العقابُ نوعان: عقاب يصحح السلوك بذكاء فيهب الإنسان أخلاقاً أكمل، ظروفاً أفضل، وحياةً أجمل، وعقاب يستمر إلى الأبد فيجعل الحياة تبدو عقاباً في حد ذاتها!
يتفق الخبراء التربويون على أن سني الطفولة الأولى هي الأكثر حساسية في عمر الإنسان، لذلك فإن من الذكاء تفهّم الأم والمربي لهذه الحقيقة والتعاطي مع تصرفات الطفل في مراحل عمره الأولى بشكل دقيق وحذر؛ ليُسهم في صناعة الإنسان السويّ.
ولأن تربية طفل هي عملية معقدة فعلاً، تتطلب الكثير من الوسائل والمفاهيم وطرق التعاطي واستراتيجيات تنفيذ العقاب والثواب والدعم والتحفيز ، فإن من واجب المربي اللجوء إلى طرق تخلق الموازنة الحقيقية في عملية التربية؛ لأن المربين قد يسهبون في الثواب ويجزلون العطاء والمكافأة أحياناً مهملين ما يمكن أن تسببه من آثار وتعززه من أخلاق وصفات لدى الطفل، بينما تجد مربين آخرين يتمادون في العقاب والتعزير لدرجة تفقد الطفل توازنه وتخلّ بتركيبته النفسية والعقلية ربما.
إن العقاب ضروري في العميلة التربوية، وفعل مساند لأجل تحقيق التربية السليمة، وبناء الشخصية المتوازنة، لكنه ملزم بمحددات وشروط وقوانين، فلا يجب أن تزيد مدته أو شدته أو وسيلته عما يستحق الجرم أو الخطأ، بل يكون بقدر الخطأ وبالوسيلة المناسبة لا أكثر/ لا أقل.
العقاب ضروري في العميلة التربوية، وفعل مساند لأجل تحقيق التربية السليمة، وبناء الشخصية المتوازنة، لكنه ملزم بمحددات وشروط وقوانين
المعاقبة بالضرب تثبت فشل المربي:
سمعت في محاضرة أن الفرنسيين حين يعاقبون أطفالهم على أخطائهم يحرصون على ألا يكونوا غاضبين خلال إيقاع العقوبة بالطفل؛ لئلا يظلموه أو يزيدوا من وقع وخطر العقاب، بل يصحبون العقاب بابتسامة ويعاقبون بلطف شديد، علّق أحد الحاضرين ساخراً: حاضر، سأضرب ابني حين يرسب في اختباره أو يبصق في وجهي أو يرفع صوته على أمه وأنا أضحك، لن أكون مبتسماً فحسب، ردّت المُحاضِرة: من قال إنني أتحدث عن الضرب؟ ولم تزِد حرفاً!
لعل العقاب الأشهر للطفل المخطئ على الإطلاق هو الضرب، وقد يأتي الصراخ والدفع والقرص والتوبيخ اللاذع والحرمان المؤذي، والمقاطعة البغيضة، في مراتب لاحقة، وتتدرج أنواع العقاب الخاطئة شيئاً فشيئاً مهما كان نوع خطأ الطفل.
تغيير وجهة نظر المربي عن العقاب هو أسلم طريقة لبناء أسلوب جديد وملائم في العقاب
لذلك، فإن تغيير وجهة نظر المربي عن العقاب هو أسلم طريقة لبناء أسلوب جديد وملائم في العقاب، وأول خطوة في تغيير وجهة نظره تأتي عن طريق معرفة المخاطر للأسلوب الذي يتخذه المربي في العقاب، فمثلاً: الضرب، والتوبيخ الدائم يؤديان إلى بناء شخصية مهزوزة ، طفل غير واثق من نفسه، طفل عدواني، عنيد، عنيف، أو طفل منطوٍ، جبان، متردد وخائف، خجول، تابع وانقيادي وفاقد لأهم المهارات الحياتية... إلى جانب الكثير من الصفات الأخرى والمشاكل النفسية التي قد لا يتوقعها المربي، مثل: أن طرق العقاب الخاطئة تعالج ظاهر السلوك لا أصله، وتُخلف الخوف من المربي لا الاحترام له، وتعلّم الطفل الكراهية كأول شعور تجاه من يضربه؛ لأنه يسبب له الألم فتلك نتيجة طبيعية، ويقتل تأثير القدوة الصالحة على الطفل تماماً، وتحرمه من أهم حاجاته النفسية كالأمان والحنان... إلخ. وبذلك يظهر أن الأساليب النابية في العقاب هي أقل الأساليب نجاعة، إضافة إلى أنها تشير إلى مهارات تربوية متدنية جداً لدى المربي.
كيف نعالج أخطاء أبنائنا؟
في كتابه كيف نعالج أخطاء أبنائنا، وضع الدكتور (Larry j. koenig) استراتيجية تربوية ذكية، تساعد المربين بصورة عملية على تحديد أخطاء الأطفال وعلاجها، مع تقوية العلاقة بين المربي والمتربي في ذات الوقت.
وتقوم استراتيجية الدكتور (لاري كوينغ) في معالجة الأخطاء على خمس خطوات عملية يقوم بها المربي:
1. تحديد السلوكيات السيئة:
ويتم برصد السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها الطفل، ثم فرز السلوكيات التي تحتاج إلى تقويم عاجل، مع الحرص على وضع قائمة لكل طفل على حدة.
2. تحويل المساوئ إلى قواعد:
يقوم المربي بوضع قاعدة تنفي السلوك الخاطئ ليلتزم بها المتربي، مثلاً: لا يُسمح بمشاهدة التلفاز أكثر من ساعة يومياً في الفترة ما بين كذا وكذا...
3. اختيار العقوبات المناسبة:
ويتم عن طريق وضع الامتيازات أولاً للطفل الذي يلتزم بالقواعد، ويتدرج نظام المكافآت بالأشياء المحببة للطفل، ثم الأقل أهمية لديه، واستخدام هذه القائمة في تحديد العقاب المناسب لكل خطأ.
4. وضع الجداول الذكية:
صناعة الجدول الذكي، تكون بتسجيل المهام التي يتعين على الطفل القيام بها، وأوقاتها ومدتها، وتسجيل كل ما يتعلق بالتنفيذ، ثم استخدام أسلوب الثواب عند الالتزام.
5. شرح النظام للأبناء وتطبيقه:
يجمع المربي جميع المتربين في اجتماع عائلي على سبيل المثال ليشرح خطوات تنفيذ الجداول ويبين الامتيازات العامة وأساليب الثواب والعقاب، فيخلق لدى الأطفال حالة من التنافس والمبادرة والرغبة في الفوز، فيصحح السلوكيات بدون أن يلحق الأذى بالطفل.
وبناءً على نصائح (الدكتور لارّي كوينغ) نكتشف أن العقاب بذكاء هو فنّ يجب على المربين تعلمه لتحقيق تربية أفضل ، ويكون العقاب الصحيح عن طريق:
• تحديد نوع العقاب وطريقة تنفيذه.
• تحديد مدته الكافية، ونمط إدارته.
• تحديد المكان المناسب لتطبيق العقاب.
مع ضرورة ضبط الذات حتى لا يفقد المربي السيطرة فتفشل العملية وتعطي نتيجة عكسية، كما يجب التنويه إلى ضرورة وضع خطة احتياطية/ بديلة يتحول المربي إليها في حال فشل الخطة الأساسية ، وينصح اللجوء إلى استشارة الطبيب الخاص أو الخبير التربوي في حال استعصى التنفيذ أو حصلت مشاكل لم تكن بالحسبان.
فن العقاب:
استخدام أساليب العقاب الذكية فن يتطلب من المربي البحث فيها وتحديد ما يناسب طفله ويلائم الخطأ المراد تعديله
البدائل الذكية للعقاب المؤذي كثيرة، واستخدام أساليب العقاب الذكية فن يتطلب من المربي البحث فيها وتحديد ما يناسب طفله ويلائم الخطأ المراد تعديله، وأمثله هذه البدائل:
1. أسلوب التجاهل: ويكون بتغاضي المربي عن السلوك الخطأ حتى لا يصر الطفل عليه.
2. القيام بعمل إضافي في المنزل: ويكون بزيادة مهام الطفل ومراقبة تنفيذه والإصرار على إتمامها في وقت قياسي.
3. مناقشة الخطأ: ويتم بجلسة مصارحة حرة بين المربي والطفل يبين له فيها المساوئ والمزايا بطريقة ذكية.
4. الحرمان من الأشياء المفضلة: وكل مربي يعرف جيداً ما يفضله الطفل، كاللعب والخروج، فيتخذ المربي ذلك لصالح تعديل سلوكياته.
5. الخصام والهجر: وهذه الطريقة تجدي نفعاً مع صغار السن كثيراً والذين تكون إنسانيتهم في أرقى مراحلها فيؤثر فيهم الهجر والخصام ويرتدعون عن الخطأ لإرضاء المربي.
6. فرض ضريبة على الطفل: وتتم بدفع جزء من مصروفه باقتناع تام ليكفّر عن خطئه.
7. النظرة الحادة أو الهمهمة: يقوم بها المربي في وقت الخطأ تماماً ليردع الطفل ويفهمه بأنه يحترمه ولا يريد أن يرفع صوته عليه أو يؤذيه.
8. تركه لتحمل النتائج وحيداً: فحين يهمل الطفل حل واجبه ويتركه المربي لمواجهة الأمر مع معلمته وحيداً سوف يحرص لاحقاً على تعديل خطئه بنفسه.
9. إشعار الطفل بخيبة أمل المربي: ويكون ذلك عن طريق أفعال وكلمات غير مؤذية يشعر الطفل من خلالها أنه لم يتعامل جيداً مع الثقة الممنوحة إليه.
10. احتساب النقاط: وتكون بعمل لوحة للطفل يضيف المربي إليها نقطة جديدة كلما قام الطفل بعمل جيد أو تجنّب خطأ ما، ثم يتفق معه على احتساب كل مجموعة نقاط يحرزها الطفل بمكافأة، كقطعة حلوى أو خروج للعب... أو أية مكافأة يحبها الطفل.
11. العزل: حبس الطفل في مكان معزول لوقت محدد يشعر فيه برفض الناس له ووحدته، لأنه أخطأ، يسهم في تعديل سلوكه لاحقاً.
12. كرسيّ العقاب: وهي طريقة اشتهرت جداً في العقاب، بوضع الطفل على كرسي لا يتحرك عنه لوقت محدد يحرمه ذلك من الحركة بحرية وتنفيذ ما يدور برأسه، فيكف عن الخطأ حتى لا يتعرض للجلوس على كرسي العقاب ثانية.
الطرق التربوية التي تجد صدى إيجابياً، مع طفل قد لا تنفع مطلقاً مع آخر؛ لأن الأطفال مختلفين، ولكل منهم شخصية منفردة، تحتاج لتعامل يناسبها
ويجب الانتباه دائماً إلى أن الطرق التربوية التي تجد صدى إيجابياً، مع طفل قد لا تنفع مطلقاً مع آخر؛ لأن الأطفال مختلفين، ولكل منهم شخصية منفردة، تحتاج لتعامل يناسبها.
ابتكر الدكتور العربي جاسم المطوّع طريقة فعالة للعقاب، تقوم طريقته على اختيار الطفل لطريقة العقاب بنفسه، بوضع عدة أنواع وطرق من العقاب يقترحها الطفل، ويتفق المربي معه، على أن المربي هو من سيختار الطريقة التي يراها ملائمة أكثر من بين عدة الطرق التي يقترحها الطفل.
ولعل طريقة العقاب تلك تؤثر بشكل كبير في تحسين السلوك، فمجرد تفكير الطفل في العقاب واختياره للطرق التي لا يعرف بعد أيها سيختار المربي، يشكّل لديه وازعاً داخلياً، بعد حديثه مع نفسه ومحاورته لها، وهذه الطريقة هي ابتكار عربي فارق من خبير أسري واستشاري تربوي معروف ومؤثر، وهذا الأمر يجعلني أشعر بالفخر وأنا أتحدث عنه.
رجاءً، لا تجعلوا أبناءكم يكرهون أنفسهم وحيواتهم ووجودهم؛ لأنهم أخطأوا فقط، وتذكروا أن الخطأ طبيعة إنسانية وأن كل البشر خطاؤون كما ورد في الهدي النبوي.