جنود الله الذين لا يقفون معنا!

الرئيسية » خواطر تربوية » جنود الله الذين لا يقفون معنا!

اجتاحت حرائق غير معلوم سببها -حتى الآن- الكيان الصهيوني في الأيام السابقة. ورأينا كيف ساعد جفاف الجو والرياح وتأخر المطر في انتشارها، وبرز لنا كثيرون يمجدون فعل الطبيعة التي هي جند من جنود الله، وأن الله عاقب اليهود بسبب قرارهم منع رفع الأذان في المسجد الأقصى.

ترى هل حقا أرسل الله جنده لينتقم لصوت الحق الذي أرادوا له أن يخبو؟

لقد كان هذا الموقف الذي انتشر كثيراً محزناً ومزعجاً إلى حد كبير، وأثبت أننا ما زلنا شعوب ساذجة متواكلة.

أما كيف أن شعوبنا ساذجة فلأن التفكير العلمي المنطقي ما زال يجافينا، وما زلنا في زمن التفكير بالمعجزات، وما زالت كرامات المتصوفة وقدراتهم الفذة هي أملنا للنصر!

ما زلنا في زمن التفكير بالمعجزات، وما زالت كرامات المتصوفة وقدراتهم الفذة هي أملنا للنصر

ومع إيماننا بوجود الكرامات إلا أن هذه الكرامات مشروطة بشروط كثيرة، أولها الإيمان، والإيمان في عصرنا يسجل انحساراً كبيراً لدى المسلمين للأسف. فالمسلمون الذين يفخرون بدينهم قليلون، والباقي يسيرون خلف الغرب إلى جحر الضب دون تفكير.

والمتدينون يقعون بين فكي كماشة إفراط تمثله داعش بكل ما لديها من تطرف وتشويه لصورة الدين، أو تفريط كما في توجهات كثير من الجماعات الإسلامية التي تدعي الاعتدال وهي في الواقع تحاول أن تجد لها مكاناً تنضوي فيه تحت الإسلام الحداثي الذي يلغي في كثير من أبجدياته ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالتهاون في الحجاب، والولاء والبراء، والطريقة التي ينظر فيها إلى الآخر بحجة التقارب، وتبقى قلة قليلة سلمت من هذه الموبقات ولكنها محاصرة محجمة متهمة.

إن هذه السذاجة لا يغفرها شيء ولا يبررها أي مبرر، والأعجب أن المتدينين قبل غيرهم طرحوا هذه الفكرة، وهم الذين يقرؤون في نص الحديث الشريف الصحيح أن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلوا" (رواه البخاري).

إذن هذه الآيات وهذه الظواهر الطبيعية لها سننها الكونية التي تتبعها، ولا تسير احتفالاً ونصرة لأحد، ولا حزناً لموت أحد  ! ولو فعلت لصار ذلك يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أكبر كارثة حلت بالبشرية؛ إذ انقطع وحي السماء عن الأرض إلى قيام الساعة.

وقد يرد المحتج: وماذا عما حدث يوم الأحزاب؟ ولم ينتبهوا أن الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام لم يكن جالسا في بيته عندما نصره هؤلاء الجند، بل كان نفسي فداء له يتعرض مع صحابته رضي الله عنهم للريح وتصطك أسنانهم من البرد، ويرفع الصحابي من زمرته رضي الله عنهم جميعا يده في العتمة فلا يكاد يراها!

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب ينتظر هو وصحبه المعجزة لتقوم بدورهم، بل قاموا به على أكمل وجه، ثم فعّلوا الخصائص الإضافية من دعاء وابتهال وتهجد

لم يكن عليه الصلاة والسلام هو وصحبه ينتظرون هذه المعجزة لتقوم بدورهم مع أنه كان يقدر بدعاء بسيط لله أن يفعل، بل قاموا بدورهم على أكمل وجه ثم فعّلوا الخصائص الإضافية من دعاء وابتهال وتهجد، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى آخر لحظة يعمل ويسعى ولم يتقاعس أو يركن للمعجزات أبداً  .

والله هو من أخبر ساعتها أنها من جنوده وقرر حقيقة أننا لا نعلم نحن البشر جنوده ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدَّثر:31] وما علمها رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا بوحي الله.

فكيف نجرؤ على تصنيف الآيات هذه من جند الله؛ لأنها خدمت مصالحنا وتلك ليست من جنود الله لأنها لم تكن معنا!

وسؤالي الآن: ماذا إذا ما استغل اليهود -على فرض لم يكونوا الفاعلين أصلاً- هذا الأمر ضد العرب والمسلمين، والبسوها لنا واعتقلوا على أثر ذلك خيرة شبابنا -كما رشح مؤخراً- هل ستكون الحرائق ساعتها من جنود الله أم لا؟

هل بتنا في حالة ننتظر حريقاً يشب لينتقم الله لأذانه الذي لن يرفع، بينما نكسل نحن البشر ذوي العقول والعقيدة والحيلة والتخطيط؟

أما التواكل والاتكالية التي وصلنا اليها فهي مغرقة في الكسل والعجز، هل بتنا في حالة ننتظر حريقاً يشب لينتقم الله لأذانه الذي لن يرفع، بينما نكسل نحن البشر ذوي العقول والعقيدة والحيلة والتخطيط، بحيث ننتظر ونتفرج ولسان حالنا يقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون!

إن هذا قمة الكسل والركون إلى الدنيا، والحقيقة أن الحريق كشف هذه العورة فقط، أما الواقع فيقول إنها متعمقة في دواخلنا، فنحن صباح مساء ننادي عمر رضي الله عنه، ونترحم على صلاح الدين، وننتظر المعتصم، ونناشد قطز، وإلى أن يرد أحدهم نحن هنا قاعدون!

ثم أليس هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دماء المسلمين؟لماذا لم يرسل الله جنده وكل هذه الدماء تسال من فلسطين وسوريا إلى العراق والروهينجا وغيرهم كثير؟  

ومن الغرائب التي صاحبت هذا الحريق أن تهب أكثر من دولة حتى منا نحن المسلمين لإطفاء الحريق! فإن كان عجزكم منعكم من محاربة الكيان الصهيوني فعلى الأقل اتركوه يحترق.

إن الله لم يطلب منا لينصرنا كثير عتاد أو عسير عدة، إنهما أمران اثنان فقط ووعدنا بعدهما بالنصر والتمكين. الأول هو العدة المعنوية من إيمان ويقين لا يتخلخل، ومن ثم العتاد المادي وهو فقط ما استطعنا ولو كانت يداً مجردة. وليس أدل على ذلك مما يحدث في غزة تلك البقعة الصغيرة المحاصرة التي بالكاد تجد غذاءها ثم تستطيع باتكالها على الله وإعدادها لما تستطيع بناء أسلحة تهدد محتلها وتظهر للأنظمة العربية -كاملة السيادة بزعمهم- عوراتهم وقلة حيلتهم وخيانة حكوماتهم.

تحضرني كلمات جدتي -أطال الله بقاءها- وهي تقول: حسبي الله عليهم من يهود، كلما دعينا عليهم (الله يقطعهم) زادوا! إنهم جند الله الذين لا يقفون معنا؛ لأننا لا نقف مع أنفسنا، ونريد عسلاً بلا إبر نحل وأنى لنا!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …