يثور الجدل بين الفينة والأخرى كلما ثار المسلمون على استهداف ثوابتهم، والاستهزاء بمعتقداتهم، فالبعض يصف ردة فعلهم بالهمجية وعدم تقبل حرية الرأي، والسعي لفرض رأي واحد على الجميع. في حين لا يرى البعض تعبير المسلمين الغاضب عن استهداف ثوابتهم بأنه نوع من الرأي والحرية!
لقد أصبح استهداف ثوابت المسلمين طريقاً للشهرة والنجومية لدى البعض، وسبباً لتسليط الضوء الإعلامي عليهم ، وكل ما عليك هو أن تشكك بثوابت المسلمين الدينية، أو تهاجمهم، أو حتى ترسم رسماً كاريكاتورياً يسيء إلى معتقداتهم.وربما يكون مراد ذلك أكبر من الخصومة السياسية، بحيث يتعدى إلى النظرة الأحادية الفوقية وازدراء الآخر من قبل أعداء الإسلام وخصوم الإسلاميين، لا لشيء إلا رغبة بالإقصاء والتهميش، لمكون طالما حصل على شعبية عارمة في أي انتخابات، لا ينكرها إلا جاهل أو متحامل.
لا شك أن ضياع هيبة المسلمين، وعدم اهتمام الدول الإسلامية بثوابت دينها على نفس القدر بما يتعلق بحكامها وهيبتهم -حيث تتشدد بعض الدول خصوصاً ذات الحكم الوراثي والاستبدادي بجريمة الإساءة إليهم- جعل البعض يتجرأ –وربما بحماية من الدولة- على معتقد ما يزيد عن مليار ونصف من الناس، وهو ما يزيد الطين بلة، أي يؤجج في النفوس الغضب ليس تجاه المسيء فحسب، بل تجاه الدولة أيضا!
الحكومات هي التي تتحمل العبء الأكبر في منع حدوث الانقسام المجتمعي، فالأصل أن تدرك أن الناس لا يمكن أن يبقوا كاظمي غيظهم تجاه الممارسات المسيئة بحق دينهم
هذا الأمر برمته، ينذر باندلاع براكين داخلية تزعزع الاستقرار المجتمعي، وتودي بتماسكه ووحدته، إذ تعتبر الثوابت الدينية خطاً أحمرَ، لا يمكن بأي حال أن يسمح الناس بالتعدي عليها، أو بالانتقاص منها .
والحقيقة التي لا شك فيها، أن الحكومات في دولنا هي التي تتحمل العبء الأكبر في منع حدوث هذا الانقسام، فالأصل أن تدرك أن الناس لا يمكن أن يبقوا كاظمي غيظهم تجاه الممارسات المسيئة بحق دينهم، وليس الكل يتمتع بقدر من الحكمة في ردة فعله تجاه هذه الأمور، فهناك الحكيم، والمتأني، والمندفع، وغيرهم. وكل أولئك يجب أن تأخذهم الدولة بعين الاعتبار.
وإن عدم اعتبار الدولة لهذه الأصناف، يعني أن بعض الناس قد لا يطيقون تلك الإساءة – وهذا حقهم- فيلجؤون لمعالجتها بطريقة متسرعة لا نقبل بها، وهي استخدام السلاح، إما في تصفية أولئك المسيئين، أو الاعتداء عليهم، مما يعود على المجتمع وديننا خصوصاً بآثار سلبية وخيمة.
بلا شك أننا لا نبرر اللجوء إلى السلاح، لكن في حالة إهانة الشعور الديني، لا تتوقعوا من الناس أن يسكتوا، وعلى الحكومات أن تلجم اندفاعيتهم وتهورهم بإجراءات استباقية قبل تفاقم الأمور، ومنها:
1- لابد من وضع خطوط حمراء لا يجوز مسها، فلا يكفي أن ينص الدستور على أن دين الدولة الإسلام، بل لا بد من وجود قوانين واضحة ومعمول بها، تجرّم الإساءة أو الانتقاص من الثوابت الدينية التي يعتنقها المجتمع ويؤمن بها. وترتب عقوبات رادعة على من يرتكبها. فقد نقبل الاختلاف في السياسة، وسبل إدارة الدولة، والبرامج السياسية والاقتصادية وغيرها، لكن ليس على حساب التدين والثوابت!
