعدادها، التي تمر عبر ممرات طويلة من التربية والتنظير، قبل أن يُحسم أمره في ميدان القتال، وتحديدا في فلسطين.
المفارقة أنه بعد أيام من إعلان تجاوز سكان غزة حاجز الـ 2 مليون نسمة، خرج وزير الحرب الصهيوني ليهدد بأن أي حرب مقبلة في غزة ستكون الأخيرة، لكن المقاومة التزمت الصمت وكأنها تردّ بأن "الجواب ما ترى لا ما تسمع".
وفي ذلك امتثال عملي لقوله عزوجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران 173).