عشرة أمور تجعل تقويمنا للآخرين منضبطاً

الرئيسية » بصائر الفكر » عشرة أمور تجعل تقويمنا للآخرين منضبطاً
evaluation_resized

يعلم كل من له دور في العمل التنظيمي وكل مشارك في الفعل الحركي الجماعي أهمية مسألة التقويم وضرورتها في كثير من الأحيان لضمان أداء أفضل وتحقيق إنجاز أكبر.

فالتقويم عملية إدارية تنظيمية تربوية مبنية على مراجعة موضوعية لمجمل النشاطات العامة والفعاليات التنظيمية  وذلك من خلال معرفة السلبيات لتجنبها لاحقاً، ورؤية النواقص لاستكمالها في مرات قادمة، ثم تحديد الإيجابيات لتثبيتها والبناء عليها مستقبلاً.

وتشمل هذه العملية أيضاً نقد الرجال والتمييز بين قدراتهم والمقارنة بين إمكانياتهم واستحضار تجاربهم وذكر انجازاتهم وإخفاقاتهم، مع مراعاة الظروف الخاصة والأوضاع العامة المرافقة لكل ذلك.

غير أن عملية التقويم قد تفقد قيمتها وتخسر فاعليتها وأهميتها إذا لم تكن قائمة على أسس واضحة وعلى ركائز متينة. بل إنها قد تصبح ضارة وسلبية إذا لم تكن ملتزمة بمجموعة من الضوابط التي تضمن لها أداءً بناءً مثمراً بعيداً عن الانتقاص والهدم والعبثية.

عملية التقويم قد تفقد قيمتها وتخسر فاعليتها وأهميتها إذا لم تكن قائمة على أسس واضحة وعلى ركائز متينة

وفيما يلي استعراض لأهم هذه الضوابط:

1- تقوى الله وصدق النية:

وهي سمة مهمة وركيزة أساسية يتميز بها الدعاة إلى الله، ويلتزم بها جند حماس في كل شؤونهم. وتزداد الحاجة إلى التقوى في هذه الحالة وهي شرط لا يمكن الاستغناء عنه لكل ما يتصور لعملية التقويم، فاستحضر تقوى الله في قلبك وأخلص نيتك فالله يعلم ما تخفي نفسك ويعرف مقصدك من كلمات التقويم أو عبارات الوصف.

2- الابتعاد عن الأهواء:

النفس لا تخلو من الهوى وإن كان صاحبها مؤمناً، والقلب يميل بحامله لمن يحب ، والفطرة تدفع المرء للرضا عن أصدقائه وأقاربه وخاصته من الناس، وفي المقابل يغمض الإنسان عينيه عن جوانب الخير في شخصية من لا يحب، فيكون في هذا ظلم كبير.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة .... ولكن عين السخط تبدي المساويا

ولكن الداعية الصادق ينأى بنفسه عن كل تلك الأهواء، ويتعالى بعقله عن هذه العلائق، وهو عندما يمارس عملية التقويم يضع مصلحة الحركة فوق رغباته الخاصة، وقد يختار أخاً لمهمة ما، وقد يرشح شخصاً لموقع معين وإن كان غيره أحب إلى قلبه منه.

وحسبك في هذا ما فعله الفاروق عمر حين اختار ستة من الصحابة ليكون منهم الخليفة من بعده وذلك حين أصيب بطعنة قاتلة ولم يجعل ابنه عبد الله واحداً منهم رغم فضله وعلمه وحب عمر له بطبيعة الحال، ونحن في حماس أحوج ما نكون إلى فقه عمر، وإذا كان بيننا –وهم قلة- من تغلبه الأهواء عند التقويم فإننا ندعوه إلى العودة والإنابة قبل أن يحدث ضرراً في صفنا، أو يتسبب في نزع بركة نحن في أمسّ الحاجة إليها.

إذا كان بيننا –وهم قلة- من تغلبه الأهواء عند التقويم فإننا ندعوه إلى العودة والإنابة قبل أن يحدث ضرراً في صفنا، أو يتسبب في نزع بركة نحن في أمسّ الحاجة إليها

3- التقويم متعلق بالمهمة المطلوبة:

فعند ترشيح أخ لمهمة ما أو تقديمه لموقع محدد فإن التقويم المسبق لشخصيته والدراسة لمدى ملائمته لهذا الأمر يجب أن يتركز حول قدراته وإمكانياته المرتبطة بالدور المقترح، وليس ثمة ضرورة حينها لتقويم جوانب عند هذا الأخ ليس لها صلة بالمهمة المطلوبة، فعند الحديث عن مهمة تربوية ثقافية فلا حاجة لتقويم القوة الجسدية للأخ، فقد كان عطاء بن أبي رباح أحد كبار فقهاء التابعين رغم كونه أسود أعود أعطس أعرج أشلّ.

ومن يحفظ كتاب الله غيباً فليس بالضرورة أن يكون مجاهداً صلباً ، فقد ورد أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يكن يحفظ سوى القليل من آيات القرآن، ولكن ذلك لم يؤثر على كونه قائداً مميزاً في ميادين القتال يحسب له العدو ألف حساب.

4- تحري العدل:

هي صفة أصيلة يجب أن ترافق الداعية في كل شؤونه وأحواله ومن العدل في عملية التقويم أن تصف أخاك فتذكر إيجابياته مقابل سلبياته، وتعدد الإنجازات إلى جانب الإخفاقات ، وتوضح الإمكانيات والقدرات كما تبين جوانب النقص والضعف، وبهذا تكون عملية التقويم منطقية وموضوعية ومتوازنة، إذ إنك لو وضعت خير الإخوان تحت المجهر ونظرت إليه بعين ناقدة تبحث عن السلبيات فإن نتيجة ذلك أن تحكم عليه بعدم الأهلية لأي موقع أو دور حركي، واعلم أن العدل من أسماء الله الحسنى فهو عز وجل يحاسب الناس على حسناتهم وسيئاتهم ثم يستر على من يشاء ويتفضل برحمته.

5- تجنب المبالغة والابتعاد عن الأحكام المطلقة:

فإذا ذكرت فضائل الأخ وعددت مزاياه الإيجابية فليكن ذلك باعتدال لا مبالغة فيه، والإنسان لا يخلو من نقص، وأحدنا أبعد ما يكون عن الكمال، والحي لا تؤمن عليه الفتنة. فأن تقول إن فلاناً هو أفضل من بقية إخوانه في جانب ما خير من قولك أنه الأول في كل فن، والمتقدم في كل شأن، وأنه لا مثيل له. وإذا تحدثت عن سلبيات أحد إخوانك وبينت جوانب النقص لديه، فلا تنزل به أسفل سافلين، وحسبك من الوصف ما يؤدي المطلوب، واعلم أنه ما من شخص ولا أمر ولا فعل يتصف بالخير المحض ولا بالنقص المطلق ، وأن المسألة نسبية في أغلب الحالات.

6- حسن اختيار الألفاظ:

وهو خلق ملازم للداعية في كل أقواله. لكن الأمر يصبح أكثر وجوباً حين يكون متعلقاً بتقويم لبعض إخوانك. فحقوق الإخوة تمنعك من استخدام العبارات الجارحة، ورابطة الانتماء الحركي تحول بينك وبين الأوصاف القاسية، وقدوتنا في ذلك أخيار فقهاء علم الحديث الشريف ممن أتقنوا فنون الجرح والتعديل، ومع ذلك فقد استخدموا أوصافاً غايةً في الذوق والأدب عند نقدهم لبعض الرواة. فيقول بعضهم عند تضعيف رجل ما "تركوه أو هو شيخ" ويعنون بذلك عدم أهليته للرواية والنقل، ووضع البخاري قاعدة ذهبية لذلك سطرها على لافتة تلازمك على الدرب وكتب عليها "أُكسُ ألفاظك أحسنها". ونترك لفطنتك وحسن تربيتك أن تطبق وتحسن الإقتداء.