إن المساس بثوابت الدين، لا يعتبر بأي حال صورة من صور حرية الرأي، فالحرية تنتهي حينما تضر بالآخرين، فكيف إذا كانت نسبتهم تفوق 95% من السكان!
هناك فرق بين حرية الرأي البناءة التي تهدف إلى نهضة الأمة، وتغيير المنكر، وبين تلك الحرية الصورية التي تثير الفتن، وتعرض أمن المجتمع ووحدتهم للخطر
إن الأصل في الدساتير كما يراها القانونيون أن تضمن حريات الأفراد، وفي الوقت نفسه حقوق المجتمعات، وإن سلامة الصالح العام شرط أساسي لتمكين الفرد من الانتفاع بحقوقه وحرياته ، وهناك فرق بين حرية الرأي البناءة التي تهدف إلى نهضة الأمة، وتغيير المنكر، واختيار الأحسن، وبين تلك الحرية الصورية التي تثير الفتن، وتقدح بالآخرين، وتعرض أمن المجتمع ووحدتهم للخطر.
2- المساواة القانونية وسرعة الحسم في القضايا التي تثير الفتن، وليس المقصود بالسرعة أن يكون هناك استعجال في البت بالأحكام المتعلقة بهذا الأمر دون تثبت وسماع لرأي المتهم، بقدر ما أقصده عدم إماتة القضية والتغاضي عن فداحة الجريمة، والعمل على امتصاص غضب الشارع من خلالها، لأن هذا يعني زوال الثقة بالجهاز القضائي، وعدم الاستعانة به، والعمل على اللجوء إلى الثأر الشخصي.
إن على القضاء أن يتعامل مع الجميع بنفس المكيال، وليس بمكاييل مختلفة، مع أهمية الإسراع في إجراءات التقاضي، لإنهاء فتيل الأزمة، ومعاقبة من يستحق ذلك.
إن الاعتداء على الثوابت الدينية يعتبر جريمة قدح في المفهوم القانوني ، حيث يعتبر جنحة إذا كان علناً كالنص المكتوب أو الرسم الساخر أو الخطاب العلني، وعلى القانون أن يأخذ على عاتقه حماية الأشخاص والجماعات من هذا الأمر.3- منع استخدام السلاح في الدولة، حيث إن استخدام السلاح في الدولة، هو أثر للثقافة السائدة في المجتمع. فحينما يتفشى السلاح، ويكثر استخدامه، فلا غرابة أن يقوم بعض الناس باستخدامه انتقاماً ممن يسيء إليهم وينتقص من دينهم. لذا من واجب الدولة أن تضبط هذا الأمر، بحصر السلاح بالأجهزة الأمنية، وتضرب بيد من حديد على كل من يتاجر أو يقتني السلاح، كائناً من كان، سواء كان يقصد به تأييد الدولة، أو استخدامه في الأفراح أو المناسبات، أو غير ذلك.
الحكومات تسعى للابتعاد عن الشارع وتطلعاته من خلال محاربتها للإسلاميين، والعمل على إخفات صوتهم، والسماح للمرضى النفسيين والانتهازيين بتصدر المشهد السياسي والمجتمعي
ختاماً لابد أن أنوه إلى أن الحكومات تسعى يوماً بعد يوم للابتعاد عن الشارع وتطلعاته من خلال محاربتها للإسلاميين، وقمعهم، والعمل على إخفات صوتهم، والسماح للمرضى النفسيين والانتهازيين والحمقى بتصدر المشهد السياسي والمجتمعي، الأمر الذي يزيد من الهوة بين الحكومة والشعب ويقتل الثقة بها.
إن الشعوب باقية مهما عايشت من ظروف ومصاعب، وإنها لا يمكن أن تتخلى عن ثوابت دينها أو تسكت عمن يسيء لها ، وهذا ما ينبغي على الحكومات أن تدركه، أن فتح المجال للتهجهم على معتقدات الشعب وثوابت دينه، واستمرار ذلك، ينذر بكارثة حقيقية ستخسر فيها الحكومات ومن يسعى للإساءة إلى الدين والقيم. لذا على الحكومات أن تعمل على تغليب الوعي والمصلحة العامة على حساب الخصومة والفئوية وتصفية الحسابات، وإن أول الخاسرين من اندلاع الفلتان الأمني، واستهداف الآخرين هي هيبة الدولة ومصالحها واستقرارها. فهل تدرك الحكومات الدرس قبل فوات الأوان!