7- التقويم عند الحاجة وعلى قدر الضرورة:

فالمسألة ليست مجالاً للتسلية وتمضية الوقت. ونحن نعجب لبعض مجالسنا التي يقضي أصحابها جلّ حديثهم في تقويم إخوانهم وتوزيع العلامات عليهم دون أن يكونوا في موقع يؤهلهم لذلك، ودون أن ينبني على نقاشهم عمل أو يتحقق منه هدف! والأغرب من ذلك قيام البعض ممن بضاعته في العلم محدودة بعمل تقويم لعلماء الأمة من السلف والخلف وإجراء مقارنات بينهم بغير علم. وقد يتحدث البعض عن الحسن البصري أو ينتقد أحمد بن حنبل أو يعلق على كلام ابن تيمية كما لو أنه يتعامل مع بعض أقرانه الذين يلهو معهم.

8- تقويم قدوة مضى:

إذا أردنا تربية الناشئة وتعليم الأجيال فنون الارتقاء نحو المعالي فإن أفضل الوسائل لذلك أن تضع بين أيديهم نماذج للاقتداء من أخيار الأمة الذين لقوا الله على الحق، من العلماء والفقهاء والعباد والقادة والمجاهدين، وعندها يكون التركيز على الإيجابيات وإظهار مكامن الخير في القدوة، والأمر يختلف عند إجراء دراسة علمية تناقش كل الجوانب والأبعاد وهي مسألة ينبغي الانتباه لها.

إذا أردنا اختيار شخص مناسب لمنصب أو تكليف حركي فإننا مطالبون بوضع عدة خيارات وإجراء تقويم لكل حالة؛ لاختيار الأنسب لهذا المكان، ونخطئ حين نحصر نقاشنا في احتمال واحد دون البحث عن بدائل

9- تضييق الدوائر وتوسيع الخيارات:

عندما تقوم هيئة تنظيمية مكلفة داخل الحركة بعملية تقويم لبعض المرشحين لموقع تنظيمي ما فإنها مطالبة بحصر النقاش داخلها ويحظر عليها توسيع دوائر معرفة تفاصيل شخصيات الأخوة خاصة عند ذكر السلبيات والنقائص أو ضعف المؤهلات والإمكانات. وفي المقابل إذا أردنا اختيار شخص مناسب لمنصب أو تكليف حركي فإننا مطالبون بوضع عدة خيارات وإجراء تقويم لكل حالة؛ لاختيار الأنسب لهذا المكان، ونخطئ حين نحصر نقاشنا في احتمال واحد دون البحث عن بدائل، فإن حركتنا مباركة وفيها أخيارٌ كثر، ولسنا ممن يرهن عملنا بشخص محدد وإن كان مبدعاً مقتدراً .

10- ضوابط عامة تصلح لكل شأن:

هذا النهج في التقويم يتمسك به الداعية ويلتزم به كلما احتاج إليه، ومعظم هذه البنود تصلح للاستخدام عند كل عملية تقويم سواء كان الأمر متعلقاً بأشخاص أو قيادات منا أو من غيرنا. وينطبق هذا على كل تجمع وعلى كل عمل أو نشاط أو تحرك بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفه.

فاستعن بها لتحسن الأداء وتتقن التقدير.

وبعد.
فهذه ضوابط عشرة بسطناها أمامك هي ركائز لعملية التقويم ونترك لفطنتك أن تزيد وتضيف، ولوعيك أن يفصل ويسهب ونحب لك أن تبادر دوماً طالما كان الأساس متيناً.

ونريد لك أن تبدع وأن تتقدم.
وأنت أهل لذلك فاقتحم وتعلّم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب في موقع بصائر، قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وناطق باسمها. أسير فلسطيني محرر في صفقة وفاء الأحرار.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …